بقلم هاشم وانغ
بكين أول يناير 2016(شينخوا) بعد 5 سنوات من الاضطرابات وتوتر الأوضاع ، شهد الشرق الأوسط في عام 2015 بوادر طيبة، ما زاد من آمال شعوب المنطقة في تحقيق السلام والاستقرار في المستقبل المنظور. بيد أنه مع استمرار الأزمات وتوسع تنظيم الدولة (داعش) دوليا وتدهور قضية اللاجئين، ستظل البوادر الطيبة والاضطرابات والتحديات قائمة جنبا إلى جنب في إقليم الشرق الأوسط لفترة من الوقت.
ويعتقد الخبراء الصينيون أن الحل السياسي لا يزال هو السبيل الأفضل والوحيد لمعالجة القضايا الساخنة في المنطقة والتي تؤثر سلبا على الأوضاع الاقتصادية المرتبطة بجميع جوانب الحياة اليومية للشعوب، ويقترحون تشكيل آلية تشاور وتفاوض وإطار تعاوني على المستوى الإقليمي من أجل إجراء حوارات بين دول المنطقة والقوى الكبرى وتحقيق تعاون فعال فيما بينها، مؤكدين على ضرورة تفهم القوى الكبرى لأهمية الشرق الأوسط والمساعدة على تحقيق السلام والاستقرار في الإقليم ليمنح ذلك الأمل للشعوب ويبدد ما لديها من إحساس باليأس.
-- بوادر طيبة
فقد تمكنت مصر خلال عام 2015 من استعادة استقرارها الداخلي ودورها الخارجي. وعلى الصعيد الداخلي، أنجزت مصر خلال الفترة من 18 أكتوبر وحتى الثاني من ديسمبر الماضي المرحلة الثالثة والأخيرة من خارطة الطريق التي أعلنها الجيش بالتوافق مع قوى سياسية ودينية وشبابية بارزة عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، حيث جرت انتخابات برلمانية شارك فيها 28.3% من إجمالي الناخبين المصريين، ليتشكل أول برلمان بعد عزل مرسي في الثالث من يوليو عام 2013 بعد احتجاجات حاشدة طالبت برحيله عن الحكم. وعلى الصعيد الدولي، نجحت مصر في الفوز بمقعد غير دائم في مجلس الأمن، وشهدت علاقات مصر الخارجية تطورا كبيرا سياسيا واقتصاديا لاسيما بعدما قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة 21 دولة من بينها روسيا والصين.
وتتطور الأزمة السورية باتجاه الحل السياسي. وفي آخر التطورات، تبنى مجلس الأمن الدولي مؤخرا قرارا يصادق على خارطة طريق دولية لعملية الانتقال السياسي بقيادة سورية، ويؤيد هذا القرار ما تم تحقيقه عبر الجهود الدبلوماسية الدولية في جنيف وفيينا ونيويورك خلال السنوات الماضية سعيا لوضع نهاية مبكرة للصراع في سوريا، ويمكن أن تكون خارطة الطريق هذه أول خطوة جادة في الطريق لإنهاء الأزمة التي طال أمدها وأودت بحياة أكثر من 250 ألف شخص.
ويودع الليبيون عام 2015 بتوقيع اتفاق للمصالحة تم تحت رعاية الأمم المتحدة، ومن المأمول أن يرسي الاستقرار في بلدهم الذي تعصف به حالة من الفوضى سمحت لجماعات متطرفة من بينها تنظيم الدولة (داعش) بأن يكون لها موطىء قدم في هذا البلد الغني بالنفط. وينص الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني تقود مرحلة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية في حدود عامين كحد أقصى. وشهدت عملية الحوار السياسي بين أطراف الأزمة في ليبيا محطات كثيرة منذ انطلاقها برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في نهاية سبتمبر 2014، ما بين غدامس وطرابلس وجنيف وبروكسل وتونس والجزائر وبرلين وانتهاء بالصخيرات.
كما حققت القضية النووية الإيرانية اختراقا، حيث تبنى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرا قرارا إغلاق التحقيق فى الأنشطة النووية الإيرانية بناء على مراجعة لتنفيذ إيران لإلتزاماتها بموجب اتفاقية نووية وافق عليها مجلس الأمن الدولي فى يوليو من عام 2015. وبعد تحقيقات استمرت 12 عاما حول برنامج إيران النووي المثير للجدل، قررت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنهاء العملية كلها فى ضوء الاتفاق النووي التاريخي. وقبل ذلك أبرمت القوى الست الكبرى وإيران اتفاقا تاريخيا حول برنامج طهران النووي بعد مفاوضات ماراثونية شاقة في يوليو الماضي.
