لندن 24 أكتوبر 2015 (شينخوا) فتحت الزيارة التي اختتمها الرئيس الصيني شي جين بينغ لتوه إلى بريطانيا "عصرا ذهبيا" للشراكة الإستراتيجية الشاملة العالمية بين البلدين، لتدفع التعاون الاقتصادي الأوثق في مجالات المالية والاستثمار والتجارة وما رواءها بين البلدين قدما.
وهذا لن يعود بالفائدة على البلدين فحسب، وإنما يسهل أيضا التعافي والتنمية الاقتصاديين لأوروبا والعالم بأسره.
وفيما يتوقع أن يساعد توقيع عدد ضخم من الاتفاقات التجارية التي بلغ إجمالي قيمتها 40 مليار جنيه استرليني (حوالي 62 مليار دولار أمريكي) خلال الزيارة أن يساعد في تأمين العلاقات التي تم الارتقاء بها، فتحت هذه الزيارة التاريخية أيضا فصلا جديدا للعلاقات بين الصين والغرب وضخت قوة دفع جديدة في التعاون بين العملاق الآسيوي وأوروبا وبرهنت مرة أخرى على الآفاق المشرقة لفكرة شي والمتمثلة في بناء نمط جديد للعلاقات الدولية جوهره التعاون القائم على الكسب المتكافئ.
وقال المحللون إنه في الوقت الذي تواجه فيه التنمية الاقتصادية العالمية أوجه عدم يقين، تشير زيارة شي إلى أن التعاون بين الصين وبريطانيا في الاقتصاد والتجارة وغيرهما من المجالات بات وثيقا على نحو أكبر مقارنة بأي وقت مضى، وهو ما يصب في صالح البلدين وأوروبا والعالم وسيمنح الانتعاش الاقتصادي العالمي حيوية كبيرة.
إن الإصلاح والانفتاح في الصين وإمكانات النمو الاقتصادي لديها قوبلت باهتمام بالغ من وحفزت الرغبة في التعاون لدى بريطانيا التي تعرف سياساتها الخارجية بالبراغماتية. كما حمست بريطانيا العالم بتحركاتها المتمثلة في دمج عملية الإصلاح ومبادرة (الحزام والطريق) في الصين بإستراتيجيتها التنموية الخاصة.
-- فوائد تدويل الرنمينبي
وقد تجاوز حجم التداول الشامل للرنمينبي في لندن الضعف في عام 2014، بزيادة نسبتها 143% مقارنة بعام 2013 حيث بلغ متوسط حجم التداول السنوى 61.5 مليار دولار، وهو أكبر بواقع ست مرات تقريبا مما تم تسجيله في المسح الأول الذي أجرى في عام 2011، وفقا لتقرير رسمي بريطاني نشر في يونيو.
ويعد التطور السريع للأعمال التجارية في لندن باستخدام الرنمينبي نبأ مثيرا للشركات الصينية والبريطانيا، فضلا عن الشركات في البلدان الأوروبية الأخرى وما وراءها، مع أخذ وضع لندن كمركز مالي في المنطقة والعالم بأسره في الاعتبار.
وفي سبتمبر من عام 2014، أعلن وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورون عزم الحكومة البريطانية إصدار سندات مقومة بالرنمينبي واستخدام العائدات كاحتياطي نقد أجنبي لديها.
وفي مارس من العام الجاري، أعلنت بريطانيا عزمها أن تصبح عضوا مؤسسا محتملا في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ما مهد الطريق لانضمام دول أوروبية أخرى إلى البنك.
وخلال زيارته للصين الشهر الماضي، وعد أوزبورون بأن تعمل بريطانيا مع الصين لجعل هذا البنك منصة تمويل مهنية ومسؤولة وشفافة وفعالة.
وفي نوفمبر القادم، يعتزم المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مناقشة واتخاذ قرار حول ما إذا كان يقوم بضم الرنمينبي إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة، وقد يصبح هذا حدثا حاسما في عملية تدويل الرنمينبي.
ورأى جان دين مدير مجموعة "ريسيرش أوف أشمور"، وهي شركة لإدارة الأصول مقرها بريطانيا، الفوائد المحتملة لضم الرنمينبي إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.
هذا يعني أن العملة الصينية قادرة على دخول مجال عملات الاحتياط الدولية، وبهذا لا تحتاج البلاد إلى تحمل العبء الكبير لاحتياطى النقد الأجنبي حيث يتم إصدار جزء من الأصول كأداة استثمارية في الخارج.
ومن ناحية أخرى، فإنه مع انفتاح حسابات رأس المال في الصين وتحرير أسعار الفائدة وتنشأة أسواق للسندات بها، يمكن للمستثمرين الأجانب الاستفادة بشكل نشط من السوق الصينية في سياق الوضع الجديد للرنمينبي.
-- فرص للارتقاء بالبنية التحتية
بوصفها أفضل وجهة للاستثمار الصيني في أوروبا، فقد فتحت بريطانيا أبوابها على مصراعيها للاستثمارات الصينية، التي قد شهدت معدل نمو سنوي قدره85 في المئة في السنوات الخمس السابقة.
وقامت الصين بتنفيذ 112 مشروع استثمار أجنبي مباشر في بريطانيا، وأصبحت رابع أكبر بلد مساهم بالاستثمارات الأجنبية المباشرة في بريطانيا بالسنة المالية 2014/2015، والتي انتهت في مارس 2015، وفقا لتقرير صادر عن التجارة والاستثمار بالمملكة المتحدة في يونيو.
