بكين أول مارس 2016 (شينخوا) دائرة الضوء العالمية ستسطع على الصين في وقت مبكر من هذا الشهر، حيث تستعد الدولة الآسيوية لعقد " الجلستين" السنويتين لاستكشاف حلول الخطوة التالية لتنميتها ما سيطلق العنان لإمكانيات هائلة على نطاق عالمي.
ومن المقرر أن تفتتح الدورة الرابعة للمجلس الوطني الـ12 للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أعلى هيئة استشارية سياسية للصين، والدورة السنوية الرابعة للمجلس الوطني الثاني عشر لنواب الشعب الصيني، أعلى جهاز تشريعي في الصين، ببكين في 3 و 5 مارس القادم على الترتيب.
وتوقع خبراء أن يجذب التجمعان، بما يوفرانه من نافذة ثمينة للمراقبين العالميين للإطلاع على السياسات المستقبلية للصين في وقت يكافح فيه العالم وسط انتعاش ضعيف، المزيد من الاهتمام في الداخل والخارج على حد سواء.
-- إعادة الهيكلة الاقتصادية ونمط موجه نحو الاستهلاك لخلق الفرض
وستشهد الدورة المرتقبة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني النقاش والتصديق على مسودة الخطة الخمسية الـ13 للصين على أن تركز المناقشات على تسريع خطى إعادة الهيكلة الاقتصادية للصين كمهمة رئيسية.
وأعلنت القيادة العليا للصين في أواخر فبراير أن الصين ستكثف الإصلاحا ت الهيكلية في جانب العرض والاقتصاد الأخضر والاستفادة من إمكانيات الطلب المحلي. ويتحول ثاني أكبر اقتصاد في العالم حاليا من الاعتماد على الاستثمارات والتصنيع الى الطلب المحلي والخدمات.
وقال ستيفن روش الزميل البارز بجامعة ييل الأمريكية إن هذا التحول سيساعد الصين على التطور الى "محرك أكثر دواما لنمو الطلب. ما سيعود بمزيد من الفائدة على النمو العالمي المستدام".
وفي الواقع، أتى التعديل الهيكلي في الصين بالفعل بثماره مبكرا. وأظهرت البيانات الرسمية أن الاستهلاك قد شكل ثلثي النمو في الصين عام 2015، ليصبح قوة رئيسية في الاقتصاد الصيني.
وأكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال زيارته للولايات المتحدة في فبراير أن " هذا هو الاتجاه الصحي والمستدام للتغيير".
وأطلق رسميا نظام الدفع الالكتروني "آبل باي" في 18 فبراير لخدمة المستهلكين في الصين، كأول دولة في آسيا يتاح للمستهلكين فيها استخدام هذا النظام لشراء حاجاتهم من عملاق التكنولوجيا الأمريكي، ما يمثل لمحة بسيطة على اهتمام الشركات الأجنبية بالسوق الاستهلاكية الضخمة للصين بفضل قوتها الشرائية المتزايدة.
وقال شلومو مايتال، الباحث الرفيع بمعهد إسرائيل للتكنولوجيا، إن الصبن باعتبارها واحدة من الأسواق القليلة التي تنعم بنمو قوي، ستتيح فرصا كبيرة لبقية العالم.
وقد تجاوزت علاوة القوة الشرائية المتزايدة أيضا ما وراء الحدود، إذ قام السياح الصينيون في العام الماضي بـ120 مليون زيارة الى الخارج وأنفقوا أكثر من تريليون يوان (حوالي 153 مليار دولار). وطالما جذبت التقارير والصور عن المشترين والمسافرين الصينيين العناوين الرئيسية في الصحف الأجنبية.
ويرى روش أن الإرتقاء بالقوة الشرائية للشعب الصيني سيعطي دفعة قوية للانتعاش الضعيف للاقتصاد العالمي.
-- حوكمة نظيفة وشفافة لتشجيع الاستثمارات الأجنبية
وفي السنوات الماضية ألزمت الحكومة الصينية نفسها بحوكمة أكثر نظافة وشفافية مع التركيز على خلق بيئة مواتية وقابلة للتنبؤ للاستثمار الأجنبي.
ويتوقع أن يتم تسليط المزيد من الضوء في الجلستين المنتظرتين على هذه الجهود بما في ذلك حملة بكين لمكافحة عمليات التقصير .
وقال المحللون إن الجهود الجارية قد أثمرت عن نتائج ملموسة وعززت ثقة المستثمرين الأجانب في واحدة من أكثر الأسواق ديناميكية في العالم.
