غزة/ رام الله 27 ديسمبر 2015 (شينخوا) يودع الفلسطينيون عام 2015 وسط موجة توتر مستمرة مع إسرائيل زادت من تعقيد العلاقات المتدهورة أصلا بين الجانبين منذ سنوات.
ويهدد الفلسطينيون بإعادة تحديد العلاقات مع إسرائيل بما في ذلك الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية ، إلى جانب مواصلة مساعيهم لطلب عضوية منظمات الأمم المتحدة لتعزيز موقفهم الداخلي.
في الوقت ذاته، فإن الفلسطينيين يواجهون تزايد ضعف موقفهم بالنظر إلى استمرار انقسامهم وخلافاتهم الداخلية التي لم تجد أي حلول خلال العام المنقضي ولا يوجد في الأفق ما يبشر بإنهائها قريبا.
موجة التوتر
شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2015 اندلاع موجة توتر غير مسبوقة منذ سنوات بين الفلسطينيين وإسرائيل كتعبير عن انسداد أفق عملية السلام بينهما.
وأدت موجة التوتر المستمرة منذ مطلع أكتوبر الماضي إلى مقتل 139 فلسطينيا وجرح آلاف آخرين من الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة في مقابل مقتل 22 إسرائيليا في عمليات إطلاق نار ودهس وطعن نفذها شبان فلسطينيون.
وتطلق الفصائل الفلسطينية المعارضة على موجة التوتر الحالية اسم "انتفاضة"، فيما تعتبرها السلطة الفلسطينية بمثابة "هبة جماهيرية" وتحمل إسرائيل المسئولية عنها نتيجة "إفشالها المتكرر" لعملية السلام .
ويقول الكاتب والمحلل السياسي من غزة هاني حبيب لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن موجة التوتر المذكورة شكلت الحدث الفلسطيني الأبرز عام 2015، وفرضت سيطرتها على الملف الفلسطيني الإسرائيلي .
ويشير حبيب، إلى أن موجة التوتر حلت محل سيطرة العملية التفاوضية التي وصلت إلى طريق مسدودة، وبالتالي جاءت كاستجابة طبيعية أولا لفشل العملية التفاوضية، وثانيا كرد على انتقال القضية الفلسطينية إلى هامش الاهتمامات الإقليمية والدولية.
ويعتبر أن موجة التوتر الحالية "أعادت القضية الفلسطينية لواجهة الأحداث المزدحمة أصلا بعدة قضايا إقليمية ودولية في غاية الأهمية باعتبار أن جوهر هذه الأحداث يعود إلى عدم نجاح المجتمع الدولي بفرض قراراته على إسرائيل للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية".
ويرى حبيب، أن "هذا الحراك الشعبي الفلسطيني ممثلا بموجة التوتر بات خارجا عن سيطرة مختلف الأطراف وغير خاضع للابتزاز ما يجعله مرشحا للتصعيد طالما استمر غياب أفق تحقيق السلام العادل".
توجه فلسطيني بديل
لم يحمل العام 2015 أي تحركات جدية لاستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل في ظل توقفها منذ العام 2014 بعد تسعة أشهر من المحادثات برعاية أمريكية دون تحقيق تقدم.
ودفع ذلك منظمة التحرير الفلسطينية إلى إقرار توجهات بديلة عبر تبني خطة لعرض عدد من مشاريع القرارات بشأن قضايا الصراع مع إسرائيل على مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أقرت المنظمة بدء وضع آليات تنفيذ لقرارات المجلس المركزي الفلسطيني المتخذة في شهر مارس الماضي، بما يشمل تحديد العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع "سلطة الاحتلال" إسرائيل.
بموازاة ذلك، أصبح الفلسطينيون رسميا أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية في الأول منذ أبريل الماضي بموجب منحهم من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر عام 2012 صفة "دولة مراقب غير عضو".