أما اليمنيون فيرون الأمل في تحقيق السلام بعد فترة طويلة من المعاناة، حيث انطلقت المحادثات مؤخرا برعاية أممية حيث وافقت الأطراف المتقاتلة في اليمن على المشاركة فيها بهدف إيجاد حل للنزاع اليمني وإيقاف الحرب المحتدمة في البلاد منذ مارس الماضي، ورافقها إعلان وقف إطلاق النار بعد نحو تسعة أشهر من الصراع المسلح.
-- مستقبل المنطقة في عيون الخبراء
ومن جانبه، قال وو بينغ بينغ، رئيس مؤسسة بحوث الحضارة الإسلامية بجامعة بكين، إن دول منطقة الشرق الأوسط والمجتمع الدولي يجب أن تستمر في إيجاد حلول سياسية للقضايا الساخنة في المنطقة حيث قدم التوافق الدولي على الاتفاق النووي الإيراني مثالا جيدا يمكن الاحتذاء به، مضيفا أن المجتمع الدولي توصل إلى توافق يعد أساسا لإيجاد حل سياسي.
وأكد أن دفع حل القضايا الساخنة في المنطقة يستلزم وجود رغبة صادقة في حل المشكلات من قبل القوى الكبرى، كما يجب أن تتخلى القوى الكبرى عن سعيها وراء المصالح الذاتية وتبذل جهودا لتخفيف حدة التوتر، الأمر الذي يضع أساسا لحل قضايا المنطقة.
وأضاف وو أنه على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، يعد تشكيل آلية تشاور تضم الأطراف المعنية أمرا هاما للغاية في دفع حل القضايا الساخنة وتحقيق السلام في المنطقة، لافتا إلى أن جامعة الدول العربية منصة تضم دول المنطقة وتدير الشؤون العربية الداخلية، لكن القضايا الساخنة في الشرق الأوسط تعتبر قضايا دولية ويلزم لحلها مشاركة الأطراف ذات الصلة خارج المنطقة. ومن ثم، فإنه من الضرورة بمكان وجود آلية تشاور وتفاوض يشارك فيها جميع الأطراف المعنية.
ولدى حديثه عن ضرورة الالتزام بمبدأ تعزيز التعاون ونبذ المواجهة، قال وو إن بعض دول الشرق الأوسط لا تزال تواجه صعوبات اقتصادية وهناك عدم توازن بين مختلف دول المنطقة في التنمية، مشيرا إلى أنه لابد لتلك الدول من التفكير مليا في بناء إطار تعاوني للمنطقة بأسرها بحيث لا يضم دول المنطقة فحسب، وإنما يجذب دولا ذات تأثير من خارج الشرق الأوسط يمكنها أن تقدم إسهامات في مجال الاستثمارات، مما يحقق تعاونا على مستوى أعلى وأكثر فعالية في الإقليم.
ومن جانبه، أعرب ما شياو لين الخبير الصيني في القضايا الدولية إن الحل السياسي لا يزال هو السبيل الأفضل والوحيد لتسوية قضايا المنطقة، حيث تتوق شعوب المنطقة بعد خمس سنوات من المعاناة، تتوق بشدة إلى أن تنعم بالاستقرار والسلام وتحقق التنمية وتودع عهد الاضطرابات والحروب.
ولفت إلى أنه من أجل دفع الحل السياسي، لا بد للقوى الكبرى من فهم أهمية الشرق الأوسط بالفعل، إذ أن توتر الأوضاع لن يعود بأي فائدة على أي طرف.
وأضاف أنه لابد للقوى الكبرى من التعاون مع دول المنطقة، الأمر الذي يقدم إسهامات في تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية في الشرق الأوسط ويمنح الأمل للشعوب ويبدد اليأس الذي يعد تربة خصبة للإرهاب.
وحول الدور الصيني في الشرق الأوسط ، يرى وو بينغ بينغ أن الصين ستظل دوما ملتزمة بموقفها المؤيد للحل السياسي للقضايا الساخنة، قائلا إن الصين يجب أن تعزز هذا الموقف وتجري مزيدا من التعاون والتنسيق مع الدول التي تدعم الحل السياسي.
وأضاف أن الصين يمكن أن تقدم مزيدا من المساعدات في المجالات السياسية والمالية والشؤون الإنسانية بغية دفع التنمية الاقتصادية في دول الشرق الأوسط، لتلعب دورا بناء ومسؤولا على نحو أكبر في هذا الإقليم.
وقال ما شياو لين إن الصين عليها التمسك بسياساتها الخارجية والإستراتيجية الكاملة في الشرق الأوسط والإصرار على دفع حوار المصالحة وعملية مكافحة الإرهاب تحت رعاية الأمم المتحدة وتعزيز تقديم المساعدات الإنسانية للشعوب العربية المنكوبة، فضلا عن الاستعداد للإسهام في تحقيق إعادة البناء والانتعاش الاقتصادي في دول المنطقة.