دمشق 15 ديسمبر 2015 (شينخوا) مع استمرار تنامي وتيرة العنف في العديد من المناطق السورية، وظهور تنظيمات قوية ومتشددة كتنظيمي الدولة الإسلامية "داعش" وجبهة النصرة، وسيطرتهما على مساحات واسعة من الأراضي السورية خلال السنتين الماضيتين من عمر الأزمة السورية، واشتداد الاشتباكات بين طرفي الصراع في سوريا، ونقص المواد الغذائية والدوائية وصعوبة دخولها إلى العديد من المناطق، غادر الآلاف من السوريين بلادهم بطرق غير شرعية، متخذين من ركوب البحر وسيلة للوصول إلى الدول الأوروبية للعيش بسلام وأمان.
ويرى المحللون والخبراء في سوريا أن تدفق اللاجئين السوريين المتزايد إلى أوروبا، عبر رحلة محفوفة بالمخاطر قد تودي بحياة الكثيرين منهم, جعل الكثير من الدول الأوروبية تفكر مليا بسياستها تجاه سوريا، وتسعى جاهدة باتجاه العمل على إيجاد حل سياسي للأزمة المعقدة، بغية الحد من تدفق اللاجئين إليها، بسبب شعورها بالخطر المحدق الذي ينتظرها ولاسيما أن القادمين إليها يأتون من مناطق تدور فيها اشتباكات وتحت سيطرة مقاتلي المعارضة المسلحة والمتشددة.
وبالرغم من قسوة المشهد على الصعيد الإنساني والاجتماعي في الأزمة السورية، إلا أن التفاؤل يبقى موجودا في النفوس بشأن التوصل إلى تسوية سياسية، فتطفو على السطح عدة مبادرات وأفكار تسعى إلى وقف إطلاق النار، والتوصل إلى صيغة توافقية بين أطراف النزاع. ويبدو أن هذه المبادرات لم تتبلور بعد لتصبح أمرا واقعيا وحقيقيا بسبب وجود تناقضات في المواقف الدولية تجاه الأزمة السورية، ما يوحي بأن مصير المسار السياسي مازال غامضا بالرغم من وجود تحرك دبلوماسي دولي وإقليمي.
-- تزايد مخاوف الأوروبيين إزاء تدفق اللاجئين السوريين
عقب انتشار صورة الطفل السوري إيلان (الطفل الكردي من مدينة كوباني بريف حلب شمالا) ممددا على أحد الشواطئ التركية في سبتمبر الماضي، بعدما قضى غرقا في البحر أثناء محاولة عائلته الهروب من سوريا باتجاه أوروبا، والتي تمثل تعبيرا صادقا عن معاناة اللاجئين السوريين، بدأت تتسع حملة التضامن في أوروبا مع المهاجرين السوريين بشكل منقطع النظير، وانتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي ((الفيس بوك)) بشكل واسع صورة الطفل، حيث شكلت الصورة صدمة كبيرة للمجتمع الأوروبي، كما تصدرت صفحات الصحف الأوروبية، ما جعل أزمة اللاجئين السوريين الهاربين من العنف محط اهتمام المنظمات الإنسانية الدولية.
وبدأ المسؤولون الأوروبيون يفكرون جديا في السعي لإيجاد مخرج سياسي للأزمة التي دخلت عامها الخامس منذ مارس الماضي، ويعملون على تدارك الأمر وفتح الحدود أمام اللاجئين العالقين على الحدود والبحث عن حلول تحد من تدفقهم باتجاه بلدانهم التي بات ناقوس الخطر يدق بابها.
غير أن هذا التدفق المتزايد من اللاجئين السوريين على أوروبا دفع بعض الدول الغربية إلى تغيير مواقفها تجاه الأزمة السورية، لاسيما بعد تعرض فرنسا ودول أخرى لهجمات إرهابية، وراحت تدعو إلى إيجاد حل سياسي للأزمة والإسراع في إنهاء الصراع في البلاد، ليتم ضمن هذه الجهود عقد اجتماعين في فيينا في شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، حيث اتفقت روسيا والولايات المتحدة وقوى إقليمية وعربية في نوفمبر الماضي على جدول زمني لإنشاء حكومة انتقالية في سوريا، وإجراء انتخابات في غضون 18 شهرا.
وأكد محللون سياسيون وأقطاب في المعارضة السورية في الداخل السوري لوكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق أن اجتماعات فيينا أدت إلى نتائج "إيجابية"، وشكلت فاتحة لتوافق دولي حول إيجاد مخرج سياسي للأزمة السورية، مشيرين إلى أن الفترة القادمة ستشهد حراكا سياسيا مكثفا بين قوى المعارضة والقوى الإقليمية لجهة تشكيل وفد موحد ومتوازن يكون قادرا على تحمل مسؤولياته في المرحلة المقبلة.