وقال جيري غريمستون، رئيس مجلس إدارة مجموعة التأمين "ستاندرد لايف" وهي شركة مساهمة عامة محدودة، "أعتقد أن الشيء الأكثر وضوحا (في المستقبل القريب) هو الاستثمار الصيني في البنية التحتية البريطانية، مثل محطة الطاقة النووية، ونظام السكك الحديدية فائقة السرعة، وأسواق العقارات".
بينما ذكرت شذى إسلام، مديرة السياسات بمركز "أصدقاء أوروبا" البحثي ومقره بروكسل، أن الحكومة البريطانية مهتمة للغاية في الحصول على استثمارات صينية في مجال خطوط السكك الحديدية، ولاسيما خط السكك الحديدية الفائق السرعة في شمال أنجلترا.
وقالت إسلام إن "بريطانيا تحتاج قطعا إلى تحديث بنيتها التحتية، وهذا وضع يعود بالربح على الجميع هنا"، مشيرة إلى أن هناك مجال للتعاون أيضا في مجالات الاتصالات والطاقة، حيث تمتلك الصين المال وبريطانيا مهتمة.
وقد طرحت الحكومة البريطانية مصطلح "القوة الشمالية"، وهو مقترح لتعزيز النمو الاقتصادي في شمال انكلترا، والذي ينطوي على إجراء تحسينات على خطوط وسائل النقل، والاستثمار في مجال العلوم والابتكار، ما يوفر فرص للاستثمارات الصينية في بريطانيا.
كما أن الدولة الجزيرة ملتزمة أيضا بالعمل مع الصين على مبادرة الحزام والطريق وتخطط لجذب رؤوس الأموال الصينية للمساعدة في تنشيط البرنامج، لتضع بذلك نموذجا للدول الأوروبية الأخرى للتعاون مع الصين في إطار المبادرة.
وأشارت إسلام إلى أن كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي باتوا مدركين للحاجة إلى إجراء المزيد من التجارة والاستثمار الوثيقين مع الصين، بالنظر إلى وضعها كلاعب اقتصادي عالمي هام جدا.
وقالت إن التعاون سوف يكون له تأثير كبير على نمو فرص العمل في أوروبا، والذي يمثل مطلبا ملحا في الوقت الراهن، مشيرة إلى أنه سيعود بالفائدة أيضا على الصين، التي تحتاج إلى دفعة كذلك.
-- حافز للتجارة العالمية وبين الصين والاتحاد الأوروبي
كما أظهرت بيانات رسمية صينية أنه في عام 2014، سجل حجم التجارة بين الصين وبريطانيا رقما قياسيا، حيث تجاوز أكثر من 90 مليار دولار، بزيادة سنوية قدرها 19.6 في المئة.
وباعتبارها ثاني أكبر شريك تجاري للصين في الاتحاد الأوروبي، فقد أصبحت بريطانيا رائدة في المنطقة بتيسير التجارة"الوثيقة" مع الصين.
وقال رامون راتشيكو باردو، وهو محاضر بارز في كلية كينغز بلندن ومدير مشارك في مركز آسيا والمحيط الهادئ للعلوم الاجتماعية في لندن، إن التقدم المحقق في الشراكة عبر المحيط الهادئ، والصعوبات في المضي قدما في الشراكة التجارية والاستثمارية عبر الأطلسي قد تقود اقتصادات بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية إلى التطلع إلى الشرق بشكل أكبر.
وأفاد باردو أنه من المرجح جدا أن تؤيد الحكومة البريطانية بقوة إحراز الاتحاد الأوروبي تقدما في معاهدة الاستثمار الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والصين، كما أن لندن اقترحت أنها ستدعم اتفاقية التجارة الحرة الثنائية.
ولفت باردو إلى أنه من الإنصاف القول إن الحكومة البريطانية تعتبر قوة دافعة مهمة وراء عقد روابط اقتصادية أقوى بين الاتحاد الأوروبي والصين.
وأضاف أن حقيقة أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا لديها علاقات جيدة مع الصين تعني أن سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه البلد الآسيوي آخذة في التحسن، مشيرا إلى أن دور الثلاثة الكبار ما يزال محوريا في سياسات الاتحاد الأوروبي، كما أن القرارات الكبرى عموما بحاجة لدعمهم.
فيما أشار دانيال غروس، مدير مركز دراسات السياسة الأوروبية في بروكسل، إلى أن التحول الناجح للاقتصاد الصيني من الاستثمار إلى الاستهلاك ، ومن التصنيع إلى الخدمات، سيعود بالنفع بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
كما قال جاي درو دروري، كبير ممثلي اتحاد الصناعات البريطانية لدى الصين، في مقابلة أجريت معه مؤخرا، إن الشركات البريطانية تتطلع بإيجابية نحو آفاق السوق الصينية وعائداتها المحتملة على المدى الطويل، على اعتبار أن البلاد تمر حاليا بعملية إعادة توزان اقتصادي، ما يسفر عن كم هائل من الفرص في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتمويل والصناعات الإبداعية وتجارة التجزئة.
وقال إن بريطانيا هي بوابة لكافة الأسواق الأوروبية، وتعد العلاقات القوية بين بريطانيا والصين أيضا جيدة للبلدان الأوروبية الأخرى.
وبوصفها لاعبا مهما في الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا سوف تستمر بوضعها بمثابة نموذج للبلدان الأوروبية الأخرى في تعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين، وتحقيق فوائد حقيقية لأوروبا كلها وللعالم بأسره من خلال علاقاتها الوثيقة مع الصين.