بكين 7 فبراير 2016 (شينخوا) وسط رياح باردة تهب على شمال الصين وثلوج غزيرة تتساقط على جنوبها, يحل عيد الربيع الصيني التقليدي اليوم (الأحد) الموافق يوم 7 فبراير ويستمر أسبوعا ويحتفل بقدومه الصينيون بإعداد أطباق مميزة عيشة السنة الجديدة وإشعال المفرقعات النارية المبهجة..إلخ.
وللعيد في كل مكان مذاق مميز وفي الصين تحديدا وخلال عيد الربيع تفوح رائحة العيد في كل الشوارع والأزقة والبيوت والمحال وتعتلى البهجة وجوه الجميع وينخرط الأجانب المقيمون في الصين في مشاركة أصدقائهم وزملائهم الصينيين الاحتفال بهذا العيد الذي يسمى أيضا بعيد لمّ الشمل حيث يعود الملايين إلى مسقط رأسهم لتلتقي أفراد العائلة بعد فراق قد يمتد لسنة أو أكثر.
وقد وصف المصري محمد مازن, الذي بدأ العمل في الصين عام 2010, عيد الربيع بأنه "مناسبة رائعة تحمل معاني نبيلة بالنسبة للصينيين والأجانب على حد سواء تتجسد في لم شمل الأسر وتعزيز أواصر الصداقة والتناغم والوئام بين أفراد المجتمع الواحد على اختلاف أعراقهم وأجناسهم". وقبل مجيئه من القاهرة إلى بكين, لم يكن لديه أي علم بعيد الربيع.
وقال محمد مازن لمراسلة وكالة أنباء ((شينخوا)) إن عيد الربيع بالطبع يعجبه، فهو من المناسبات الصينية التي تركت انطباعا عميقا لديه هو وأسرته التي تقطن معه في الصين.
أما المصرية هالة أحمد التي تعمل في الصين منذ أربع سنوات فصارت تعشق هي وأسرتها فترة هذه العيد الذي يتعلق في أذهانهم بالفوانيس الحمراء الزاهية المعلقة بأحجام مختلفة في الشوارع وأمام المنازل والمحال، والمهرجانات والاحتفالات التي تقام في الساحات العامة، والحلوى الصينية المميزة التي تمتلئ بها المتاجر لتقديمها كهدايا للأصدقاء والأحباب، والأكشاك الخاصة ببيع المقصوصات الورقية الحمراء التي تلصق على النوافذ والجدران والأبواب ومكتوب عليها عبارات تحمل تمنيات بالسعادة والخير الوفير في العيد.
وفي ظل هذه الأجواء الاحتفالية، تحرص هالة وأسرتها كل عام على قضاء أحد أيام العيد مع أصدقائها الصينيين حيث يبدأون احتفالهم، الذي يكون فيه الأحمر سيد الألوان، في وقت مبكر من الصباح بتعلم مهارة صنع طبق الجياوتسي (القطائف المحشوة باللحم والخضار) وإعداد أطباق صينية لذيذة وأهمها السمك الذي يقول الصينيون إنه لابد أن يكون وفيرا حتى تبقى منه فَضلة لتعنى بشير خير وزيادة مالية تقي المرء من الحاجة، علاوة على تجاذب أطراف الحديث مع احتساء الشاي الصيني وتناول المكسرات وسط تعالى الضحكات وتبادل التهاني وأطيب الأماني بأن يكون العام الجديد عام خير على الجميع.
وقالت هالة لـ((شينخوا)) إنها تحرص على تعليق المقطع الصيني "فو" بشكل مقلوب ويعني السعادة باللغة العربية حتى تصل السعادة كما يقول الصينيون إلى البيت، كما لا يفارق الهاتف الجوال يدها حيث تنهمك في إرسال التحيات والتهاني بحلول العيد إلى الأصدقاء والزملاء، ثم تتجه مع زوجها وولديها إلى أحد الأماكن المخصصة في منطقتها السكنية لإشعال المفرقعات ذات الألوان والأشكال المبهرة لتبتهج مع جيرانها بالعيد وتلتقط معهم بالصوت والصورة هذه اللحظات السعيدة، ثم تعود للمنزل للاستمتاع بمشاهدة السهرة المسائية لعيد الربيع التي يذيعها التلفزيون المركزي الصيني وتتخللها فقرات في غاية الروعة ليحلو السمر ويطول السهر.
أما مازن, الذي شعر في البداية وخاصة العام الأول باندهاش وربما صدمة - إن صح التعبير - من أحد المظاهر الاحتفالية الصاخبة لهذا العيد والمتمثلة في إشعال المفرقعات والصواريخ والألعاب النارية، تذكر أن طفله الأول كان عمره عامين وشعر في البداية بالفزع وكان يهرع إلى أسفل السرير للاختباء . كما تذكر أنه وأسرته لم يستطعوا النوم جيدا خلال فترة الإجازة، لكن الأمر أصبح مألوفا في المواسم التالية وبدؤوا يتكيفون مع هذه الأجواء بل ويشاركون فيها الأحباء والأصدقاء الصينيين.