وقال شريف شحادة النائب في البرلمان السوري لوكالة ((شينخوا)) إن "دخول الإرهابيين إلى الدول الغربية دفع الغرب للتفكير جديا في السعي للتعاون في حل الأزمة السورية سياسيا"، مؤكدا أن "الغرب لا يهتم كثيرا لأمور المهجرين أو السوريين أو العراقيين"، لافتا إلى أنه عندما "هُدد الغرب بالإرهاب بدأ يتجه باتجاه حل الأزمة في سوريا".
وأضاف أن "تفجيرات باريس وغيرها هي التي أدت إلى تحرك غربي باتجاه سوريا".
ومن جانبه، قال فراس الخطيب المسؤول الإعلامي لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في سوريا لوكالة ((شينخوا)) بدمشق يوم الثلاثاء "نتأمل ونتمنى أن تسهم الدول في إيجاد حلول سياسية للأزمات التي تنشب هنا وهناك"، مؤكدا أنه "طالما هناك نزاع مسلح فهذا سيزيد من تدفق النازحين أو اللاجئين باتجاه تلك الدول هربا من العنف".
وأعرب عن تمنياته في أن "تدفع الأزمة السورية المجتمع الدولي لكي يتحرك باتجاه حل سلمي سياسي كي يعود للبلد استقراره".
وأشار المسؤول الإعلامي في المفوضية إلى أن عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار 4.2 مليون لاجئ ، لافتا إلى أن عدد الناس المحتاجين للمساعدة الإنسانية في سوريا يصل إلى 13.5 مليون شخص.
وأوضح الخطيب أن عدد طالبي اللجوء في الدول الأوروبية يقدر بـ930 ألف شخص، والسوريين يشكلون حوالي 40 بالمائة منهم.
وأضاف المسؤول الإعلامي في المفوضية أن "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تقوم بجهد كبير في تسهيل عبور اللاجئين السوريين العالقين على الحدود الأوروبية ، وتعمل على إقناع الدول باستضافة أكبر عدد ممكن من طالبي اللجوء الإنساني الفارين من ويلات الحروب".
وقالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة في سبتمبر الماضي إن توزيع 120 ألف لاجئ إجراء غير كاف، خاصة بعد وصول أكثر من أربعة أضعاف هذا العدد إلى أوروبا منذ بداية السنة.
وتظهر أرقام مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة أن أكثر من 300 ألف شخص عبروا المتوسط منذ بداية هذا العام قضى منهم أكثر من 2600.
-- نقطة تحول مفصلية بالتدخل الروسي في مكافحة الإرهاب
ويرى المراقبون والمحللون السياسيون في سوريا أن التدخل الروسي عبر توجيه ضربات جوية ضد مقاتلي تنظيمي داعش وجبهة النصرة، والذي بدأ في 30 سبتمبر الماضي، يعد من أهم الأحداث المفصلية في مجريات الأزمة السورية في العام الحالي، وكان عاملا حاسما في استعادة الجيش السوري لزمام المبادرة والانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، والسيطرة على مساحات واسعة كانت تخضع لسيطرة مقاتلي المعارضة المسلحة، مؤكدين أن التدخل الروسي جعل الكثير من الدول الغربية تفكر جديا في مكافحة الإرهاب.
ورغم الانتقادات الشديدة من قبل الغرب للتدخل الروسي في سوريا واتهامه بأن يستهدف المدنيين في مناطق عدة، إلا أن بعض الدول الإقليمية رحبت بالضربات الجوية الروسية واعتبرتها بأنها مفيدة وتساهم في مكافحة الإرهاب الذي عجز الغرب عن توجيه ضربات نوعية ضد معاقله في سوريا. كما بدأت فرنسا، بعد تعرض باريس لهجمات إرهابية، بشن غارات جوية على مواقع داعش، ولحقتها بريطانيا التي وافق مجلس العموم فيها ببداية الشهر الجاري على شن ضربات جوية ضد التنظيمات المتشددة في سوريا.
وتتهم سوريا الغرب بأنه غير جاد في مكافحة الإرهاب، رغم شنه ضربات جوية بقيادة التحالف الدولي منذ أكثر من سنة. كما أكد الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع أجرها مع صحيفة ((صنداي تايمز)) البريطانية نشرت في 6 ديسمبر الجاري أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الإرهاب "وهمي وافتراضي لأنه لم يحقق أي إنجازات على الأرض في مواجهة الإرهاب".
