طوكيو 30 ديسمبر 2015 (شينخوا) توصلت اليابان وكوريا الجنوبية الى اتفاق سيجلب زعما نهاية لنزاع طويل الأمد بين البلدين حول ذنب ومساءلة الأولى في قضية "نساء المتعة"، غير أن قضايا صعبة لا تزال تلوح في الأفق.
وفي جزء من صفقة لتصوير محاسبة اليابان عن دورها في قضية " نساء المتعة"، أي النساء اللواتي أجبرن عنوة للعمل في بيوت دعارة عسكرية يابانية لتلبية شهوات الجنود اليابانيين إبان الغزو الياباني، وافقت اليابان على دفع مليار ين(8.3 ملايين دولار أمريكي) من موازنتها الوطنية لإقامة صندوق جديد لدعم " نساء المتعة" اللواتي ما زلن على قيد الحياة، يكون مقره في كوريا الجنوبية.
علاوة على ذلك، جدد رئيس الوزراء الياباني عن طريق وزير خارجيته فوميو فوشيدا اعتذاره، وأعرب عن أسفه وندمه لجميع المتضررين على ما عانوه من آلام وجروح عميقة يصعب الشفاء منها جسديا ونفسيا.
وقال كيشيدا إن الحكومة الحالية تقر بمسؤوليتها إزاء القضية و"الإهانة الفادحة لشرف وكرامة أعداد كبيرة من النساء" على يد الجيش الإمبريالي في ذلك الوقت، مضيفا أن القضية تم تسويتها أخيرا.
لكن، في الوقت الذي أشادت فيه حكومتا البلدين بشكل كبير بالإتفاق الجديد بأنه ناجح وسيساعد في ردم الخلافات طويلة الأمد بين اليابان وكوريا الجنوبية، سلط الخبراء الضوء على بعض القضايا الصعبة العالقة.
أولا، إن مبلغ الـ8.3 ملايين دولار المعروض من قبل الحكومة اليابانية للمساعدة في " مداواة الجروح" النفسية خُصص لـ46 امرأة حية لن يعيد كرامة ولن يساعد إلا قليلا في التخفيف من آلام عشرات الآلاف من النساء اللواتي أجبرن في جميع أنحاء آسيا على العمل في بيوت دعارة أدارها الجيش الاستعماري الياباني من عام 1932 الى عام 1945 ورحلن عن الحياة، أو حتى لذويهم الذين أثقلهم الكرب والصدمات النفسية.
علاوة على ذلك، لا تزال تفاصيل الصندوق غير واضحة، كما يقول هاروكي وادا، المدير الإداري السابق لصندوق المرأة الآسيوي المنحل الآن. وتم حل الصندوق، الذي أنشئ في البداية لدعم الضحايا، عام 2007.
ورفض الضحايا في ذلك الحين تلقي التعويضات على أساس أن أمواله "غير رسمية" وافتقد أي جاذبية حقيقية في ضوء تعنت الحكومة اليابانية وعدم مواجهتها لأفعالها بشكل مباشر ورفضها الاعتراف بالذنب عن عمليات الخطف الجماعي واغتصاب عشرات الآلاف من النساء.
ونقل عن وادا قوله إن " اعتراف الحكومة اليابانية بمسؤوليتها إزاء قضية نساء المتعة هو خطوة للأمام بيد أن تفاصيل الصندوق المتصور غير واضحة"، مشيرا في نفس الوقت إلى أن الصندوق الجديد يمكن ببساطة أن يكون تكرارا لسابقه، أو يتعرض للرفض مرة أخرى، أو ينظر إليه على أنه مجرد محاولة من جانب اليابان لـ"شراء" طريقها للخروج من المتاعب.
وفي هذا الصدد، قال محللون آخرون أن الدفع هو مجرد وسيلة لليابان لـ" لتنحية هذه المسألة"، وفي الجوهر إسكات كوريا الجنوبية بينما تمضي طوكيو في طريق تبييض تاريخها.
وقد أثار خبراء هذه المسألة لأن جزءا من الاتفاق الذي تم بين البلدين يتضمن بندا يقضي بألا تثير كوريا الجنوبية مرة أخرى قضية "نساء المتعة"، كما أن اليابان تسعى أيضا إلى إزالة نصب تذكاري أشيد، تكريما لذكرى النساء، أمام السفارة اليابانية في سول، معتبرة إنه يتعارض مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
كما تسعى اليابان بشكل نشط إلى إزالة نصب مماثلة في بلدان أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، بموجب البروتوكول المعدل للحكومة، بالإضافة إلى ذلك يتضمن الاتفاق مع كوريا الجنوبية امتناعها عن التشهير باليابان من خلال إضافة مواد إضافية ذات صلة بقضية "نساء المتعة" إلى قائمة ذاكرة العالم الخاصة بمنظمة "اليونيسكو".
