تقرير سنوي : عام 2015 يشهد أسوأ أزمة لاجئين في أوروبا سببها تدخلات عسكرية قادتها الولايات المتحدة (إضافة أولى وأخيرة)

12:53:59 16-12-2015 | Arabic. News. Cn

بكين 16 ديسمبر 2015 (شينخوا) شهد عام 2015 أسوأ أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية حيث أخذ يتدفق على القارة نزوح جماعي من المهاجرين القادمين من أفغانستان والعراق وسوريا.

فقد اعتمدت الدول الأوروبية المتضررة خطوات مختلفة مثل إغلاق حدودها من خلال بناء الأسوار سعيا لعرقلة التدفق الضخم للاجئين.

بيد أن الخبراء أشاروا إلى أنه فقط من خلال القضاء بصورة أساسية على السبب الجذري للأزمة -- وهو التدخل العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى -- سيتسنى وقف الأزمة الحالية عن الاتساع وعدم تكرار حدوث اضطرابات مستقبلية من نفس الطبيعة.

-- أرقام مخيفة للاجئين

وفي هذا العام الذي أوشك على نهايته، خاطر طوفان من المهاجرين بحياتهم للوصول إلى أوروبا فرارا من دولهم التي تمزقها الصراعات، وهي في الأساس أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا التي شهدت جمعيا تدخلا عسكريا غربيا.

فقد أفاد أحدث تقرير صدر عن منظمة الهجرة الدولية بأن عدد الوافدين من اللاجئين إلى أوروبا عبر البحر فقط بلغ 924147 في الفترة من الأول إلى التاسع من يناير مع تسجيل عدد قياسي من الوفيات في البحر المتوسط بلغ 3671 شخصا. وكانت من بين مقاصدهم قبرص واليونان وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وشهدت اليونان توافد 771508 من اللاجئين ، وهو أكثر بواقع 21 مرة من إجمالي عدد الوافدين من اللاجئين إليها في عام 2014، حيث جاءت أكبر الأعداد من سوريا (388130) وأفغانستان (142301) والعراق (44349).

وخلال نفس الفترة، وصل قرابة 965 ألف من اللاجئين إلى ألمانيا، أكثر من نصفهم من السوريين.

غير أن الأزمة بعيدة كل البعد عن أن تنتهي، إذ أن إحصاءات اللاجئين في أوروبا في تزايد مستمر.

وذكر مكتب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر أن أعدادا أخرى من اللاجئين تصل إلى 850 على الأقل من المتوقع أن تعبر البحر المتوسط إلى أوروبا في العامين المقبلين من بينهم 400 ألف في عام 2015 و450 ألف أو يزيد في عام 2016.

-- آثار عميقة على الدول المعنية

إن تدفق اللاجئين لا يشكل تحديات على مقاصدهم النهائية فحسب، وإنما يشكل أيضا عبئا كبيرا على دول العبور مثل تركيا ولبنان.

ويقول الرأى العام الأوروبي إن أزمة اللاجئين تشكل تهديدا لوحدة الاتحاد الأوروبي الذي تختلف دوله الأعضاء بشأن قضايا مثل إعادة توطين اللاجئين.

وأعرب المحللون عن خشيتهم بأن يعود الاتحاد الأوروبي إلى عصر الحواجز والأسوار والجدران إذا لم يتمكن أعضاؤه من التوصل إلى توافق حول قضايا رئيسية مثل إجراءات اللجوء، وتوزيع اللاجئين ، وإقامة مراكز لجوء مشتركة.

وحذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أن منطقة شينجن-- وهي أحد أهم إنجازات الوحدة الأوروبية -- ستكون معرضة للخطر ما لم يتم حل قضية اللاجئين بالشكل الملائم.

وقبل اجتماع للاتحاد الأوروبي حول مسألة إعادة التوزيع المثيرة للجدل لـ160 ألف من اللاجئين داخل الدول الأعضاء في بداية نوفمبر، حذر وزير خارجية لوكسمبورغ جان إسيلبورن من "وضع حرج جدا جدا" في أوروبا، قائلا إن الاتحاد الأوروبي قد يتفكك بسبب أزمة اللاجئين الحالية.

