الأمم المتحدة 19 ديسمبر 2015 (شينخوا) بعد مرور 70 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، لا تزال هناك حاجة ماسة إلى التذكر والتأمل من أجل الحفاظ على السلام والرخاء في وقت تحدث فيه الصراعات الإقليمية معاناة لا توصف وتعيث فيه الجماعات الإرهابية فسادا.
فقد شهد عام 2015 أحداثا تذكارية مختلفة من بينها العرض العسكري الذي أقامته الصين بمناسبة ذكرى حرب المقاومة ضد العدوان الياباني والإسهامات التي قدمتها البلاد للسلام والرخاء العالميين.
-- إحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية
وقد ذكر ليو جيه يي مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة أن الحرب العالمية ضد الفاشية تركت لجميع شعوب العالم درسا جيدا وتستحق أن نتذكرها دائما.
ولدى إشارته إلى أن النصر في الحرب العالمية ضد الفاشية كان نصرا دفعت مقابلة شعوب العالم بما فيها الشعب الصيني ثمنا باهظا، أكد ليو أنه لا ينبغي نسيان التاريخ.
صرح بذلك ليو في مايو خلال اجتماع مهيب خاص للجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة إحياء ذكرى ضحايا الحرب العالمية الثانية قائلا "نحن نؤكد على التاريخ ليس من أجل تمديد كراهيتنا، وإنما لدعوة الشعوب إلى احترام السلام والتمسك به".
وأضاف أنه "فقط من خلال تذكر كارثة الحرب يمكننا أن نحرص على قيمة السلام".
وقال ليو إن الحرب العالمية الثانية جلبت معاناة لا توصف لآسيا وأوروبا وإفريقيا ومناطق أخرى في العالم، وشكلت جميع الدول المحبة للسلام تحالفا عالميا ضد الفاشية من خلال قتال مضنى وبطولي وحققت النصر في الحرب ضد الفاشية، ما ترك تأثيرا عميقا وبعيد المدى على حضارة وتقدم البشرية.
وفي الثالث من سبتمبر ببكين، قامت الصين بإحياء الذكرى الـ70 لانتهاء الحرب العالمية الثانية والانتصار في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني بإقامة عرض عسكري ضخم.
وخلال الخطاب الذي ألقاه في يوم النصر، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الصين ستظل ملتزمة بالتنمية السلمية.
وذكر شي فيما كان يعلن عن خفض عدد أفراد الجيش الصيني بواقع 300 ألف فرد أنه "بغض النظر عن مدى القوة التي ستصبح عليها الصين، فإنها لن تسعى أبدا إلى الهيمنة أو التوسع. ولن تلحق أبدا المعاناة التي شهدتها في الماضي بأى أمة أخرى".
وأقيمت عروض عسكرية مماثلة حول العالم.
في يوم 9 مايو، احتفلت روسيا بالذكرى الـ70 للنصر في الحرب العالمية ضد الفاشية بإقامة عرض عسكري كبير في الساحة الحمراء بموسكو.
وحضر العرض -- وهو الأكبر منذ تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1991-- حوالي 20 من قادة الدول والمنظمات الدولية مع مشاركة وحدات عسكرية من 10 دول.
وفي باريس، أقيم يوم "النصر في أوروبا" يوم 8 مايو بمناسبة انتصار الحلفاء على النازية في الحرب العالمية الثانية في عام 1945 بعد خمس سنوات من صراع يعد الأشد دموية في التاريخ.
-- إسهامات الصين للسلام والرخاء في العالم
وتضطلع الصين، التي قدمت إسهامات ضخمة للنصر في الحرب العالمية ضد الفاشية، بدور بناء على الساحة العالمية من حيث تعزيز السلام التنمية في العالم.
وفي أول كلمة يلقيها أمام المناقشة السنوية رفيعة المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى نمط جديد من العلاقات الدولية يتسم بالتعاون القائمة على الكسب المتكافئ.
وتعد الصين الأولى من بين الدول الكبرى في العالم التي تجعل من التعاون القائم على الكسب المتكافئ هدفا رئيسيا لها عند تناولها للعلاقات مع البلدان الأخرى.
وذكر بيتر جيه. لي خبير العلاقات الدولية بجامعة هيوستن أن النمط الجديد من العلاقات الدولية يهدف إلى بناء عالم جديد من التعاون المتبادل والمنفعة المتبادلة.
وفي الاجتماع ، تعهد شي بتأسيس صندوق صيني- أممي للسلام والتنمية لدعم عمل الأمم المتحدة ودفع التعاون متعدد الأطراف .
وبعبارة أخرى، تهدف الصين إلى دفع نهوض مجتمع ذى مستقبل مشترك. وهذا المستقبل المشترك لا بد من السعى إلى تحقيقه بمستوى عال من مراعاة الاحتياجات ومخاوف ومصالح وتطلعات جميع أعضاء المجتمع الدولي، على حد قول لي.
وخلال الاجتماع ، تعهد شي بتأسيس صندوق صيني- أممي للسلام والتنمية لدعم عمل الأمم المتحدة ودفع التعاون متعدد الأطراف.
وقال شي في قمة للأمم المتحدة حول التنمية المستدامة إن الصين ستنشئ أيضا صندوقا بإسهام أولى قدره ملياري دولار لدعم التعاون بين دول الجنوب ومساعدة الدول النامية على تنفيذ أجندة التنمية لما بعد عام 2015.
وبالإضافة إلى ذلك، ستقوم الصين بإلغاء ديون القروض الحكومية عديمة الفائدة المستحق سدادها بحلول نهاية عام 2015 والمدينة بها الدول الأقل تقدما والدول النامية الحبيسة والدول النامية الجزرية الصغيرة، حسبما أشار الرئيس.