وبعد ذلك، أحال الفلسطينيون للمحكمة الجنائية ملفان يتعلقان بالاستيطان الإسرائيلي والهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف العام 2014 الذي خلف مقتل أكثر من 2200 فلسطيني.
كما فتحت المدعية العامة للجنائية الدولية في يناير من العام 2015 دراسة أولية حول "جرائم حرب" مفترضة ارتكبت منذ يونيو من العام 2014 في الأراضي الفلسطينية.
وترفض إسرائيل أي تحرك فلسطيني في المنظمات الدولية خاصة المحكمة الجنائية الدولية، وسبق أن هددت بفرض عقوبات ردا على ذلك.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس في رام الله أحمد رفيق عوض ل((شينخوا))، إن الفلسطينيين يواجهون وضعا مختلا في موازين القوى مع إسرائيل يجعلهم يبحثون عن أوراق ضغط تعزز موقفهم.
ويشدد عوض، على أن أوراق القوة لدى الفلسطينيين تتطلب الضغط على إسرائيل سياسيا عبر متابعة الانضمام لمؤسسات الأمم المتحدة ووكالاتها نتيجة الفشل المتكرر لعملية السلام وواقع الفراغ السياسي الحاصل.
ويرى أن المسعى الفلسطيني لتدويل الصراع مع إسرائيل يستهدف خصوصا تعبئة الفراغ السياسي في غياب أي تقدم سياسي ومواجهة سياسات الاستيطان وفرض إسرائيل أمرا واقعا يقوض عمليا فرص حل الدولتين.
لكن عوض يشير في المقابل، إلى وجود "تلكؤ" لدى القيادة الفلسطينية تجاه تنفيذ تهديداتها وعدم التسرع في خطواتها بسبب ضغوط أوروبية وأمريكية عليها وانتظار تحرك دولي يقلل من خسائرها المحتملة.
استمرار الخلافات الداخلية
فيما تشتد المواجهة مع إسرائيل ميدانيا وسياسيا، فإن الفلسطينيين ما يزالون يعانون من ضعف في موقفهم مع استمرار خلافاتهم الداخلية وتعثر تحقيق تقدم خلال العام 2015 لإنهاء انقسامهم المستمر منذ عام 2007.
وتزايدت حدة هذه الخلافات بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) على حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت مطلع يونيو 2014 بهدف توحيد المؤسسات الفلسطينية.
إلا أن حكومة الوفاق ظلت تشتكى من عدم تمكينها من قبل حماس من إدارة قطاع غزة، والمحت مرارا إلى وجود "حكومة ظل" في القطاع تهيمن عليها الحركة الإسلامية.
وتعتبر حكومة الوفاق، أن عدم تمكينها من إدارة غزة هو السبب الرئيس لاستمرار أزمات القطاع بما في ذلك نقص الخدمات الأساسية لسكانه وبطؤ إعادة الإعمار فيه واستمرار إغلاق معبر رفح البري مع مصر.
في المقابل، فإن حماس تتهم حكومة الوفاق، بالتخلي عن مسئولياتها إزاء قطاع غزة خصوصا فيما يتعلق بصرف رواتب موظفي حكومتها المقالة السابقة وموازنات تشغيلية للوزارات في القطاع .
وزادت حماس هجومها على حكومة الوفاق بعد تعديلين وزاريين أجراهما الرئيس الفلسطيني محمود عباس على تركيبتها في يوليو وديسمبر الماضيين دون الاتفاق عليهما مع الحركة الإسلامية .
ويقول المحلل السياسي من رام الله رجب أبو سرية ل((شينخوا))، إن الخلاف بشأن التعديلين على حكومة الوفاق "يؤكد أن الخلاف السياسي بين حركتي فتح وحماس ما زال قائما بينهما".
ويشير أبو سرية، إلى أن هذا الخلاف هو في حقيقته "اختلاف وافتراق ما زال يبقي على حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، ولا شيء يلوح في الأفق يشير إلى احتمال اختفائه قريبا".
