العلمين ، مصر 20 أغسطس 2015 (شينخوا) في بقعة نائية من صحراء مصر الغربية ، تمتد مقابر العلمين حيث يرقد آلاف من قتلى الحرب العالمية الثانية شهودا على مرارتها التي جسدتها عبارة كتبت على مسلة فرعونية تدعو الى "احترام الحياة".
وفي تلك المنطقة من أرض مصر ، دارت رحى احدى أهم معارك الحرب العالمية الثانية .. معركة العلمين الشهرية التي كانت نقطة تحول لمصلحة قوات الحلفاء بقيادة الجنرال مونتجومري على قوات المحور بقيادة روميل.
وتشهد تلك المقابر احتفالا سنويا لاحياء ذكرى تلك المعركة التي دارت في هذه المنطقة الواقعة بمحافظة مطروح بشمال غرب مصر منذ العام 1942.
ورغم مرور 73 عاما على معركة العلمين إلا أنها تأبي إلا أن تترك للأجيال المختلفة ذكرى تخلد وتؤرخ لهذه الحقبة المهمة من تاريخ العالم ممثلة في مقابر ضحايا هذه الحرب من القوات المتحاربة .. فأولئك الذين فرقتهم الخلافات السياسية والأيدلوجية جمعهم الثرى.
وتقع مدينة العلمين عند منطقة "الكيلو 106" على طريق الاسكندرية - مرسي مطروح شمال غرب القاهرة على ساحل البحر المتوسط ويبلغ عدد سكانها نحو 11 ألف نسمة.
وتضم المدينة ثلاث مقابر رئيسية .. الأولى لقوات الكومنولث وتحوي قتلى قوات بريطانيا ونيوزيلندا وفرنسا واستراليا والهند وجنوب أفريقيا، بالاضافة إلى مقبرتين لقتلى القوات الألمانية والايطالية.
وتقع المقبرة الألمانية والتي يطلق عليها "المعظمة الألمانية" بمنطقة تل عيسى المطلة على البحر المتوسط ، ويوجد بها جثامين ورفات أكثر من 4200 جندي ألماني من قتلى الحرب العالمية الثانية.
وقال عبدالمنعم عبدالرءوف المسؤول بالمقابر الألمانية بالعلمين، إن المقابر الألمانية أنشئت على هيئة قلعة،وهي مقسمة إلى ثماني غرف ، بواقع سبع غرف تضم كل واحدة منها 600 جندي، في حين تضم الغرفة الثامنة 80 جنديا مجهولا.
واشار عبدالرءوف لوكالة أنباء ((شينخوا)) الى أن الجنود الألمان والايطاليين كانوا مدفونين من قبل بمقبرة واحدة، وفي عام 1956 قررت الحكومة الألمانية بناء مقبرة خاصة للألمان.
وتم نقل رفات الجنود الألمان حيث كان مسجلا إسم كل جندي وتاريخ ميلاده وتاريخ وفاته.
والأرض المقام عليها المقبرة مهداة من الشعب المصري وهناك لوحة تذكرية مسجل عليها ذلك.
ووسط المقبرة الألمانية ، تقف مسلة فرعونية مرسوم عليها صقور مستقيمة، قال عبدالرءوف إنها رمز للأبدية وللدلالة على أن هؤلاء الذين قضوا بعيدا عن أوطانهم ماتوا ودفنوا في دولة تقدس الموتى منذ آلاف السنين ، وأن هذه المسلة تأخذ الموتى الألمان تحت حمايتها.
ومكتوب على المسلة "استريحوا .. 4200 جندي ألماني بالحرب العالمية الثانية .. موتهم توصية وانذار لنا" .
وعلى الجهة الأخرى للمسلة ، دونت عبارة "احترسوا من الموت .. واحترموا الحياة".
وفي 22 أكتوبر من كل عام ، يأتي أسر القتلى إلى المقابر لاحياء ذكرى الحرب من العديد من الدول بينها المانيا وايطاليا وبريطانيا ودول الكومنولث، بمشاركة عسكريين ورسميين.
وتشهد المقابر زيارات يومية سواء من المصريين أو من مختلف دول العالم للوقوف على تاريخ الحرب العالمية الثانية بصفة عامة ومعركة العلمين على وجه الخصوص .
وتضم العلمين كذلك مقابر دول الكومنولث، والتي تضم جثامين 7367 جنديا من بريطانيا ونيوزيلندا واستراليا وجنوب أفريقيا والهند وماليزيا وفرنسا.
