بكين 31 مارس 2016 (شينخوا) بعد مرور ست سنوات على انعقاد قمة الأمن النووي الأولى في واشنطن التي تم حينها إدراج مسألة الأمن النووي على جدول أعمال قادة العالم وفتح صفحة في مواجهة المجتمع الدولي لهذه القضية، تعود القمة المقرر أن تبدأ غدا (الجمعة) إلى واشنطن لتتمحور هذه المرة حول تعزيز نظام الأمن النووي الدولي.
فعلى مدى ست سنوات، حققت قمة الأمن النووي إنجازات تتمثل أولا: في رفع وعي الشعوب تجاه أمن المواد النووية والتهديد الذي يشكله الإرهاب النووي، وثانيا: في قيام العديد من البلدان بوضع قوانين وسياسات حول الأمن النووي وسعيها في نفس الوقت إلى تحسين الإدارة وتقوية المراقبة في هذا الصدد، وثالثا: في دفع البلدان التي تمتلك مخزونا من المواد النووية إلى خفض مخزونها هذا.
بيد الإرهاب النووي صار أحد التحديات التي تشكل تهديدا للأمن الدولي، فالمخاطر الأمنية الناجمة عن المواد النووية في العالم تتزايد مع انتشار استخدام الطاقة والتكنولوجيا النووية وبات من المتعذر تجاهل التهديد المحتمل للإرهاب النووي ولاسيما عقب إعتداءات بروكسل التي دفعت السلطات البلجيكية إلى تعزيز الإجراءات الأمنية في محيط محطتي الطاقة النوويتين في دويل وتيهانج وإخلاء الموظفين غير الأساسيين فيهما بعدما قيل أن منفذيها كانوا يفكرون في الأصل في استهداف موقع نووي فيما لقى حارس أمن يعمل بمحطة نووية بلجيكية مصرعه بعد أيام من هذه الإعتداءات .
هذا ومن ناحية، يشهد عالمنا المعاصر تطورا ضخما في صناعة الطاقة النووية لمواجهة تحديات أزمة الطاقة وتغير المناخ وكذا استخداما واسعا للتقنيات النووية في مجالي الزراعة والطب وغيرهما على نحو قد يؤدى إلى انتشار المزيد من المواد النووية في أنحاء العالم. وإذا ما وصلت هذه المواد إلى السوق السوداء وبلغ الحد سقوطها في أيدي الإرهابيين، فلا شك في أن العواقب ستكون كارثية حقا.
ومن ناحية أخرى، يصعب في ظل الوضع الأمني الدولي المعقد ورغم عدم وقوع حادث إرهابي نووي كبير، تجاهل المخاطر المتمثلة في سعى الإرهابيين أو المنظمات الإجرامية إلى تخريب منشآت نووية لتسريب مواد مشعة منها وفي سعيهم إلى الحصول على مواد نووية وغيرها من المواد المشعة لاستخدامها في تصنيع أجهزة متفجرة نووية أو "قنبلة قذرة".
وفي الواقع، يعد الأمن النووي "جدار الحماية" من الإرهاب النووي. فالتركيبة التي تجمع بين الإرهاب والمواد النووية تشكل بكل تأكيد كابوسا للأمن الدولي. وعملا بمقولة "الوقاية خير من العلاج"، يتعين على المجتمع الدولي تعزيز الأمن النووي المتمثل في تدعيم أمن المنشآت النووية والمواد النووية ومنع الإرهابيين من الحصول على أسلحة نووية أو تكنولوجيا نووية لكبح أي هجمات إرهابية نووية قبل حدوثها.
وهنا، تأتي قمة الأمن النووي المرتقبة لمواجهة هذه التحديات الجسام، إذ لا تستطيع دولة بمفردها مواجهة تلك المخاطر.