وقال "أصبحنا في الأعوام التالية ننتظر حلول هذا العيد مثل الصينيين لنشارك أصدقائنا وجيراننا الاحتفال بهذه المناسبة، حتى إننا بدأنا نحضر لها قبل وقت طويل، نشترى الفوانيس الحمراء والمفرقعات. وفي اليوم الأول نتبادل التهنئة والأطباق الشهية مع الجيران، هم يقدمون لنا طبق الجياوتسي الشهير، ونقدم لهم على الجانب الآخر بعض الحلويات المصرية. ونشرب الشاي الصيني معا ونتجاذب أطراف الحديث حول المناسبات والأعياد المصرية التي تتميز بطابع احتفالي خاص على شاكلة عيد الربيع الصيني".
وأضاف "ومن ضمن الأنشطة التي نعتاد القيام بها في اليوم الأول من هذا العيد أو ما يعرف برأس السنة الصينية أن نجتمع لمشاهدة "حفل الربيع" الذي يبثه التليفزيون المركزي الصيني. ويعرض هذا الحفل فقرات تثير إعجابنا وتكون غنية في مضامينها وتجمع ما بين الفن الصيني التقليدي والمعاصر. ولا يفوتنا خلال فترة الإجازة زيارة الحدائق والمنتزهات للاستمتاع بالمهرجانات والبرامج التي تقدمها في هذه المناسبة".
وقالت هالة إنه قبل أيام أعلن الحي الذي تقطن فيه عن إقامة مهرجان بمناسبة عيد الربيع، واستعدت هي وأسرتها منذ الصباح لمشاهدة هذا المهرجان الاحتفالي الذي تتخلله عروض رقص وغناء،وعرض تغيير الأقنعة الصيني المميز،وعرض أزياء فلكلورية، فضلا عن أنشطة مختلفة من بينها كيفية عمل الورق المقصوص الذي يعد من الأعمال الفنية اليدوية الصينية التي تحمل معاني البركة والسعادة.
وبالنسبة للسوري حسام بلح الذي جاء للعمل في الصين منذ سبعة أشهر فقط، يعد هذا أول عيد ربيع يقضيه في الصين، وبدأ يلحظ خلال الفترة الحالية التحضيرات والاستعدادات لاستقبال العيد، إضافة إلى تعليق فوانيس حمراء بأحجام مختلفة أمام المحلات التجارية والأبنية السكنية.
وقال حسام لـ((شينخوا)) "صراحة، لا أعرف بعد كيف سأحتفل فيه، كونه أول عيد لي هنا، لكني بالطبع سأقضيه مع الأسرة والزملاء، وأبادلهم التهنئة متمنيا لهم جميعا السعادة والسرور، وسأحاول التعرف بشكل أكبر على العادات والتقاليد الصينية العريقة في هذه المناسبات لأن أهميته تتأتى لاحتفال جميع الصينيين فيه".
يذكر أن "نيان" (عيد الربيع باللغة الصينية) يثمل في الميثولوجيا الصينية وحشا يعيش في الجبال أو البحر ويخرج في رأس السنة الصينية ليهاجم الناس والمواشي وخاصة الأطفال والعجائز، لكنه يخاف الضجيج واللون الأحمر. لذلك، تقوم الأسر بتعليق الفوانيس وقصاصات الورق الحمراء في عيد الربيع على أبواب ونوافذ المنازل. وتشعل الألعاب النارية وتوقد الشموع طوال الليل لطرد الأرواح الشريرة ويسهر أفراد الأسر حتى وقت متأخر من الليل.
وتستمر الاحتفالات الرسمية بعيد الربيع أسبوعا، لكن الأهالي يحتفلون بالعيد لفترة أطول تمتد من أول يوم ظهور هلال حتى أن يصبح بدرا في اليوم الـ15 من الشهر القمري الأول للسنة الجديدة التي يبدأ عندها مهرجان مهم آخر يمثل نهاية عيد الربيع، وهو عيد الفوانيس (يوان شياو) حيث تتلألأ أنوار الفوانيس في كل مكان، وفي هذا اليوم تشاطر هالة أصدقائهم الصينيين عادتهم في تناول (يوان شياو) وهي كرات صغيرة مُحضرة من دقيق الأرز اللزج المحشو بالسكريات والمطيبات الأخرى التي تضعها في ماء سكري مغلي، ثم تقدم لأسرتها التي تحبها بمختلف مذاقها ولتختتم أسرة هالة هذا العيد الجميل انتظارا للاحتفال به في السنة القادمة.