بكين 31 ديسمبر 2015 (شينخوا) قال يانغ قوانغ، مدير مركز بحوث غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية ، أهم المراكز البحثية في الصين, إن استقرار مصر وتنميتها يتوقفان على ما إذا كان بإمكان مصر إيجاد حلول لمشاكل البطالة في ظل نمو السكان المتواصل, لاسيما عن طريق تطوير عمليات التصنيع بدلا من اللجوء الى قنوات التوظيف التقليدية.
ونشر يانغ مقالا تحت عنوان "السكان والبطالة وعملية التصنيع في مصر" في العدد الأخير الصادر في ديسمبر الجاري من مجلة ((دراسات غرب آسيا وأفريقيا)) الصينية ذات التأثير الواسع والعميق في الأوساط الأكاديمية والدبلوماسية الصينية.
وقال الخبير إن مشكلة البطالة المصرية بدأت منذ سبعينات القرن الماضي، وانفجرت قبل حوالى خمس سنوات حتى أحدثت تأثيرات عميقة على مصر.
وعزا الخبير السبب الرئيسي لاحتشاد الشباب المصريين في الشوارع وإسقاط نظام مبارك ونظام مرسي الذي لم يدم وقتا طويلا الى مشكلة البطالة الشديدة.
--- مصر تبقى في مرحلة المستوى المرتفع لنمو السكان واحتياجات التوظيف.
وشهد معدل النمو الطبيعي للسكان في مصر في الفترة ما بين عامى 2003 و2014 ارتدادا الى مستوى 2.3 في المائة سنويا ليصل عدد السكان في مصر عام 2014 الى 86.8 مليون نسمة.
وفي الوقت نفسه, ارتفع عدد الأيدي العاملة من 20.4 مليون شخص الى 27.9 مليون شخص مع بلوغ معدل النمو السنوي 2.9 في المائة ما يتجاوز معدل النمو الطبيعي للسكان.
ويعتقد يانغ أن نمو السكان السريع في مصر يتحول بشكل تدريجي الى نمو أسرع للطلب على التوظيف, ما يؤدى الى ارتفاع نسبة السكان الذين يبحثون عن عمل وكذلك فرض ضغوط أكبر على خلق فرص العمل.
وتوقع الخبير ان يستمر نمو الطلب على التوظيف عقودا حيث ستكون هناك ضغوط على هذه الاحتياجات لمدة طويلة.
--- مشكلة البطالة في مصر
وقال يانغ إن مشكلة البطالة تحدث تأثيرات محورية على الاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة.
وقد طرح آرثر اوكون الاقتصادي الأمريكي الشهير ورئيس اللجنة الاقتصادية للرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون في عام 1968 " مؤشر البؤس" (مؤشر البؤس = معدل البطالة + معدل التضخم) الذي دائما ما استخدم في تقييم المخاطر الكامنة لوقوع الاضطرابات الاجتماعية في دولة ما.
وقام ستيف هانك، البروفيسور الاقتصادي في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، عام 2014 بالتقييم والترتيب لـ89 دولة في أنحاء العالم، وجاءت مصر ضمن مراكز الصدارة في قائمة أعلى البلدان في العالم من حيث "مؤشر البؤس".
وعزا البروفيسور هانك السبب الرئيسي لارتفاع مؤشر البؤس المصري الى ارتفاع معدل البطالة.
وأشارت الإحصاءات الرسمية المصرية الى ان معدل البطالة في مصر عام 2014 بلغ 13 في المائة, أما معدل بطالة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما فانه وصل الى 15.8 في المائة.
وقال يانغ انه في واقع الأمر برزت مشكلة البطالة الشديدة منذ سبعينات القرن العشرين قبل أن تصبح حالة مزمنة تشكل تهديدات واقعية على الاستقرار الاجتماعي المصري.
واندلعت هذه المشكلة قبل حوالى خمس سنوات خلال التقلبات الكبرى وما يسمى "الربيع العربي" الذي اجتاح عددا من الدول العربية وخلاله شهدت مصر تقلبات سياسية واجتماعية كبيرة ما أحدث تأثيرات واسعة وعميقة على معيشة الشعب المصري.
ويعتقد يانغ انه على الرغم من وجود قراءات مختلفة لأسباب وقوع هذه الثورات، الا أنه لم تختلف آراء الخبراء والمحللين على أن السبب الرئيسي يرجع إلى مشكلة البطالة الشديدة.
وقال الخبير ان الرئيس عبد الفتاح السيسي يبحث حاليا عن النمط التنموي الصحي المستدام في مصر ولا شك ان مسألة نجاح مصر في تحقيق التحول من الاضطراب الى الاستقرار من عدمه تتوقف على ما إذا كان بإمكان النظام الجديد إيجاد الحلول بصورة مستمرة وفعالة لمعالجة مشكلة البطالة.
--- معضلة قنوات التوظيف التقليدية في مصر
وقال الخبير ان مشكلة البطالة المصرية ترجع الى احتياجات التوظيف وعروضه وهما وجهان لعملة واحدة.
وتتعلق أسباب زيادة الطلب على العمل بالنمو السريع للسكان نظرا لان هذا النمو لم يتوقف حتى الآن, أما أسباب قلة توفر الوظائف تتصل بمستوى النمو الاقتصادي المصري وهيكل القطاعات، إذ مازالت مصر تلجأ الى أساليب تقليدية لتوفير الوظائف، بيد ان قيود قنوات التوظيف هذه تبرز على نحو واضح.