ولكن بعض الخبراء أعربوا من ناحية أخرى عن تفاؤلهم، قائلين إنه إذا ما تم التعامل بالشكل الملائم مع هذه القضية، فإنها قد تجلب فرصا لأوروبا في المستقبل.

وذكر كاي- أولاف لانج الخبير بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "أزمة اللاجئين تشكل تحديا وفرصة".

وقال "إنها تشكل تحديا نظرا لضرورة الاهتمام بالأعداد الكبيرة من المهاجرين خلال مدة قصيرة ودمجها خلال مدة طويلة في المجتمعات والاقتصاد والنظم الاجتماعية ، الأمر الذي يتطلب قبولا من الرأى العام ورغبة مجموعات المهاجرين في الاندماج فضلا عن القيادة السياسية".

وأضاف الخبير أن "الفرصة تكمن في أن الأزمة ستقود إلى أرضية مشتركة أكبر فيما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية والأمنية لأوروبا ".

كما شهدت دول العبور محنة نتيجة أزمة اللاجئين.

فقد واجهت تركيا سلسلة من التحديات تتدرج من المشكلات الأمنية وحتى الصعوبات المالية بسبب تزايد الأعداد الوافدة من اللاجئين.

فالجزء الأكبر من اللاجئين امتزج مع السكان المحليين في أنحاء البلاد، ما أدى إلى تخمر حالة الاستياء بين السكان المحليين الذين شكوا من تزايد معدلات الجريمة وارتفاع تكلفة المعيشة مثل الإيجارات وتزايد الأعباء على شبكة الصحة والضمان الاجتماعي في المؤسسات المحلية.

وحذر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في أكتوبر من أن العدد الهائل من اللاجئين السوريين قد يقود إلى "أزمة وجودية" في لبنان التي تناضل بالفعل لحل مشكلاتها السياسية الداخلية.

وقال باسيل إن "التدفق الهائل للاجئين سيكون له تأثير سلبي على المنطقة بأسرها حيث أنه يغير على وجه السرعة التركيبة السكانية للبلدان".

ويشهد لبنان موجة جديدة من المهاجرين المتجهين من سواحلها إلى الغرب حيث يحاول مئات الآلاف منهم،أغلبهم من السوريين والفلسطينيين، الهجرة بصورة غير شرعية إلى أوروبا عبر ميناء طرابلس شمالي البلاد.

كما تدهور الوضع الأمني في مخيمات اللاجئين داخل لبنان. ففي أكتوبر، لقى أربعة لاجئين سوريين مصرعهم وأصيب عشرة آخرون جراء انفجار ضرب مخيم للاجئين في منطقة العرسال الحدودية الشرقية.

-- اللوم على التدخل العسكري بقيادة أمريكا

وقال الكثيرون إن أزمة اللاجئين التي تجتاح أوروبا تعود جزئيا إلى ما اقترفته أيدي بعض الدول الأوروبية التي انضمت إلى الولايات المتحدة وحشرت أنوفها عسكريا في الشؤون الداخلية لدول مصدر اللاجئين.

وقال ديميتار باراتش وزارا فاجينكنشت، زعيما الكتلة البرلمانية لحزب اليسار المعارض الرئيسي بألمانيا، في ورقة موقف في أوائل سبتمبر إبان ذروة الأزمة، إن " الدول الغربية تحت قيادة الولايات المتحدة تسببت في زعزعة استقرار مناطق كاملة من خلال إتاحة فرصة لقيام منظمات إرهابية واستخدامها كأداة".

وأضافا أن عصابات القتلة مثل تنظيم الدولة الإسلامية دُعمت ومُولت بشكل غير مباشر بأموال وأسلحة من قبل دول متحالفة مع ألمانيا، الأمر الذي عرض ملايين الأشخاص لحروب وحشية وحروب أهلية.

وشاطرههما نفس الرأي الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط مايكل لويدرز، الذي قال في مقابلة خاصة مع وكالة ((شينخوا))، إن الولايات المتحدة لابد وأن تتحمل المسؤولية عن أزمة اللاجئين الراهنة.