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي -مون أن الصين تعد عضوا هاما في المجتمع الدولي فضلا عن كونها شريكا أساسيا لأجندة الأمم المتحدة.
وتضطلع الصين بدور إيجابي وتقدم إسهامات ملحوظة لتعزيز السلام والتنمية العالميين فضلا عن إيجاد حلول ملائمة للقضايا الإقليمية والدولية منذ فترة طويلة من الزمن، هكذا ذكر الأمين العام للأمم المتحدة خلال اجتماعه مع شي على هامش الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
ولدى وصفه مقترحات شي حول دعم أجندة الأمم المتحدة للتنمية بأنها مشجعة، قال بان كي -مون إن دعم الصين له أهمية عظيمة بالنسبة للأمم المتحدة.
وقوبل موقف الصين بشأن العلاقات الدولية وتعهداتها تجاه العالم بترحيب كبير من المجتمع الدولي.
فقد وذكر رئيس الوزراء الفرنسي السابق جان بيير رافارين أن خطاب شي وضح الصين كدولة محبة للسلام وأن الصين تولي اهتماما كبيرا بدور الأمم المتحدة في حفاظ السلم العالمي.
وقال سيفرينو كابرال مدير المعهد البرازيلي للدراسات المتعلقة بالصين وآسيا-الباسيفيك إن خطاب شي كشف أن الصين أصبحت قوة هامة في تعزيز التنمية العالمية وحماية السلام والاستقرار في العالم.
-- تشويه التاريخ غير مقبول
وفيما يحتفل بذكرى النصر في الحرب العالمية الثانية، يتعين على المجتمع الدولي أن يتذكر أيضا أن السلام والأمن مازالا أمرين بعيدي المنال في أجزاء معينة من العالم، وإنه من الضرورة بمكان إلتزام اليقظة تجاه التصريحات والأفعال التي تحاول تشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية وإنكار نتيجتها.
ففي سبتمبر الماضي، نبذت اليابان مبدأ السلمية القائم منذ 70 عاما والذي حافظت عليه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث قام البرلمان بسن تشريع مثير للجدل دفعته حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي لإعادة إضفاء الطابع العسكري على الأمة السلمية.
وكان سن التشريع بمثابة استهزاء صارخ بالنظام العالمي فيما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ إنه شكل تعديلا شاملا للوضع الأمني الدفاعي المحض لليابان، ما يعنى أن البلاد قد ترسل قوات إلى الخارج للمشاركة في صراعات مسلحة للمرة الأولى منذ سبعة عقود.
وقال لوران سينكلير المحلل لشؤون الباسيفيك إنه الأمر المثير للسخرية هو أن ما يحدث في الحكومة هو في الأساس محاولة لإعادة صياغة الماضي المروع لليابان من حيث عهد الإرهاب الذي مارسته في شرق آسيا إبان فترة الحرب العالمية الثانية أو، بعبارة أخرى، محاولة (تنظيف سجلها)، فيما تستعد بشكل متزامن مرة أخرى لخوض صراع خارجي".
وأضاف "في العام الذي حلت فيه الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، ألغى آبي 70 عاما من السلمية التي يكفلها الدستور عبر السخرية من القانون الأعلى وإرادة الجماهير، وقام هو وزملاؤه المنتقين بعناية في مجلس الوزراء بدفع أسلوب جديد من النزعة العسكرية القديمة في أمة معارضة".
ولم يقدم آبي، المعروف عنه تحريف التاريخ، اعتذارا جديدا عن الأعمال البربرية التي ارتكبتها البلاد في الماضي وأوصد الباب أمام أي اعتذار مستقبلي من البلاد عن الأخطاء الشنيعة في بيان ألقاه بمناسبة الذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية.
إن التاريخ لا يمكن تغييره، والعدالة سوف تتحدث عن نفسها. ولكن المجتمع الدولي لابد أن يلتزم اليقظة في مواجهة إنبعاث النزعة العسكرية في اليابان وأي تحرك سيسعى إلى تشويه أحكام التاريخ.
ففي أكتوبر، قدمت اليابان، مرتكبة حادثة نانجينغ والمعروفة أيضا باسم اغتصاب نانكينغ ووقعت في أواخر عام 1937خلال الحرب العالمية الثانية، قدمت احتجاجا على قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافية (اليونسكو) إدراج أحد أسوأ الأعمال الوحشية في التاريخ في سجلها لذاكرة العالم.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها الحكومة اليابانية احتجاجا للأمم المتحدة بشأن قضايا متعلقة بالحرب العالمية الثانية حيث اعتبرته طوكيو "مناهضا لليابان". وفي سبتمبر، احتجت اليابان على مشاركة بان كي- مون في احتفالات الصين بمناسبة إحياء ذكرى النصر في الحرب العالمية الثانية.
وقال المحلل السياسي تيروهيسو موراماتسو "ما نراه هنا هو نهج منسق من زوايا متعددة لتعديل التاريخ، لمنح اليابان فرصة دخول مستقبل عالمي ذي طابع عسكري دون التفكير مليا في أي من أخطائها الماضية أو تذكرها أو استرجاعها أو إبداء الندم عليها، وهذه قمة التعصب القومي".
وأضاف موراماتسو أن "آبي استخدم في البداية الدهاء، ثم اختبأ على مرأى من الجميع، والآن يتباهي بموقفه الذي يميل إلى التحريف والروح العسكرية والإمبريالية ".