من جهة أخرى, جاء إسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الطيران التركي ليعقد المشهد السوري قليلا ، ويدفع روسيا إلى تعزيز تواجدها العسكري في سوريا، وتمركز قطع بحرية جديدة تابعة لها في البحر، الأمر الذي ربما سيؤثر قليلا في التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب بحسب رأي بعض المحللين السوريين، بعد توتر العلاقات بين روسيا وتركيا.
وقال شريف شحاده النائب في البرلمان السوري لوكالة ((شينخوا)) إن "التواجد الروسي، الذي جاء تلبية لدعوة الحكومة السورية، كان له دور مفصلي في معطيات الأزمة السورية"، مؤكدا أن "الجيش السوري استطاع أن يحرز تقدما ملحوظا على الأرض في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون" .
واتفق المحلل السياسي السوري حميدي العبدالله مع من سبق بالحديث بأن التدخل الروسي في سوريا ساهم في استعادة السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي السورية التي كانت تحت سيطرة التنظيمات المسلحة.
وأضاف العبدالله أن "التدخل الروسي في سوريا بكل تأكيد كان له دور أكثر من عميق على مستوى العلاقات الدولية والإقليمية وعلى مستوى الوضع الميداني"، مؤكدا أن "المعادلة الإقليمية والدولية تغيرت بعد التدخل الروسي في سوريا، فلم يعد هناك أمل بإقامة منطقة حظر جوي في سوريا، ولم يعد هناك أمل بإسقاط الدولة السورية"، مبينا أن مسار الأزمة السورية محكوم بمسارين لا ثالث لهما، أما التسوية السياسية أو الحسم العسكري من قبل الدولة السورية وحلفائها.
-- بوادر لحل سياسي بعد إحراز تقدم عسكري للجيش السوري
بعد أقل من شهر على بدء الضربات الجوية الروسية في سوريا، تمكن الجيش السوري من شن عدة عمليات عسكرية واسعة في عموم المناطق السورية، واستطاع أن يحرز تقدما ملحوظا وأن يستعيد السيطرة على مناطق كانت إستراتيجية بالنسبة للمعارضة المسلحة، وأن ينتقل من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم. فبدأت تتعالى أصوات في المعارضة وبعض القوى الإقليمية والدولية تنادي بضرورة حل الأزمة السورية سياسيا.
فتسارعت روسيا والولايات المتحدة ومعها دول إقليمية مؤثرة في مسار الأزمة السورية إلى عقد مباحثات في فيينا للتوصل إلى صيغة تفضي إلى تشكيل حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات برلمانية تمهيدا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في غضون 18 شهرا، الأمر الذي اعتبره مراقبون خطوة باتجاه حل الأزمة السورية سياسيا.
وأكد الدكتور عفيف دله وهو باحث وكاتب سوري أن هناك بوادر لحل سياسي في المنطقة عبر جعل البلاد منطقة خالية من الإرهاب ، مبينا أنه "لا يمكن الحديث عن عملية سياسية في ظل وجود تنظيمات إرهابية مسلحة في المنطقة تعمل على نشر الفوضى وتعمل على نشر ثقافة القتل".
وأضاف في تصريحات لوكالة ((شينخوا)) أن "هناك دولا إقليمية ودولية تسعى إلى تعزيز حالة عدم الاستقرار في سوريا بما يحول دون إمكانية إطلاق أي عملية سياسية تعكس تطلعات ورغبات الشعب السوري، لذلك فإن العملية السياسية التي يسعى أعداء سوريا إلى تحقيقها تتركز على استمرار سياسة دعم الإرهاب"، لافتا إلى أن "هذا الأمر يصب في مصلحتهم ولا يصب في مصلحة الشعب السوري".
وقال الباحث والكاتب السوري إنه "بعد إحراز تقدم على أرض الميدان من قبل الجيش السوري المدعوم بغطاء جوي روسي نستطيع أن نتحدث عن حلول سياسية محتملة نتيجة تغيرات هذا الواقع".
ومن جانبه قال حميدي العبد الله إن "العام القادم سيشهد انطلاق مفاوضات جدية بشأن العملية السياسية بشكل أوسع، ولكن لن تفض هذه المشاورات إلى حل سياسي"، لافتا إلى أن المفاوضات ستستمر إلى جانب الأعمال القتالية من قبل الجيش السوري إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية، يكون للميدان الدور الحاسم فيها.