وقال يانغ ان مصر مازالت دولة تعتمد على قطاع الزراعة لسد احتياجات التوظيف، إلا ان الظروف الطبيعية لتنمية الزراعة في البلاد ليست مؤاتية جدا, ما يؤدى الى مواجهة صعوبات في توسيع حيز التوظيف في قطاع الزراعة.
وقال ان الأراضي الصالحة للزراعة لم تبلغ سوى 3 في المائة من إجمالي أراضي البلاد.
وتماشيا مع ارتفاع حجم السكان في المناطق الريفية شهد نصيب الفرد من الأراضي الصالحة للزراعة انخفاضا بشكل متواصل، إذ هبطت مساحة الأراضي الزراعية الى 3.8 هكتار لكل مائة شخص في الفترة ما بين عامى 2005 و2007 لتدرج البلاد في قائمة أقل بلدان العالم من حيث نصيب الفرد من الأراضي الزراعية.
وإلى جانب قطاع الزراعة تعد قطاعات الصناعات والخدمات وكذا تصدير الأيدي العاملة قنوات توظيف للمصريين, الا أن هذه القنوات تواجه المزيد من القيود والعوامل غير المستقرة.
وخلق قطاع الخدمات في مصر بالفعل الكثير من فرص العمل بما فيها التوظيف في الأجهزة الحكومية وقطاع السياحة، إلا انها تجد صعوبات في تقديم المزيد من فرص العمل المستقرة في المستقبل.
هذا وفي عام 2008 باعتباره ذروة السياحة المصرية استقبلت البلاد 12.3 مليون سائح مع وصول عدد العاملين في قطاع السياحة ذروته البالغة 2.5 مليون شخص, ما شكل 13 في المائة من التوظيف الاجمالي في البلاد.
الا ان قطاع السياحة المصري شهد تقلبات كبيرة وانخفاضات في عدد السياح بشكل حاد بسبب المشاكل الأمنية الإقليمية والمحلية الى جانب التقلبات الاقتصادية في أوروبا بصفتها إحدى أهم مصادر السياح. لذا فان حجم التوظيف في قطاع السياحة لم يتجاوز المستوى المسجل في عام 2008 حتى الآن.
أما الأجهزة الحكومية فقد أصبحت متشبعة منذ وقت طويل، اذ أشارت الإحصاءات الصادرة عن البنك المركزي المصري الى ان عدد العاملين في الأجهزة الحكومية استقر عند مستوى يتراوح بين 5.2 مليون و5.5 مليون شخص في الفترة ما بين عامى 2003 و2014, ما يشكل حوالى 20 في المائة من اجمالي التوظيف.
ويظن يانغ انه بعد تولي الرئيس السيسي زمام الحكم عام 2014 كانت مصر في حاجة الى ضمان استقرار الاقتصاد الكلي وانخفاض العجز المالي الحكومي، لذا فانه ليس من المتوقع زيادة فرص العمل بشكل واضح في الأجهزة الحكومية.
أما تصدير الأيدي العاملة فان يانغ يظن انها وسيلة فعالة لتخفيف ضغوط التوظيف، في حال كانت البيئة الاقتصادية الخارجية في حالة جيدة, الا انه كثيرا ما تشهد تذبذبات حادة تضرب حتى أسواق العمل المحلية بشكل غير متوقع.
وذكر يانغ ان قنوات التوظيف التقليدية هذه لم تتمكن إلا من لعب دور ضيق ومحدود من أجل تسوية مشكلة البطالة الشديدة التي تشهدها مصر حاليا.
واذا رغبت الحكومة المصرية في إيجاد الحلول الفعالة والمستدامة لمشكلة البطالة يتعين عليها الا تلجأ الى قنوات التوظيف التقليدية هذه بل تحول أنظارها الى قطاعات جديدة بهدف العثور على مزايا نسبية جديدة، حسبما قال يانغ.
--- مشاكل التوظيف حلولها في مصر
قسمت منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية جميع اقتصادات العالم الى أربعة مستويات, الدول الصناعية المتقدمة واقتصادات الصناعة الحديثة واقتصادات أخرى في عملية التصنيع الى جانب الدول الأقل نموا ومازالت مصر تنتمي الى قائمة "اقتصادات أخرى في عملية التصنيع".
وتعيش مصر في مرحلة التطور المتخلف نسبيا والتي تتمثل في تحول البلاد من مجتمع زراعي تقليدي الى مجتمع صناعي حديث.
ويظن يانغ أن مساهمة قطاع الصناعات المصرية في خلق فرص عمل مازالت صغيرة مقارنة بما عليه في كثير من الدول النامية مضيفا ان النقص في تطور الصناعات المصرية هو محور مشكلة البطالة التي تشهدها مصر حاليا وذلك في ظل نمو السكان والحاجة للتوظيف.
أما حلول مشكلة البطالة فانها تتوقف بشكل كبير على تسريع عملية التصنيع.
وقال يانغ انه سيتم خلق الكثير من فرص العمل في بيئة سياسة مؤاتية خلال عملية التصنيع لاسيما في ظل وجود الأيدي العاملة الوافرة وحجم السكان الكبير ما سيجلب "عائدا ديمغرافيا" لمصر.
وذكر يانغ ان مصر تتمتع بموارد متعددة ومزايا جيوسياسية وجيواقتصادية، وذلك يوفر ظروفا مؤاتية لتسريع عملية التصنيع في مصر.