وفي الواقع، كيشيدا نفسه قال إن التعهد الأخير لا ينص على تعويضات، محافظا على وجهة نظر اليابان التي تعتبر أن مثل هذه الأمور قد تمت تسويتها بشكل كامل ونهائي في إطار اتفاق عام 1965 حول تسوية المشاكل المتعلقة بالملكية والمطالبات والتعاون الاقتصادي بين اليابان وجمهورية كوريا.
ولفت كيشيدا إلى وجود خط واضح للتمييز بين الصناديق المالية المخصصة للحصول على تعويضات، وتلك المخصصة لكيان متصور أو لمؤسسة تتخصص بمساعدة الناجين.
ولكن بغض النظر عن دلالات هذا الاتفاق، أو ما إذا كانت اليابان تسعى أم لا لدفع ثمن لورقة تاريخية نظيفة بقدر ما تهتم بقضية "نساء المتعة"، فإن الأستاذ الفخري في جامعة طوكيو، وادا، أشار إلى أنه ما يزال هناك وجود لاحتمال أن الناجيات، وجميعهن في أواخر أعمارهن، قد يرفضن الاتفاق.
وقال وادا أيضا "أتساءل كيف ستتمكن الحكومة اليابانية من التعبير عن اعتذارها ، وما هي الطريقة التي ستقوم من خلالها بتقديم المال؟".
وفي حين رأى إيريكو آيكيدا، مدير متحف المرأة النشط في الحرب والسلام، أن هناك بعض النقاط الإيجابية في الاتفاق، إلا أنه أشار إلى أن هناك بعض المناطق الرمادية عند النظر إلى قرار فعلي تم التوصل إليه والموافقة عليه.
وقال آيكيدا "لا يوجد أي تغيير في الموقف الذي يتضمن أن اليابان لا تتحمل أي مسؤوليات قانونية، وهناك الكثير من نساء المتعة الناجيات يقلن إن المسألة لا تتعلق بالمال، لذلك فإن تقديم المال بدون إبداء ندم صادق سوف يؤدي فقط إلى إثارة احتجاجات".
كما لفت المحللون الانتباه إلى وجود احتمال بأن اليابان قد تستخدم هذه الخطوة للتقرب من كوريا الجنوبية في محاولة لتعزيز الوصول الأمني الخاص بها في منطقة آسيا- المحيط الهادئ، وذلك مع تطلع رئيس الوزراء شينزو آبي إلى السماح بزيادة البصمة الدولية للجيش الياباني، وذلك في إطار التشريع الجديد المريب، والإنفاق العسكري الضخم الجديد الذي تم الإعلان عنه مؤخرا.
كما لم يمر ذلك بدون أن يتم ملاحظة بأن هذا التحرك، وهو أمر كانت اليابان ترفض القيام به بشدة على مدى عقود، قائلة إن هذه المسألة قد تم حلها بالفعل، يأتي مع تطلع حزب آبي الليبرالي الديمقراطي الحاكم إلى تلميع صورته المولعة بالقتال إلى حد ما، في أعقاب تمرير قوانين آبي المرتبطة بالحرب وذلك ضد إرادة الجماهير، وإعادة عسكرة اليابان، في توجه معاكس لـ 70 عاما من السلمية، قبل انتخابات مجلس الشيوخ المزمع إجراؤها في الصيف المقبل.
مع ذلك، وفي حين أن قضية "نساء المتعة" مع كوريا الجنوبية قد تحل إلى حد ما، لكن على خلاف ذلك، كيف تخطط اليابان لاستعادة شرف وكرامة "نساء متعة" من بلدان ومناطق أخرى، واللواتي تعرضن لوحشية مماثلة من قبل اليابان خلال الحرب، بما في ذلك العديد من النساء من الصين وكذلك الفلبين وميانمار وإندونيسيا وهولندا، وكذلك مجموعة من النساء الأستراليات.
وفي حين أن اليابان في مزاج تأمل، فقد يكون جيدا لها ألا تنسي بأن جيشها الإمبراطوري أجبر أيضا العديد من النساء اليابانيات على العمل في مخيمات الجنس العسكرية المثيرة للغثيان.