موسكو/ دمشق 21 ديسمبر 2015 (شينخوا) ليس من قبيل المبالغة القول إن المشهد السياسي العالمي في 2015 تشكل من خلال نزاعين أهليين في بلدين لا يبعدان كثيرا عن بعضهما البعض-- أوكرانيا في شرق أوروبا وسوريا في الشرق الأوسط.
وكلاهما مستمران منذ فترة طويلة. فالنزاع بين كييف والقوى الموالية للاستقلال في شرق أوكرانيا متواصل منذ عامين، في حين يحاول الثوريون المسلحون الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في سوريا منذ عام .2011
وتفاقمت حدة النزاعين القديمين في العام الماضي في ظل ظروف جديدة حيث يتصارع كل اللاعبين السياسيين تقريبا على الساحة العالمية من الولايات المتحدة إلى روسيا إلى أوروبا مع بعضهم البعض.
وقد خيمت التداعيات المباشرة وغير المباشرة بما في ذلك الهجمات الإرهابية المروعة مثل التي حدثت في باريس في نوفمبر ومشكلة اللاجئين التي أرقت مضجع أوروبا وحادث إسقاط تركيا لطائرة حربية روسيا، خيمت على المزيد والمزيد من الدول.
وتطورت أوكرانيا وسوريا إلى حلبة مصارعة بين القوى العالمية على حساب رفاه شعبي البلدين والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم بأسره.
-- ظروف جديدة
وبعد عامين من حمل المتمردين المؤيدين للاستقلال في شرق أوكرانيا السلاح ضد الحكومة، أُحبطت تسوية الأزمة بانتهاكات مشتركة لاتفاقيتي سلام تم التوصل إليهما في سبتمبر 2014 وفبراير 2015.
وخارج أوكرانيا، ساهمت الأزمة في مواجهة الغرب الحالية مع روسيا. واتهم الغرب موسكو بدعم القوات المؤيدة للاستقلال لغرض خفي هو إحياء الإمبراطورية القديمة قبل انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي.
وقال فيكتور كريمينيوك، نائب مدير المعهد الروسي للدراسات الأمريكية والكندية، إنه "من الصحيح تماما أن سياسة روسيا الخارجية ستهدف إلى الدفاع عن مصالحها الوطنية".
وأضاف أن حلف الناتو يحاول ممارسة الضغط على روسيا بما في ذلك بالمعنى العسكري، غير أن روسيا من جانبها تثبت أنها لن تستسلم.
بيد أن الأزمة الأوكرانية هُمشت إلى حد ما بسبب الأحداث في سوريا.
وقال فلاديمير سوتنيكوف، الباحث البارز بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بموسكو، إنه "فيما يتعلق بأوكرانيا، ما حدث هناك، مثل إطلاق النار الجديد، لا يعدو أكثر من ظل شاحب لما يحدث في سوريا الآن".
ومع دخول الأزمة السورية عامها الرابع دون تسوية سلمية وشيكة، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتطرف على مساحات كبيرة في شمال سوريا وجعل الأرض المحتلة ملاذا آمنا لشن هجماته الإرهابية.
وتسببت الأزمة السورية بأضرار فادحة للمنطقة والعالم. وظهرت مشكلة اللاجئين، حسبما أشار سوتنيكوف.
وقال "إن العالم قد أصبح اقل أمنا, والهجمات الإرهابية التي أعلنها متطرفو داعش قد تحدث في أي مكان-- في موسكو والولايات المتحدة وباريس وغيرها من العواصم الأوروبية وفي إفريقيا أو حتى الهند أو إندونيسيا".
وأضاف "لذلك، فإن الأزمة السورية، وكذلك الأزمات الأخرى، لعبت دورا شريرا للغاية".
-- حلبة مصارعة للقوى الكبرى
وقال حميد عبد الله، الباحث السياسي ورئيس مركز الأبحاث السياسية السوري، إن الحرب ضد تنظيم داعش تشنها دول لها مصالح خاصة وتريد توظيف الحرب ضد الإرهاب لتحقيق مآربها الخاصة.
وأضاف المحلل أن الأزمة السورية قد جعلت الانقسام بين كل القوى واضحا، معتقدا أن القوى تصفي حساباتها مع بعضها البعض على الأراضي السورية.
وقال "الأزمة السورية ستجلب الخلافات والانقسامات بين القوى الدولية إلى السطح، والتوتر الروسي-التركي إشارة على ذلك، وهو تطور يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الانقسام والإحباط بين القوى العظمى في سوريا".
وفي الحرب ضد تنظيم داعش، يوجد تحالفان في الواقع. واحد تقوده روسيا ويشمل إيران وسوريا والعراق جزئيا كدولة لا تزال تريد الحفاظ على علاقات دافئة مع الولايات المتحدة. والثاني يشمل 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة وينظر إليه بأنه تدخل غربي واضح.
وقال سوتنيكوف "إن جميع المشاركين لديهم أهداف وغايات وطنية واضحة المعالم".
وأكدت روسيا أن عملياتها العسكرية في سوريا هي التي تتوافق فقط مع القانون الدولي، باعتبار أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لم يطلب الإذن من الحكومة السورية. وانتقدت الغرب لتشويهه سمعة روسيا ومحاولته إسقاط دول الشرق الأوسط تحت ما يسمي بالثورات الديمقراطية.
واتهم الغرب روسيا باستهداف المعارضين للأسد وكذا المدنيين.
وقال كريمنيوك "إن الكل يريد تهدئة الوضع في الشرق الأوسط. والوضع معقد. ولا توجد حلول سهلة. وهناك عدد كبير من اللاعبين التقليديين وغير التقليديين".