وأوضح لويدرز، وهو عضو مجلس إدارة بجمعية الشرق الأقصى والأدنى الألمانية ونائب رئيس مؤسسة ) أوريانت( الألمانية، أن التدخل العسكري الغربي في دول مثل العراق وسوريا وليبيا أفضى إلى فوضي واضطرابات، مضيفا أن معظم اللاجئين الفارين إلى أوروبا أتوا تحديدا من هذه الدول التي شهدت تدخلا عسكريا.

وقال إن السبب في كل الاضطرابات التي تشهدها سوريا يعود إلى التدخل العسكري في العالم العربي وتصميم الغرب على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

وتابع " خططوا لإسقاطه وتعيين رئيس جديد موال للغرب. غير أن هذه الخطة فشلت. والنتيجة كانت زيادة وقود الحرب".

وعزا محللون آخرون أزمة اللاجئين في أوربا إلى " الثورات الملونة" برعاية الولايات المتحدة، والتي تهدف إلى تسهيل تغيير الأنظمة بذريعة نشر الديمقراطية على النمط الغربي من خلال إذكاء نيران التظاهرات المناوئة للحكومات في تلك الدول.

وقال سعيد اللاوندي، خبير العلوم السياسية والباحث بمركز الأهرا م للدراسات السياسية والإستراتيجية المصري، لوكالة ((شينخوا))، إن "الثورات تعني التغيير، لكن التغيير في العالم العربي دمر المنطقة. وقد خلقت الولايات المتحدة عدوا جديدا للدول في المنطقة: الإرهاب والطائفية".

وقال يسري العزباوي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن الولايات المتحدة دعمت الثورات لسببين: الأول هو حماية إسرائيل والثاني هو دعم حكومات موالية لواشنطن.

وأضاف أن الحكومة الأمريكية لديها تأثير قوي على الليبراليين في الشرق الأوسط وقد ساعد هذا واشنطن على تعزيز أجنداتها الخاصة في المنطقة، مثل تحويل الشباب هناك إلى مدافعين عن النظام السياسي الغربي.

وقال سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للشؤون السياسية والإستراتيجية، إن الولايات المتحدة دعمت الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وتونس من تحت الطاولة حتى تتمكن واشنطن من استخدامهم كأدوات لتسهيل التغيير الذي تريد أن تراه.

والآن مد الثورة قد انحسر وعلى الولايات المتحدة وشركائها الغربيين التعامل مع الإرهاب المتفجر والعدد الهائل من اللاجئين، أي ما أنتجته أيديهم.

-- جهد مشترك لإيجاد حلول

لقد لقي الآلاف من اللاجئين حتفهم قبالة شواطئ أوروبا بعد غرق قواربهم وزوارقهم الصغيرة غير الصالحة للملاحة في البحر. ولا يمر يوم تقريبا دون أن تتردد أنباء من هنا أو هناك عن إحراق عمدي لمراكز إيواء أو نقص في المواد الضرورية لحياتهم ضمن أشياء أخرى.

وتحت ضغوط متزايدة، بدأت الأطراف المعنية بأزمة اللاجئين البحث بشكل مشترك عن حلول للمشكلة.

وتوصلت تركيا، التي قال رئيس وزرائها أحمد داود أوغلوا أنها أنفقت حوالي 8 مليارات دولار على اللاجئين، وتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق في نوفمبر بشأن تقاسم عبء الحد من تدفق اللاجئين.

وبسبب النقص في التمويل، يخطط العديد من اللاجئين السوريين في لبنان للهجرة إلى أوروبا، الأمر الذى قد يزيد الأعباء المثقلة على كاهل الدول الأوروبية ويزيد من خطورة الكارثة الإنسانية.

وفي أكتوبر، طلبت الأردن 8.2 مليار دولار كمساعدة من المجتمع الدولي بغرض توفير الخدمات للاجئين السوريين في الفترة من 2016 إلى 2018.

وفي 9 ديسمبر، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في هلسينكي إن التعاون الدولي ضروري لتخفيف وضع اللاجئين.

كما أكد بان كي مون أن مشكلة اللاجئين هي ظاهرة عالمية ويجب توقيع عقد على نطاق عالمي لتقاسم المسؤوليات.