وإدراكا منها بأن تحقيق الأمن النووي ومكافحة الإرهاب النووي يتطلبان تضافر جهود جميع الدول، وبأن مواصلة دفع التعاون الدولي وتعزيز آليات التنسيق هو السبيل الأمثل لمعالجة الأزمات والتحديات من أجل بناء نظام دولي للأمن النووي يقوم على العدالة والتعاون والكسب المشترك، تضطلع الصين وهي دولة مسؤولة ومحبة للسلام بدور هام في قضية الأمن النووي حيث تعد الدولة الوحيدة التي تتعهد بألا تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية وبعدم استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد الدول أو المناطق التي لا تمتلك أسلحة نووية.
أولا، إنخرطت الصين في عملية القمة بكل نشاط، وأوجدت طرق الأمن النووي ذات الخصائص الصينية. وشارك القادة الصينيون في جميع القمم، وصار صوت الصين في مجال الأمن النووي واضحا ولاقت الأفكار والمبادرات الصينية تقديرا عاليا من قبل المجتمع الدولي. وفي قمة الأمن النووي التي عقدت في لاهاي عام 2014، أصدر الرئيس الصيني شي جين بينغ ولأول مرة مفهوم الأمن النووي للصين، مؤكدا أنه بمقتضى مبدأ العدالة يتعين على جميع الدول ذات الصلة تنفيذ كافة الالتزامات الواجبة تماشيا مع موقفها الوطني وتعزيز القدرة على حماية الأمن النووي بناء على التوازن بين الحقوق والواجبات.
ثانيا، اتخذت الصين إجراءات ملموسة لتعزيز قدراتها في الأمن النووي، وأدرجت الأمن النووي في نظامها الشامل للأمن الوطني لتوضح مدى الأهمية الإستراتيجية للأمن النووي. وتواصل الصين تحسين آليات الرصد والمراقبة وإنفاذ القانون في في هذا المجال ورفع قدرتها على مواجهة حالات الطوارئ ومكافحة الإرهاب النووي.
ثالثا، أجرت الصين تعاونا دوليا في مجال الأمن النووي، إذ صادقت على جميع الوثائق القانونية الدولية في هذا المجال وتدعم أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية وغيرها من هيئات وآليات الأمم المتحدة ذات الصلة. وفي 18 مارس الجاري، افتتح مركز الامتياز للأمن النووي الذي تم إنشاؤه برعاية الصين والولايات المتحدة ومن شأنه أن يعزز مستوى الأمن النووي العالمي إلى حد كبير ليس في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فحسب، وإنما في العالم بأسره. وتواصل الصين تقديم المساعدة في حدود قدرتها للبلدان النامية.
ومنذ عام 1982، وقعت الصين اتفاقيات تعاون نووي ثنائية مع أكثر من 20 دولة من بينها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والبرازيل ورومانيا واليابان، كما أجرت تعاونا وتبادلات لمواجهة الطوارئ النووية وتحقيق الأمن النووي.
وغدا، ستبدأ قمة الأمن النووي، لذا أصبح على عاتق قادة ورؤساء الدول تحمل مسؤولياتهم الخاصة لمواصلة تعزيز التشريعات المحلية وآليات الإشراف والإدارة، واتخاذ إجراءات فعالة لحماية المواد والمنشآت النووية، وتوفير الآليات والنظم والموارد التقنية والبشرية من أجل تعزيز قدرة الأمن النووي.
كما عليهم الالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، وبناء علاقات دولية جديدة جوهرها التعاون والكسب المشترك، وتهيئة مناخ دولي جيد لتعزيز الأمن الدولي، وإزالة التربة الخصبة لنمو الإرهاب النووي.
وكذلك، لابد من تضافر جهود الجميع لمواجهة تحديات الإرهاب النووي عبر الحدود، وعدم انتهاج سياسة الكيل بمكيالين في موضوعات نزع السلاح وعدم الانتشار، وتفعيل دور آليات التعاون الثنائية والمتعددة الأطراف من أجل دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والأمم المتحدة والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية وغيرها إلى تكثيف التنسيق والتعاون سواء بشأن القضية النووية في شبه الجزيرة الكورية أو الملف النووي الإيراني أو مسألة إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط بما في ذلك إسرائيل.