بقلم رانية وانغ
بكين 11 ديسمبر 2015 (شينخوا) في حفل توزيع جوائز نوبل المهيب الذي أقيم أمس الخميس بالعاصمة السويدية ستوكهولم وأشرف فيه ملك السويد كارل السادس عشر غوستاف بنفسه على تسليمها لأصحابها ،تسلمت العالمة الصينية تو يو يو جائزة نوبل في الطب لعام 2015 التي أعلن مجلس نوبل بمعهد كارولينسكا بالسويد في أكتوبر الماضي فوزها بها بالتقاسم مع عالمين آخرين. وستصبح جائزة نوبل هذه، التي نالتها أول عالمة صينية تجري بحوثها داخل الصين، بمثابة وسام على صدر العلماء الصينيين كافة حيث تعبر عن تقدير كبير لبحوثهم المستمرة من أجل صحة الإنسان.
لقد اكتشفت تو يو يو (85 عاما)، اختصاصية فى علم الأدوية بأكاديمية الصين للطب الصيني التقليدي، اكتشفت عقار أرتيميسينين الذي نجح بدرجة كبيرة في خفض معدلات الوفاة بين مرضى الملاريا، ذلك المرض الذي رغم التقدم السريع في مكافحته خلال السنوات الماضية، إلا أنه مازال، وفقا لبيان صادر عن مجلس نوبل بمعهد كارولينسكا، مازال يقتل أكثر من نصف مليون شخص سنويا غالبيتهم من المواليد والأطفال في أشد مناطق إفريقيا فقرا.
وخلال حفل توزيع جوائز نوبل وأثناء حديثه عن الإسهامات العلمية التي قدمتها تو يو يو، ذكر البروفيسور هانز فروسبرغ عضو لجنة جائزة نوبل للطب إن "اكتشاف مادة أرتيميسينين ساهم في تطوير عقار جديد أنقذ ملايين الأشخاص وخفض معدل الوفيات نتيجة الملاريا إلى النصف في السنوات الـ15 الماضية".
وأظهرت أحدث المعلومات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية أن ما يربو على 240 مليون شخص في إفريقيا جنوب الصحراء استفادوا من العلاج بعقار أرتيميسينين، فيما نجا حوالى 1.5 مليون مريض من الموت بفضل هذا العلاج. فعقار الأرتيميسينين الصيني يتفوق على أى علاج آخر للملاريا من حيث الفعالية والسعر.
وفي أحد قاعات معهد كارولينسكا يوم الاثنين الماضي، ألقت تو يو يو محاضرة استمرت نصف ساعة ، وحضرها ألف شخص وجاءت تحت عنوان "اكتشاف عقار أرتيميسينين: هدية الطب الصيني التقليدي للعالم"، وسردت خلالها الباحثة الصينية قصة حية وقعت في سبعينات القرن الماضي حول الطريقة التي نجحت بها هي وفريقها - رغم التحديات والصعوبات - في استخلاص مادة من عشبة شيح أنوا أو الشيح الحلو أثبتت فعاليتها في علاج الملاريا. وما لفت الأنظار أن العالمة الصينية ذكرت عبارة "الطب الصيني التقليدي" عشرات المرات أثناء إلقاء المحاضرة.
وعندما نتابع تطور الطب الصيني التقليدي وانتشاره في بقية دول العالم, نجد أنه قد أحرز إنجازا جيدا خلال هذه السنوات، إذ قالت تو يو يو في المحاضرة إنه "منذ أن تذوق المكتشف الصيني شن نونغ مئات الأعشاب ، استطاعت الصين جمع خبرات تراكمية جوهرية في التطبيقات الإكلينيكية للمصادر الأكثر طبيعية على مدار آلاف السنين عبر الطب الصيني التقليدي"، مؤكدة أن "اعتماد هذه الممارسات واستكشافها وتطويرها سيسمح لنا باكتشاف المزيد من العقاقير الجديدة المفيدة للصحة العالمية".
ومن جانبه، ذكر فان شو تينغ رئيس الجمعية الصينية للطب الصيني التقليدي مؤخرا أن الصين من أكبر الدول المصدرة لمنتجات الطب الصيني التقليدي، وأن فوز العالمة تو يو يو بجائزة نوبل في الطب سيدعم "توجه منتجات هذا الطب نحو الأسواق الخارجية".
وأضاف فان شو تينغ أن عدد شركات الأدوية في الصين يتجاوز 4 آلاف، من بينها 1600 شركة تقريبا متخصصة في إنتاج أدوية الطب الصيني التقليدي. والآن, بلغ عدد قواعد زراعة الأعشاب التي تستخلص منها عقاقير الطب الصيني التقليدي 600 قاعدة، كما بلغت مساحة المناطق المزروعة بالأعشاب الخاصة بإنتاج هذه العقاقير 6 ملايين مو (أي ما يعادل 400 ألف هيكتار). وعلا وة على ذلك, تم بناء أكثر من 400 قاعدة موحدة لإنتاج هذه الأعشاب.
