بيروت 11 ديسمبر 2015 (شينخوا) تصاعدت التوترات بين النازحين السوريين والمجتمع اللبناني المضيف أخيرا نتيجة للضائقة المالية التي يعانون منها.
يتجمع عدد من العمال السوريين، تتراوح أعمارهم بين ال 18 وال25 عاما، عند مدخل محمية ابل السقي الزراعية في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، الدماء تنزف من بعضهم والبعض الآخر مزقت ثيابه العتيقة، يصرخ احدهم ويدعى عادل ليقول بصوت مرتفع "المصائب والمشاكل تلاحقنا حتى في نزوحنا، لقد هربنا من حلب خوفا من قذائف الحقد التكفيري، وها نحن هنا يعتدى علينا ونهان من أشقاء لبنانيين، حجتهم اننا نقاسمهم لقمة عيشهم".
ويضيف " لقد تعرضنا للضرب المبرح، من عمال لبنانيين حيث نعمل سويا، في هذه المحمية الزراعية، براتب 15 دولارا يوميا، يريدون طردنا من هذه الورشة والممولة أصلا من جهات دولية ".
ما حصل لهؤلاء النازحين، ليست الحادثة الأولى ولن تكون الأخيرة، بين النازحين السوريين ومضيفيهم اللبنانيين، يقول النازح ابو حسين جمال الزغبي من ريف دمشق، " التوترات بيننا وبين اللبنانيين في تزايد، والعداء يتنامى، بتنا بالنسبة لهم شركاء في قوتهم، ننافسهم في المعامل والمصانع وفي الورش، ناخذ من طريقهم وطريق اطفالهم، لقد ارتفع منسوب الخلاف، وكأن ابواب الحياة تقفل الواحدة تلو الأخرى في وجوهنا، اننا حقا في ازمة لا نعرف كيف نتجاوزها ".
" تقليص المساعدات الدولية، ومنعنا من العمل، ومحاصرتنا داخل تجمعاتنا بسبب القيود الأمنية، كلها عوامل تنغص حياتنا، نسبة كبيرة من النازحين"، يقول النازح السورى حاتم العلي من ادلب، " باتت ترزح تحت عبء الديون، المدخرات استنفدت، فرص العمل انخفضت، كل ذلك يتجه بنا إلى الأسوأ، المنظمات الدولية المانحة، خفضت مساهمتها إلى ما دون ال 45 %، فبات معها أكثر من 950 الف نازح ضمن دائرة الديون، لأكثر من جهة لبنانية، حسب دراسة اجرتها (اليونسيف) وبرنامج الأغذية العالمي، وهذه الديون في أكثرها موزعة للمحال التجارية اللبنانية، ولمالكي العقارات والأبنية المستأجرة، كما المراكز الصحية ".
" اننا مضطرون للتأقلم مع وضعنا "، تقول النازحة عبلة الشغوري من ريف حلب، ام ل 7 اطفال تقطن في غرفة صغيرة، عند الطرف الشرقي لبلدة زحلة البقاعية، " بدل ايجارها الشهري 150 دولارا، مضطرة لتخفيض وجبات الطعام اليومية، وتقليص حجمها، لخفض المصاريف، نادرا ما نشتري اللحوم والدجاج، البيض والعدس والفول عماد حياتنا، الفواكه موسمية نجمعها من الحقول المجاورة، بعد تركها من اصحاب البساتين، صاحب متجر صغير قريب يبيعنا المواد الغذائية بالتقسيط، وان نسبة كبيرة من النازحين يعتمدون على الدين، البعض يبدل مكان النزوح ليتهرب من دفع الديون المتراكمة، وان ذلك ينعكس سلبا على العلاقة بين النازحين واصحاب المحال التجارية بشكل عام ".
تقدر الجهات العاملة في اغاثة النازحين، ان ما بين 70 إلى 80 % منهم يعيش تحت خط الفقر، وان مصروف الفرد اليومي يتراوح بين النصف وال 3 دولارات، وامام هذا الوضع يضطر النازحون، إلى اخراج اطفالهم من المدارس وتشغيلهم في الورش باي ثمن مهما كان.
ويقول الدكتور النازح من ريف دمشق عبد الستار ابو علي، والذي يعطي دروسا ليلية لطلاب لبنانيين مقابل 5 دولارات عن كل ساعة، ان هناك حالات تتكاثر يوما بعد يوم، يطرد خلالها صاحب المنزل المستأجر النازح، بعد عجزه عن دفع بدل ايجار المنزل لشهرين أو ثلاثة، لقد فقدت الثقة بين المستأجر وصاحب المنزل، كذلك فنسبة كبيرة من النازحين السوريين عجزت ايضا عن دفع ديون المحال التجارية المتراكمة شهرا بعد شهر، مما افقدهم ثقة المقرضين.
كذلك يواجه النازحون مشكلة تجديد الاقامة كل ستة أشهر، وللقيام بذلك، يجب على النازحين المسجلين، الذين هم في سن العمل، توقيع تعهد بعدم العمل لدى كاتب العدل، إن معظم العمال من النازحين السوريين يعملون بشكل غير رسمي، من خلال إيجاد فرص عمل في الزراعة أو البناء لبضعة أيام كل شهر، ولا يكسبون عادة أكثر من 15 دولارا أمريكيا في اليوم، أما النساء والأطفال، فيكسبون أقل من 4 دولارات أمريكية في اليوم مقابل العمل في الزراعة.
وارتفعت حدة التوترات بين النازحين السوريين والمجتمعات اللبنانية المضيفة ،على الرغم من المحاولات الجادة لاحتوائها، ومرد ذلك حسب الطبيبة النفسية رندا الكعكي، المخاوف الأمنية والقضايا الصحية، نقل عدوى الأمراض، الخطر البيئي للتجمعات السورية، التنافس على فرص العمل الشحيحة، فعلى سبيل المثال، أعربت عائلات لبنانية في مناطق النزوح عن شعورها بالقلق على سلامة الأطفال وصحتهم خلال وجودهم في المدارس مع طلاب سوريين، تفشت في رؤوسهم القمل، اضافة إلى أمراض جلدية، ويخاف هؤلاء من انتقال العدوى إلى اطفالهم، كما هناك ارتفاع في الجريمة والسرقات التي يتهم فيها نازحون، كلها عوامل زعزعة الثقة بين الطرفين اللبناني والسوري النازح.
وفي محاولة للحد من هذا التنافر، عملت المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، ومنظمات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية محلية ودولية، على الجمع بين الطرفين وتقريب وجهات النظر، عبر مشروع اطلق عليه، عمليات التقويم التشاركي، وهي عبارة عن حوارات منظمة تجرى بين النازحين من رجال ونساء وفتيان وفتيات، وعائلات لبنانية مضيفة من المجتمعات المحلية، كما تقام مسرحيات وحفلات ترفيهية مشتركة اضافة إلى رحلات لمناطق اثرية، لكن نتائج ذلك حسب سلوى المشرفة على جانب من هذه النشاطات بقيت محدودة للغاية.
يذكر أن أكثر من مليون نازح سوري يقيمون في لبنان وسط ظروف وأوضاع حياتية ومعيشية صعبة في وقت ينعكس وجود هؤلاء ضغوطا خدماتية واقتصادية وأمنية على البلاد.