ودعا خبراء أوربيون أيضا الدول الأوروبية إلى إظهار تضامنها ومحاولة إيجاد إستراتيجية مشتركة للتعامل مع القضية.

وقالت سابين ريديل، الخبير بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن "التصاعد الأخير في أزمة اللاجئين أظهر عدم توحد الاتحاد الأوروبي بعد كدولة واحدة".

وأضافت ريديل في ورقة عمل لها أن الاتفاقيات الدولية الهامة المتعلقة بقضية اللاجئين تطبق بشكل مختلف للغاية داخل أعضاء الاتحاد الأوروبي، الذين حددوا سياساتهم المتعلقة باللاجئين وفقا لقوانينهم ودساتيرهم الوطنية.

وبرأيها، فإنه يتعين على الدول الأعضاء أن " ترجع خطوة للخلف" وتأخذ نظرة في سياسات اللاجئين للدول الأخرى قبل التحرك باتجاه حل أوروبي" متسرع"، ولاسيما فيما يتعلق بقضية توزيع اللاجئين.

كما يتعين على الولايات المتحدة، من أجل الدفاع عن مصالحها الخاصة، أن تتقاسم بعض المسؤوليات مع حلفاءها الأوربيين.

وفي 20 سبتمبر، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن بلاده ستستقبل 85 ألف لاجئ من جميع أنحاء العالم في العام المقبل عما كان 70 ألف لاجئ .

وقال ايان ليسير، الباحث السياسي بصندوق مارشال الألماني، إن " الولايات المتحدة ليست متفرجا غير مهتم بأزمة اللاجئين الأوروبية. إذا أسيئ التعامل معها، سيفرض التدفق المتزايد للاجئين تحديات متعددة للمصالح الأمريكية وقد يكون عنصر انقسام في العلاقات عبر ضفتي الأطلنطي".

 

 

ألصق عنوان البريد الإلكتروني لصديقك في الفراغ اليمين لإرساله هذه المقالة العودة الى الأعلى
arabic.news.cn

تقرير سنوي : عام 2015 يشهد أسوأ أزمة لاجئين في أوروبا سببها تدخلات عسكرية قادتها الولايات المتحدة (إضافة أولى وأخيرة)

新华社 | 2015-12-16 12:53:59

بكين 16 ديسمبر 2015 (شينخوا) شهد عام 2015 أسوأ أزمة لاجئين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية حيث أخذ يتدفق على القارة نزوح جماعي من المهاجرين القادمين من أفغانستان والعراق وسوريا.

فقد اعتمدت الدول الأوروبية المتضررة خطوات مختلفة مثل إغلاق حدودها من خلال بناء الأسوار سعيا لعرقلة التدفق الضخم للاجئين.

بيد أن الخبراء أشاروا إلى أنه فقط من خلال القضاء بصورة أساسية على السبب الجذري للأزمة -- وهو التدخل العسكري الغربي بقيادة الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى -- سيتسنى وقف الأزمة الحالية عن الاتساع وعدم تكرار حدوث اضطرابات مستقبلية من نفس الطبيعة.

-- أرقام مخيفة للاجئين

وفي هذا العام الذي أوشك على نهايته، خاطر طوفان من المهاجرين بحياتهم للوصول إلى أوروبا فرارا من دولهم التي تمزقها الصراعات، وهي في الأساس أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا التي شهدت جمعيا تدخلا عسكريا غربيا.

فقد أفاد أحدث تقرير صدر عن منظمة الهجرة الدولية بأن عدد الوافدين من اللاجئين إلى أوروبا عبر البحر فقط بلغ 924147 في الفترة من الأول إلى التاسع من يناير مع تسجيل عدد قياسي من الوفيات في البحر المتوسط بلغ 3671 شخصا. وكانت من بين مقاصدهم قبرص واليونان وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

وشهدت اليونان توافد 771508 من اللاجئين ، وهو أكثر بواقع 21 مرة من إجمالي عدد الوافدين من اللاجئين إليها في عام 2014، حيث جاءت أكبر الأعداد من سوريا (388130) وأفغانستان (142301) والعراق (44349).