مع ذلك، قال نائب مدير المعهد الروسي للدراسات الأمريكية والكندية إن روسيا لا تسعى إلى الهيمنة في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن روسيا غير قادرة على السيطرة على النفط هناك لأن إيران والسعودية ستقفان بقوة ضدها، قائلا "إن المصالح الروسية تكمن في أوروبا، بما في ذلك أوكرانيا".
وواصلت موسكو التي اتهمت من قبل كييف والدول الغربية بإرسال أسلحة وقوات إلى شرق أوكرانيا، إنكار كافة هذه الاتهامات وأكدت مرارا أن الغرب هو السبب في التطورات الحالية التي تشهدها الساحة الأوكرانية.
وانزعج الكريملين من تلقي كييف مساعدات اقتصادية وعسكرية من الدول الغربية، ناهيك عن حقيقة دفع الحكومة الأوكرانية اتفاق شراكة ونظام تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي يتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في أول العام الجديد.
وتتخوف موسكو أن يقوض الاتفاق الاقتصادي بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي نظام التجارة الحرة الذي تحتفظ به روسيا حاليا مع أوكرانيا ويحرم روسيا من تأثيرها على الدولة المجاورة، وفقا للخبراء.
في الوقت نفسه، مع تعزيز الناتو وجوده العسكري لتوسيع هيكله الأمني الأوروبي ومنع الهجمات الروسية، وقع الرئيس الأمريكي باراك اوباما يوم 25 نوفمبر اتفاقية تفويض الدفاع الوطني، تتضمن 300 مليون دولار أمريكي لمساعدة أوكرانيا أمنيا ودعمها استخباراتيا.
ورأى الخبراء أن روسيا لا تزال أمامها طريق طويل لتقطعه لدفع عملية السلام في أوكرانيا وكذا تطبيع علاقاتها مع الغرب.
-- الحل السياسي هو المخرج الوحيد
وشنت الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة جورج بوش الابن حربين متتاليين في أفغانستان والعراق باسم مكافحة الإرهاب، وبدلا من القضاء عليه، ولدتا موجات من الأنشطة الإرهابية والعنف أخذت أرواح الآلاف من الأبرياء، حسبما قال عبد الله.
وفي الوقت الذي تقاتل فيه تنظيم داعش, انضمت المزيد والمزيد من الدول إلى الصين في دعوتها إلى الحل السياسي للأزمة الممتدة منذ 4 أعوام. وكرر الجانب الصيني في عدد من المناسبات منذ اندلاع الأزمة أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة السورية، ولا يمكن أن يحل التدخل العسكري هذه المشكلة.
وقال المتفائلون إن الحرب العالمية الجارية ضد تنظيم داعش قد تؤدي إلى إعادة ضبط العلاقات بين اللاعبين الكبار.
وفي ضرب أهداف تنظيم داعش في سوريا، تتعاون روسيا مع بعض الدول من التحالف الغربي ولاسيما ألمانيا وفرنسا.
وقال سوتنيكوف إن "بعض الدول الأوروبية تبدو تأخذ موقفا وسطيا بين التحالفين".
وأضاف أن التنسيق بين الدول المشاركة في العملية في سوريا يتعين أن ينظم، موضحا أن طائرات من دول مختلفة تستخدم في سوريا وطيارين لديهم خرائط وصور من أقمار صناعية ربما تكون مختلفة. ما يؤكد الحاجة إلى آلية لتجنب حوادث خطيرة مثل انتهاك الحدود.
بيد أن العديد من الخبراء يرون فرصة ضئيلة لتشكيل تحالف على أساس فكرة تدمير تنظيم داعش فقط، حيث أن كل مشارك في التحالفين لديه مصالحة الوطنية الجلية الخاصة به.
وفيما يتعلق بالإرهاب، لقد كان هناك دائما فرق بين المفاهيم الروسية والغربية للإرهاب، وفقا لكريمينوك، مضيفا أن اللغة المشتركة للنضال ضد الإرهاب "ضاعت للأسف بعد الحرب الباردة".
وأشار سوتنيكوف إلى وجود عوائق أمام تشكيل التحالف، وأحدها يتمثل في تدهور العلاقات الروسية-التركية، مشيرا إلى أن بعض الأعضاء في التحالف بقيادة الولايات المتحدة يحافظون على علاقات وثيقة مع تركيا.
وبالنسبة لعبد الله، قال إن واشنطن جعلت العضوية في تحالف مكافحة الإرهاب محدودة وعزلت الدول التي تكرهها لاعتبارات جيوسياسية وإستراتيجية.
وقال إن تحالف مكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة لا يزال يراهن على مساندة الجماعات المتمردة ضعيفة التنظيم في سوريا، رافضا التنسيق مع الجيش السوري. وأضاف "طالما إن بريطانيا وفرنسا تقاتلان تنظيم داعش في سوريا بدون تنسيق وتعاون مع الجيش السوري، فإن تدخلهما يعتبر غير شرعي ولا يعني شيئا سوى أنه وسيلة للحفاظ على حرب بالوكالة في سوريا".
وعلى هذه الخلفية، تبدو بعض النتائج الايجابية لاجتماع متعدد الأطراف جمع بين الدول الكبرى واللاعبين الإقليميين بما في ذلك الصين وروسيا والولايات المتحدة وإيران والسعودية في أكتوبر, فرصة ثمينة إلى حد ما.
ومن بين هذه النتائج كان هناك بيانا يقول إن "مؤسسات الدولة السورية ستبقى على حالها" وإن "العملية السياسية ستكون سورية وبقيادة سورية وسيحدد الشعب السوري مستقبل سوريا".