وقال وانع يوكاي، الأستاذ بالأكاديمية الصينية للحوكمة، إن "حملة الصين لمكافحة الفساد، والتي تعد جزءا من مبادرة سيادة القانون للحد من خسائر الأصول المملوكة للدولة وتعزيز الحوكمة النظيفة وثقة المستثمرين الأجانب، قد حظيت باعتراف ودعم المجتمع الدولي".
وفي تقريرها للعام 2015، قالت غرفة التجارة الأمريكية التى تتخذ من شانغهاي مقرا لها إن مشكلة الفساد قد أضحت تحديا طفيفا للشركات الأمريكية التي تقوم بأعمال في الصين، التي تراجعت لعامين متتاليين الى المركز الـ 13 على الترتيب السنوي للمنظمة.
ورأى جورج ووتكه، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، أن حملة مكافحة الفساد قد عززت بيئة عادلة للمنافسة لمجتمع الأعمال وقللت من صعوبات ممارسة الأعمال في البلد الآسيوي.
وسيكون الانفتاح أيضا مصطلحا رئيسيا آخر في الجلستين بعد تحول التركيز الى تسهيل الاستثمارات في السنوات القادمة.
وقد التمست وزارة التجارة الصينية الرأي العام بشأن قانون استثماري أجنبي الجديد يسمح بتخفيف القيود على المستثمرين الأجانب ومنحهم وصولا أسهل للسوق الصينية.
وقال دوغ غور، رئيس عملاق التجزئة الالكتروني أمازون الصين، إن توفير بيئة سوقية قانونية أكثر استقرارا وشفافية ويمكن التنبؤ بها وتشجع على المنافسة العادلة من شأنه أن يجعل الصين جاذبة دائما للمستثمرين الأجانب.
-- دبلوماسية مربحة للجميع مكرسة لازدهار العالم
في الشهر الماضي، تعهدت الصين بايلاء الأولوية لمستوى رفيع من الانخراط المنفتح على العالم كجزء من أجندتها الدبلوماسية في السنوات القليلة القادمة، وهو ما سيكون موضوعا ساخنا أيضا في الجلستين المقبلتين.
وتوقع الخبراء أن يواصل المشاركون بحث تنفيذ برامج كبرى مثل مبادرة الحزام والطريق من أجل تقاسم فاكهة التنمية الاقتصادية الصينية المستمرة منذ عقود مع الدول الأخرى وخاصة الدول النامية.
وتهدف مبادرة الحزام والطريق التي اشتق اسمها من طريق الحرير المعروف عالميا الذي ربط آسيا وأوروبا وإفريقيا في العصور القديمة، تهدف إلى تعزيز الترابط بين المناطق الواقعة بطوله برا وبحرا وتحديث البنية التحتية في آسيا وإفريقيا.
وستعزز المبادرة من خلال تبادل رأس المال والتكنولوجيا والقدرة الانتاجية عالية الجودة بين الدول بطول الطرق التجارية القديمة، التنمية الاقتصادية والاجتماعية في آورآسيا والقارة الإفريقية، وفقا لما تقوله فو يينغ رئيسة لجنة الشؤون الخارجية للمجلس الوطني لنواب الشعب.
وحظيت المبادرة برد إيجابي من أكثر من 60 دولة حتى الآن بعضها ربطت خططها التنموية بالفعل بخطة الصين المقترحة.
وقال سيفرينو بازيرا كابرال، مدير معهد دراسات الصين وآسيا والباسيفيك بالبرازيل ، إن مبادرة الحزام والطريق ستساعد الدول النامية على أن يكون لها كلمة أكبر مع دفع الحل السلمي.
على سبيل المثال، باكستان الدولة الواقعة في وسط آسيا على الطريق التجاري القديم، تعاني منذ وقت طويل من نقص في الطاقة. وخلال فصل الصيف تشهد حتى عاصمتها إسلام أباد انقطاعا في التيار الكهربي لما يصل الى 12 ساعة في اليوم.
لكن بفضل التنفيذ السلس للمحور الاقتصادي الصيني-الباكستاتي، المشروع الذي يتوقع أن يضيف 25 ألف ميغا وات من الكهرباء للدولة المتعطشة للطاقة، تملك باكستان القدرة على التحول الى اقتصاد مزدهر.
وقال ابراهيم العماري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، إن العالم يتطلع الى " التنمية السلمية للصين التي ستعيد تشكيل نمط جديد للعلاقات الدولية".