وخلال نفس الفترة، وصل قرابة 965 ألف من اللاجئين إلى ألمانيا، أكثر من نصفهم من السوريين.

غير أن الأزمة بعيدة كل البعد عن أن تنتهي، إذ أن إحصاءات اللاجئين في أوروبا في تزايد مستمر.

وذكر مكتب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر أن أعدادا أخرى من اللاجئين تصل إلى 850 على الأقل من المتوقع أن تعبر البحر المتوسط إلى أوروبا في العامين المقبلين من بينهم 400 ألف في عام 2015 و450 ألف أو يزيد في عام 2016.

-- آثار عميقة على الدول المعنية

إن تدفق اللاجئين لا يشكل تحديات على مقاصدهم النهائية فحسب، وإنما يشكل أيضا عبئا كبيرا على دول العبور مثل تركيا ولبنان.

ويقول الرأى العام الأوروبي إن أزمة اللاجئين تشكل تهديدا لوحدة الاتحاد الأوروبي الذي تختلف دوله الأعضاء بشأن قضايا مثل إعادة توطين اللاجئين.

وأعرب المحللون عن خشيتهم بأن يعود الاتحاد الأوروبي إلى عصر الحواجز والأسوار والجدران إذا لم يتمكن أعضاؤه من التوصل إلى توافق حول قضايا رئيسية مثل إجراءات اللجوء، وتوزيع اللاجئين ، وإقامة مراكز لجوء مشتركة.

وحذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أن منطقة شينجن-- وهي أحد أهم إنجازات الوحدة الأوروبية -- ستكون معرضة للخطر ما لم يتم حل قضية اللاجئين بالشكل الملائم.

وقبل اجتماع للاتحاد الأوروبي حول مسألة إعادة التوزيع المثيرة للجدل لـ160 ألف من اللاجئين داخل الدول الأعضاء في بداية نوفمبر، حذر وزير خارجية لوكسمبورغ جان إسيلبورن من "وضع حرج جدا جدا" في أوروبا، قائلا إن الاتحاد الأوروبي قد يتفكك بسبب أزمة اللاجئين الحالية.

ولكن بعض الخبراء أعربوا من ناحية أخرى عن تفاؤلهم، قائلين إنه إذا ما تم التعامل بالشكل الملائم مع هذه القضية، فإنها قد تجلب فرصا لأوروبا في المستقبل.

وذكر كاي- أولاف لانج الخبير بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية لوكالة أنباء ((شينخوا)) أن "أزمة اللاجئين تشكل تحديا وفرصة".

وقال "إنها تشكل تحديا نظرا لضرورة الاهتمام بالأعداد الكبيرة من المهاجرين خلال مدة قصيرة ودمجها خلال مدة طويلة في المجتمعات والاقتصاد والنظم الاجتماعية ، الأمر الذي يتطلب قبولا من الرأى العام ورغبة مجموعات المهاجرين في الاندماج فضلا عن القيادة السياسية".

وأضاف الخبير أن "الفرصة تكمن في أن الأزمة ستقود إلى أرضية مشتركة أكبر فيما يتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية والأمنية لأوروبا ".

كما شهدت دول العبور محنة نتيجة أزمة اللاجئين.

فقد واجهت تركيا سلسلة من التحديات تتدرج من المشكلات الأمنية وحتى الصعوبات المالية بسبب تزايد الأعداد الوافدة من اللاجئين.

فالجزء الأكبر من اللاجئين امتزج مع السكان المحليين في أنحاء البلاد، ما أدى إلى تخمر حالة الاستياء بين السكان المحليين الذين شكوا من تزايد معدلات الجريمة وارتفاع تكلفة المعيشة مثل الإيجارات وتزايد الأعباء على شبكة الصحة والضمان الاجتماعي في المؤسسات المحلية.

وحذر وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في أكتوبر من أن العدد الهائل من اللاجئين السوريين قد يقود إلى "أزمة وجودية" في لبنان التي تناضل بالفعل لحل مشكلاتها السياسية الداخلية.

وقال باسيل إن "التدفق الهائل للاجئين سيكون له تأثير سلبي على المنطقة بأسرها حيث أنه يغير على وجه السرعة التركيبة السكانية للبلدان".

