بقلم إيمان جيانغ
بكين 10 سبتمبر 2015 (شينخوا) تحل غدا الذكري ال14 عاما على أحداث 11 سبتمبر عام 2001 التي راح ضحيتها أكثر من 3000 شخص. ومنذ ذلك الحين، دخلت الدول الغربية تحت قيادة الولايات المتحدة حربا ضد الإرهاب .
ورغم ذلك، أظهر هجوم يناير العام الحالي على مجلة ((شارلي ابدو)) الفرنسية وغيره من الهجمات الإرهابية التي شنت في بقاع عدة في العالم، على أيدى جماعة الدولة الإسلامية المتطرفة، أن تهديد الإرهاب للعالم مستمر بلا هوادة. ما يثير علامات الاستفهام حول خطايا هذه الحرب التي طال أمدها، ولماذا يتكرر الإرهاب وتشتد شوكته باستمرار؟
-- الإرهاب يشتد رغم المكافحة
في هذا الصدد، يرى لي وي، الخبير في مكافحة الإرهاب بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، أنه فى مواجهة تهديد الإرهاب، تحرص الدول الغربية على ضربه بقوة. قد تكون هذه الاستراتيجية فعالة على المدى القصير، ولكنها لن تكبح التطرف إلا مؤقتا فقط، وهى غير قادرة على استئصال الإرهاب.
ومنذ هجمات "911" الإرهابية، شنت الولايات المتحدة حربين على العراق وأفغانستان، وعلى الرغم من أنها كبحت مؤقتا تنظيم القاعدة، لكن الإرهاب في البلدين لم ينته بعد، والسبب وراء ذلك هو أن القوة ضد التهديد الإرهابي ليست حلا نهائيا، بحسب قوله.
وأضاف لي أنه على الرغم من أن الضربات الغربية تستهدف المتطرفين، لكنها غالبا ما روفقت الضربات العسكرية بتخريب سياسي، وتدمير للهياكل الاقتصادية، ما أدي الى تعطيل النمو العادى للمجتمعات المحلية، ومع الفوضى أصبحت هذه المجتمعات مرتعا للتطرف.
وهكذا، تبدو حرب الغرب على الإرهاب تدور في حلقة مفرغة : فكلما كثفت هذه الدول إجراءاتها لضرب الأنشطة الإرهابية، أصبح الإرهاب أشد. وشكل في نهاية المطاف ثلاث قواعد رئيسية في وسط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا.
في وسط آسيا، مع قرار الولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها من أفغانستان، انتشرت وتزايدت الأنشطة الإرهابية لتنظيم القاعدة فى المنطقة.
وفي الشرق الأوسط، شنت الولايات المتحدة حربها على العراق وأطاحت بنظام صدام حسين، وأدى الفراغ فى السلطة إلى صراع طائفي طال أمده، حتى أصبحت منطقة شمال العراق جنة للمتطرفين، وباتت قاعدة لجماعة الدولة الإسلامية (الداعش) بعد تدهور الوضع في سوريا.
وبعد سقوط نظام القذافي في ليبيا عام 2011 عن طريق الضربات الجوية للناتو، شهدت القوى المتطرفة في شمال أفريقيا نموا سريعا.
وفي غرب القارة، لا تزال جماعة بوكو حرام تشكل صداعا كبيرا لنيجيريا والدول المجاورة لها رغم الحملات العسكرية المتكررة ضدها.
وشاطر الرأي شاو فنغ، رئيس مكتب الاستراتيجية الدولية بالمعهد الاقتصادي والسياسي العالمي، التابع لأكاديمية العلوم الاجتماعية الصينية، قائلا إن السبب الأساسي لفشل الحرب الغربية ضد الإرهاب، هو أن التدخل العسكري ليس سوى وسيلة للانتقام، ولا يمكنه القضاء على التربة المناسبة لإيواء التطرف، بل يوفر مساحة لنموه. وهو ما يفسر سبب عدم قدرة القوات الأمريكية رغم بقائها في العراق وأفغانستان لسنوات عديدة، تحسين الوضع الأمني المحلي بشكل فعال، واشتد العنف بمجرد انسحابها فورا.
-- ازدواجية في المعايير
بالتأكيد، يفرض الإرهاب تهديدات للسلم والأمن الدوليين، وينبغي القضاء عليه فى بدايته. وكثيرا ما وقعت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، في فخ الإزدواجية في تحديد مفهوم الإرهاب، ما تسبب فى تفشى التطرف في جميع أنحاء العالم.