ووفقا للإحصاءات الصادرة عن فرع جمعية الطب الصيني التقليدي في إيطاليا, يبلغ عدد المتخصصين في الطب الصيني التقليدي في الخارج300 ألف شخص. وقد تم إنشاء أكثر من ألفي مركز لإدارة بحوث الطب الصيني التقليدي في 64 دولة بأوروبا وآسيا وإفريقيا وأمريكا والمنطقة الأوقيانوسية. ومن بين تلك المراكز، يوجد أكبر عدد من الباحثين المتخصصين في هذا الطب في اليابان والولايات المتحدة وألمانيا.
ويلقى الطب الصيني التقليدي قبولا أكبر بين الأجانب ولاسيما في كندا وهولندا وبريطانيا عبر التبادلات العلمية وصيته الذي ذاع على ألسنة الصينيين في الخارج.
وقد ذكر شو جين شيوي، أحد أعضاء الفريق الطبي الصيني للإغاثة في إفريقيا ويعمل الآن في تونس, لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن الكثير من أبناء تونس يعانون من الروماتيزم بسبب رياح البحر الباردة والرطبة، لذا قررت الحكومة التونسية تضمين العلاج بالوخز بالإبر الصينية في الخدمات الطبية التي تقدمها للجماهير نظرا للفعالية الجيدة له في علاج الروماتيزم.
أما في مصر, فقد مضت أكثر من 40 عاما على بدء انتشار العلاج بالوخز بالإبر الصينية هناك بدءا من التبادلات الشعبية وحتى التعاون بين الحكومتين، ما دفع عملية التطوير المستمر لهذا النوع من العلاج في مصر. واليوم، يقبل المرضى بمصر عموما على العلاج بالوخز بالإبر الصينية، وسيتمتع التعاون بين الحكومتين المصرية والصينية في هذا الصدد بآفاق رحبة مستقبلا.
وقبل عشرين عاما، شهد الكاتب المصري محمود سالم بعينه كيف تمكن طبيب صيني متخصص في العلاج بالوخز بالإبر ويعمل بالقاهرة من معالجة إحدى قريباته التى كانت تعجز عن الحركة تماما، إذ بعد جلسة علاج واحدة دامت 15 دقيقة فقط، تمكنت الفتاة من النهوض والتحرك في الغرفة وسط فرحة ودهشة الجميع من قدرة الطب الصيني التقليدي على علاجها.
هذا وقد حظيت عقاقير الطب الصيني التقليدي بإقبال كبير في بلدان عربية مثل السعودية وقطر والبحرين والإمارات, خاصة عقاقير الصحة والقوة وفقدان الوزن والتجميل. وعلاوة على ذلك, قدمت أدوية متخصصة في علاج الإلتهاب الكبدي وداء السكري وارتفاع ضغط الدم مساهمة طبية مهمة في البلدان العربية.
وعادة ما يصاب العرب، المعروف عنهم حب تناول لحوم البقر والضأن بالإمساك والبواسير والاضطرابات الشرجية..إلخ، وغالبا ما يعاني المصابون منهم بالسمنة في فئة كبار السن من مجموعة متنوعة من الأمراض التي تصاحبها آلام مزمنة، وهنا يمكن أن يحقق الطب الصيني التقليدي فعالية كبيرة في علاج الأمراض المذكورة أعلاه , وهذا ما يجذب المزيد والمزيد من المرضى العرب للطب الصيني التقليدي.
وعلى صعيد التعاون العالمى، عززت بعض الشركات الصينية للصناعات الدوائية التعاون مع هيئات خارجية للبحوث الدوائية من أجل جمع البيانات وتبادل الأسس النظرية, بهدف كسر حواجز الاستيراد. وخير دليل على ذلك أن الشركة الصينية لصناعة أدوية الطب الصيني التقليدي (تونغرينتون) تنخرط حاليا في تعاون جيد في مجال البحوث الرامية إلى اكتشاف عقار لعلاج السرطان من مسحوق بوغ غارنوديرما مع شركة ويسترن للصناعات الدوائية بولاية كاليفورنيا الأمريكية, فيما تشارك هذه الشركة الصينية في بحوث حول سلامة عناصر الطب الصيني التقليدي مع جامعة ويسترن سيدني الاسترالية .
أما دونغ تشي لين رئيس الاتحاد الدولي لجمعيات الطب الصيني، فقد ذكر أن "معهد تكساس الأمريكي للطب الحيوي اكتشف مؤخرا قدرة عناصر مستخلصة من الطب الصيني التقليدي على معالجة فيروس الإيبولا, ومن المحتمل وضعها موضع التنفيذ في غضون العامين المقبلين, ما يعد مثالا حيا على نجاح الطب الصيني التقليدي في التطبيقات الفعلية".
وأضاف دونغ قائلا إنه عند اكتشاف الوصفة الطبية القديمة من خلال الأساليب العلمية الحديثة، سيتم تطوير أدوية طب صيني تقليدي أكثر أمانا وفعالية لتحقق انتشارا أكبر في الأسواق الخارجية.
وتقول العالمة تو يو يو "إن الطب الصيني التقليدي كنز عظيم, استطاعنا من خلاله اكتشاف عقار أرتيميسينين. وأشعر أن لكل من الطب الصيني التقليدي والطب الغربي مميزاته الخاصة. وإذا ما تم الجمع بين مميزاتهما، ستفتح آفاق أرحب أمام إمكانية تطوير الطب الصيني التقليدي بما يخدم صحة البشرية جمعاء".