ويشهد لبنان موجة جديدة من المهاجرين المتجهين من سواحلها إلى الغرب حيث يحاول مئات الآلاف منهم،أغلبهم من السوريين والفلسطينيين، الهجرة بصورة غير شرعية إلى أوروبا عبر ميناء طرابلس شمالي البلاد.

كما تدهور الوضع الأمني في مخيمات اللاجئين داخل لبنان. ففي أكتوبر، لقى أربعة لاجئين سوريين مصرعهم وأصيب عشرة آخرون جراء انفجار ضرب مخيم للاجئين في منطقة العرسال الحدودية الشرقية.

-- اللوم على التدخل العسكري بقيادة أمريكا

وقال الكثيرون إن أزمة اللاجئين التي تجتاح أوروبا تعود جزئيا إلى ما اقترفته أيدي بعض الدول الأوروبية التي انضمت إلى الولايات المتحدة وحشرت أنوفها عسكريا في الشؤون الداخلية لدول مصدر اللاجئين.

وقال ديميتار باراتش وزارا فاجينكنشت، زعيما الكتلة البرلمانية لحزب اليسار المعارض الرئيسي بألمانيا، في ورقة موقف في أوائل سبتمبر إبان ذروة الأزمة، إن " الدول الغربية تحت قيادة الولايات المتحدة تسببت في زعزعة استقرار مناطق كاملة من خلال إتاحة فرصة لقيام منظمات إرهابية واستخدامها كأداة".

وأضافا أن عصابات القتلة مثل تنظيم الدولة الإسلامية دُعمت ومُولت بشكل غير مباشر بأموال وأسلحة من قبل دول متحالفة مع ألمانيا، الأمر الذي عرض ملايين الأشخاص لحروب وحشية وحروب أهلية.

وشاطرههما نفس الرأي الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط مايكل لويدرز، الذي قال في مقابلة خاصة مع وكالة ((شينخوا))، إن الولايات المتحدة لابد وأن تتحمل المسؤولية عن أزمة اللاجئين الراهنة.

وأوضح لويدرز، وهو عضو مجلس إدارة بجمعية الشرق الأقصى والأدنى الألمانية ونائب رئيس مؤسسة ) أوريانت( الألمانية، أن التدخل العسكري الغربي في دول مثل العراق وسوريا وليبيا أفضى إلى فوضي واضطرابات، مضيفا أن معظم اللاجئين الفارين إلى أوروبا أتوا تحديدا من هذه الدول التي شهدت تدخلا عسكريا.

وقال إن السبب في كل الاضطرابات التي تشهدها سوريا يعود إلى التدخل العسكري في العالم العربي وتصميم الغرب على الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد.

وتابع " خططوا لإسقاطه وتعيين رئيس جديد موال للغرب. غير أن هذه الخطة فشلت. والنتيجة كانت زيادة وقود الحرب".

وعزا محللون آخرون أزمة اللاجئين في أوربا إلى " الثورات الملونة" برعاية الولايات المتحدة، والتي تهدف إلى تسهيل تغيير الأنظمة بذريعة نشر الديمقراطية على النمط الغربي من خلال إذكاء نيران التظاهرات المناوئة للحكومات في تلك الدول.

وقال سعيد اللاوندي، خبير العلوم السياسية والباحث بمركز الأهرا م للدراسات السياسية والإستراتيجية المصري، لوكالة ((شينخوا))، إن "الثورات تعني التغيير، لكن التغيير في العالم العربي دمر المنطقة. وقد خلقت الولايات المتحدة عدوا جديدا للدول في المنطقة: الإرهاب والطائفية".

وقال يسري العزباوي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن الولايات المتحدة دعمت الثورات لسببين: الأول هو حماية إسرائيل والثاني هو دعم حكومات موالية لواشنطن.

وأضاف أن الحكومة الأمريكية لديها تأثير قوي على الليبراليين في الشرق الأوسط وقد ساعد هذا واشنطن على تعزيز أجنداتها الخاصة في المنطقة، مثل تحويل الشباب هناك إلى مدافعين عن النظام السياسي الغربي.