ويعتبر أن حكومة الوفاق "فشلت في المهمة المحددة لها وهي إنهاء مظاهر الانقسام والتحضير لانتخابات عامة خلال مدة أقصاها عام، وتحولت من طابع مؤقت إلى دائم بسبب الفشل الحاصل بالنظام السياسي الفلسطيني".
ويخلص أبو سرية، إلى أن الواقع الفلسطيني الحالي "يؤكد أنه لا وجود للتوافق بين فتح وحماس وأن الحكومة الحالية ما هي إلا حكومة السلطة الفلسطينية التي لا ترى فيها حماس سلطتها وإلا لمكنتها من إدارة قطاع غزة".
غياب تفعيل المؤسسات
تعذر على حركة فتح التي تمثل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية، عقد مؤتمرها العام السابع في موعده الذي كان مقررا نهاية نوفمبر الماضي وتم تأجيله لأجل غير مسمى.
وعزا قياديون في فتح هذا التأجيل، إلى الوضع الميداني المتوتر مع إسرائيل، والحاجة لاستكمال التحضيرات، لكن معارضين في الحركة قالوا إن سببه توسع حدة الخلافات بين أقطابها.
بموازاة ذلك فشلت مساعي الرئيس عباس في أغسطس الماضي لعقد دورة اجتماعات جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وأعلن رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون في 9 سبتمبر الماضي، عن تأجيل انعقاد اجتماعات المجلس التي كانت مقررة منتصف الشهر نفسه إلى موعد آخر مناسب لا يزيد عن ثلاثة أشهر.
غير أنه لم تظهر أي إشارات لاحقا لتحديد موعد قريب لانعقاد دورة اجتماعات المجلس الوطني في ظل الخلافات على مكان الاجتماعات ودعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي المعارضتين لها من عدمه.
والمجلس الوطني الفلسطيني يعد بمثابة برلمان منظمة التحرير، ويضم ممثلين عن الفصائل والقوى والاتحادات والتجمعات الفلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، كما يضم جميع أعضاء المجلس التشريعي البالغ عددهم 132 عضوا.
وحسب الموقع الإليكتروني للمجلس الوطني الذي يصل عدد أعضائه إلى أكثر من 750 عضوا، فإنه عقد 22 دورة ما بين استثنائية وعادية كان آخرها في قطاع غزة عام 1996.
أما آخر دورة اجتماعات استثنائية للمجلس الوطني فعقدت في ديسمبر عام 2009 في رام الله بالضفة الغربية بعد وفاة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سمير غوشة ليصل عدد شواغر اللجنة حينها إلى 6 أعضاء وهو ثلث عدد الأعضاء، وتم في حينه ملئ الشواغر في اللجنة.
ويشير المحلل السياسي من رام الله هاني المصري ل((شينخوا))، إلى أنه لا يوجد أي تحضيرات حقيقية لموعد قريب لانعقاد المجلس الوطني، ورهن مشاركة حماس بتمكين حكومة الوفاق من العمل في غزة.
ويلفت المصري، إلى أنه لم يبدأ كذلك الإعداد للبرنامج السياسي لمنظمة التحرير، مع أن البرنامج المعتمد سابقا يحتاج إلى تعديلات جوهرية حاسمة بعد التطورات والمتغيرات العاصفة خلال السنوات الأخيرة.
وهو يرى أن المخرج المناسب للخلافات المستمرة بشأن تفعيل منظمة التحرير وإمكانية عقد مجلس وطني بتشكيل جديد هو عقد الإطار القيادي المؤقت للمنظمة مع توسيع المشاركة والتمثيل فيه بضم ممثلي الشباب والشتات.
ويشدد المصري، على أنه لا بد من إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير على أسس وطنية وديمقراطية وشراكة سياسية عبر حوار وطني شامل يضع إستراتيجية فلسطينية شاملة، ومن دون ذلك فكل ما يجري "طحن ماء دون جدوى".