وشرح الخبير لي وي أنه من دراسة تاريخ تطور التطرف، لحظ أن الولايات المتحدة لعبت دورا مخزيا لا يمكن تجاهله. فخلال الحرب الباردة، ومن أجل مواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي، قدمت الولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي يد العون للمتعصبين في أفغانستان، ووفرت الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لهم، آملة أن يتمكنوا من صد غزو الجيش السوفيتي. وتطورت هذه القوة المتطرفة التي تلقت المساعدات الأمريكية فيما بعد الى تنظيم القاعدة ونفذت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر عام 2001.
وفى مواجهة الإرهاب، لجأت الولايات المتحدة وحلفاؤها الي الانتقام انتقائيا. واستنتدت الى اعتبارات إيديولوجية واستراتيجية لتمييز القوى المتطرفة "المفيدة" و"المضرة".
وضرب الخبير شاو فنغ مثالا بجماعة الدولة الإسلامية التي كانت في السابق فرعا لتنظيم القاعدة في العراق، ولكنها نمت سريعا في الحرب الأهلية في سوريا، محملا الولايات المتحدة وحلفاؤها مسؤولية لا يمكن التنصل منها.
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، برزت فى سوريا العديد من القوى المتطرفة، من بينها جماعة الدولة الإسلامية ، التي تعتبر العمود الرئيسي في مواجهة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وشنت هجمات كبرى بكثافة.
ولرغبتها الماسة فى إسقاط نظام بشار، غضت الولايات المتحدة وحلفاؤها الطرف عن فظائع جماعة الدولة الإسلامية حيث أصبح فرع تنظيم القاعدة يطلق عليهم "ثوار"، وتلقى علنا مساعدات من الدول الغربية. حتى نمت وتوسعت جماعة الدولة الإسلامية وسيطرت على مساحات واسعة من الأراض في العراق وسوريا، وفاتت على الدول الغربية فرصة استئصالها .
وباتت اليوم جماعة الدولة الإسلامية "معسكرا" للإرهاب العالمي، وعاد الكثير من المتطرفين الذين تلقوا تدريبات على أيديها إلى أوروبا ويشكلون تهديدات أمنية كبرى لها.
ورأى الخبير شاو أن المعايير المزدوجة التي انتهجتها الدول الغربية وفرت فرصة لنمو جماعة الدولة الإسلامية.
-- مبالغة في "صدام الحضارات"
وإزاء اشتداد حدة الإرهاب ، يسود الصمت المطبق الولايات المتحدة والدول الغربية إزاء أخطائهم، بل وبالغوا في مصطلح "صدام الحضارات". وهذا لن يساعد، بل يزيد التناقض في الحرب العالمية ضد الإرهاب .
وقال لي هاي دونغ، الأستاذ في معهد بحوث العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، إنه فى الواقع، صعود القوى المتطرفة يرتبط ارتباطا وثيقا بسياسة الدول الغربية في الشرق الأوسط. فمن تنظيم القاعدة إلى جماعة الدولة الإسلامية،، دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها تطور القوى المتطرفة في فترات مختلفة إنطلاقا من حماية مصالحها "الإستراتيجية".
وأضاف أن الدول الغربية حرصت على انتهاج قيمها الخاصة، تحت شعار "الحرية" و"الديمقراطية" لجني المكاسب على أنقاض التخريب السياسي في العديد من البلدان، ما تسبب فى اضطرابات في المنطقة، الأمر الذي قدم فرصة لنمو القوى المتطرفة.
وقد كان وضع التطرف فى إفريقيا مازال قيد السيطرة بعد هجمات 11 سبتمبر حتى قادت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في 2011 ضرباتهم الجوية لإسقاط نظام القذافى فضلا عن تقديم المساعدة للعديد من الجماعات المسلحة المعارضة للحكومة الليبية.
ونتيجة لذلك، سرعان ما اصبحت ليبيا "عراقا ثانيا"، وتدفقت الأسلحة إلى أيدى الجماعات المتطرفة فى غرب وشمال أفريقيا، وباتت مركزا للمتطرفين في شمال أفريقيا، وتهديدا للأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها.
إن أسباب تشكل الإرهاب في مناطق مختلفة من العالم معقدة، ولكنها تتعلق بالتدخل العسكري والتخريب السياسي من قبل الولايات المتحدة وحلفاؤها لدفع مصالحهم الخاصة الاستراتيجية تحت ستار مكافحة الإرهاب.
وفي الختام، اتفق الخبراء الصينيون على ضرورة نبذ المعايير المزدوجة بشأن مكافحة الإرهاب ورفض ربطه بدين أو عرق معينين، مؤكدين على أهمية تعزيز التعاون والتنسيق الدولي فى هذه الحرب لتجنب تكرار الكارثة وكسب حرب مكافحة الإرهاب. /نهاية الخبر/