وقال سمير غطاس، رئيس منتدى الشرق الأوسط للشؤون السياسية والإستراتيجية، إن الولايات المتحدة دعمت الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وتونس من تحت الطاولة حتى تتمكن واشنطن من استخدامهم كأدوات لتسهيل التغيير الذي تريد أن تراه.

والآن مد الثورة قد انحسر وعلى الولايات المتحدة وشركائها الغربيين التعامل مع الإرهاب المتفجر والعدد الهائل من اللاجئين، أي ما أنتجته أيديهم.

-- جهد مشترك لإيجاد حلول

لقد لقي الآلاف من اللاجئين حتفهم قبالة شواطئ أوروبا بعد غرق قواربهم وزوارقهم الصغيرة غير الصالحة للملاحة في البحر. ولا يمر يوم تقريبا دون أن تتردد أنباء من هنا أو هناك عن إحراق عمدي لمراكز إيواء أو نقص في المواد الضرورية لحياتهم ضمن أشياء أخرى.

وتحت ضغوط متزايدة، بدأت الأطراف المعنية بأزمة اللاجئين البحث بشكل مشترك عن حلول للمشكلة.

وتوصلت تركيا، التي قال رئيس وزرائها أحمد داود أوغلوا أنها أنفقت حوالي 8 مليارات دولار على اللاجئين، وتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق في نوفمبر بشأن تقاسم عبء الحد من تدفق اللاجئين.

وبسبب النقص في التمويل، يخطط العديد من اللاجئين السوريين في لبنان للهجرة إلى أوروبا، الأمر الذى قد يزيد الأعباء المثقلة على كاهل الدول الأوروبية ويزيد من خطورة الكارثة الإنسانية.

وفي أكتوبر، طلبت الأردن 8.2 مليار دولار كمساعدة من المجتمع الدولي بغرض توفير الخدمات للاجئين السوريين في الفترة من 2016 إلى 2018.

وفي 9 ديسمبر، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في هلسينكي إن التعاون الدولي ضروري لتخفيف وضع اللاجئين.

كما أكد بان كي مون أن مشكلة اللاجئين هي ظاهرة عالمية ويجب توقيع عقد على نطاق عالمي لتقاسم المسؤوليات.

ودعا خبراء أوربيون أيضا الدول الأوروبية إلى إظهار تضامنها ومحاولة إيجاد إستراتيجية مشتركة للتعامل مع القضية.

وقالت سابين ريديل، الخبير بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن "التصاعد الأخير في أزمة اللاجئين أظهر عدم توحد الاتحاد الأوروبي بعد كدولة واحدة".

وأضافت ريديل في ورقة عمل لها أن الاتفاقيات الدولية الهامة المتعلقة بقضية اللاجئين تطبق بشكل مختلف للغاية داخل أعضاء الاتحاد الأوروبي، الذين حددوا سياساتهم المتعلقة باللاجئين وفقا لقوانينهم ودساتيرهم الوطنية.

وبرأيها، فإنه يتعين على الدول الأعضاء أن " ترجع خطوة للخلف" وتأخذ نظرة في سياسات اللاجئين للدول الأخرى قبل التحرك باتجاه حل أوروبي" متسرع"، ولاسيما فيما يتعلق بقضية توزيع اللاجئين.

كما يتعين على الولايات المتحدة، من أجل الدفاع عن مصالحها الخاصة، أن تتقاسم بعض المسؤوليات مع حلفاءها الأوربيين.

وفي 20 سبتمبر، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن بلاده ستستقبل 85 ألف لاجئ من جميع أنحاء العالم في العام المقبل عما كان 70 ألف لاجئ .

وقال ايان ليسير، الباحث السياسي بصندوق مارشال الألماني، إن " الولايات المتحدة ليست متفرجا غير مهتم بأزمة اللاجئين الأوروبية. إذا أسيئ التعامل معها، سيفرض التدفق المتزايد للاجئين تحديات متعددة للمصالح الأمريكية وقد يكون عنصر انقسام في العلاقات عبر ضفتي الأطلنطي".

 

 

الصور

010020070790000000000000011101441349227191