وفي تلك المقبرة دونت أسماء نحو 11 ألفا و945 جنديا ممن لم يعثر على اشلائهم ويعتقد أنهم فقدوا بالصحراء.
أما المقبرة الايطالية فتعتبر أكثر المقابر جمالا من حيث الفخامة وفن العمارة.
وفي تلك المقبرة ، التي تضم 4800 من جثامين القتلى الايطاليين بالحرب ، توجد لوحة تشير إلى أن الصحراء ابتلعت أجساد نحو 38 ألف شخص.
وتضم المقابر الايطالية كنيسة صغيرة ومسجدا وقاعة للذكريات ومتحفا صغيرا.
وتحتفل الصين مطلع الشهر المقبل بالذكرى السبعين للحرب العالمية الثانية بمشاركة العديد من زعماء العالم، حيث سيقام العديد من العروض الضخمة.
ومن المقرر أن يشارك بالاحتفالات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي باعتبار أن بلاده شهدت واحدة من أهم وأعنف معارك هذه الحرب.
ويقول الدكتور أنور زناتي أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة عين شمس ان معركة العلمين تعد من أهم معارك التحول في الحرب العالمية الثانية حيث كانت لنتائجها تأثيرات بالغة على مسار الحرب العالمية بشكل عام.
واضاف زناتي لـ ((شينخوا)) أن معارك العلمين الأولى والثانية والتي دارت خلال الفترة من أول يوليو وحتى 4 نوفمبر عام 1942 ، كانت مفصلية في مسيرة الحرب ، وشهدت أعنف واشرس معارك للدبابات في التاريخ.
وأشار الى أن هزيمة قوات المحور في هذه المعركة كانت بداية توالت بعدها الهزائم حتى انتهت الحرب بانتصار قوات الحلفاء على المحور.
وأوضح أن ميزان القوة كان يميل بقوة لصالح الحلفاء حيث بلغ حجم قواتهم خلال المعركة 195 ألفا في مواجهة 104 آلاف.
كما كان الحلفاء مسلحين بنحو 1029 دبابة مقابل 489 للمحور، فضلا عن 2311 مدفعا للحلفاء مقابل 1219 للمحور، و750 طائرة للحلفاء مقابل 675 للمحور.
وبين زناتي أن هزيمة الألمان والايطاليين في العلمين وتراجعهم إلى ليبيا،ومحاصرتهم بقوات الحلفاء في مصر وتونس والجزائر، والخسائر الفادحة التي منيت بها اليابان في الصين والمقاومة الشرسة التي واجهتها هناك كان لكل ذلك تأثيره البالغ في التعجيل بنهاية الحرب العالمية الثانية ووقف المزيد من نزيف الدم.
ونوه بأنه وفقا لخطة إستراتيجية عسكرية، سجل الجيش والشعب الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي إنجازات عظيمة في مواجهة الغزو الياباني، حيث خاض نحو 152 ألف معركة ضد العدو، وقضى على حوالي 1.7 مليون جندي في الجيش الياباني والجيش العميل.
وتخليدا لمعركة العلمين ، أقيم متحف حربي يحكي سير المعركة وخرائطها ونماذج من الأسلحة المستخدمة خاصة الاسلحة الثقيلة من مدافع مختلفة الطرازات والأعيرة، والدبابات والمدرعات والسيارات والطائرات من الصناعات الألمانية والايطالية والبريطانية وحتى الأمريكية، فضلا عن الأسلحة الخفيفة.
واتفق زائرون مصريون جاءوا لزيارة المكان والتقت معهم ((شينخوا)) ، على ان هذه المقابر شاهد على النتيجة الحقيقية والوحيدة لأي حرب واي قتال.
ودعا هؤلاء قادة الدول الى زيارة هذه المقابر للتعرف على نتائج ما يتخذونه من قرارات يدفع ثمنها ابرياء لا ذنب لهم.
ولا تقتصر مأساة الحرب على ما خلفته من قتلى ، فقد تركت وراءها أيضا نحو 20 مليون لغم وجسم قابل للانفجار منتشرة من غرب الاسكندرية وحتى الحدود الليبية، وبمساحة تبلغ نحو 683 ألف فدانا.
وتم تطهير مساحات واسعة من تلك الاراضي الملوثة بالالغام بواسطة القوات المسلحة المصرية، وأقيم العديد من المشروعات السياحية فضلا عن مطار وميناء لليخوت .
ويجري الآن الاعداد والتجهيز لاقامة مدينة العلمين الجديدة لتكون مدينة مليونية.