بكين 6 أبريل 2016 (شينخوا) سجلت الشركات الصينية رقما قياسيا في عمليات الاستحواذ على شركات أجنبية في الربع الأول من عام 2016، حيث بلغت قيمة الصفقات التي تم الإعلان عنها العام الجاري 113 مليار دولار، ما يقترب من القيمة المسجلة لعمليات الاستحواذ لعام 2015 برمته وقدرها 121 مليار دولار. وهذا الرقم يعادل ثلث قيمة عمليات الاستحواذ العابرة للحدود في العالم التي بلغت 311 مليار دولار حتى نهاية مارس الماضي.
وفي هذا الصدد، أفاد بيان صادر عن شركة المحاسبة الأمريكية الرائدة (ديلويت وتوش) إلى أن تيار عمليات الاستحواذ العابرة الحدود في الصين بدأ منذ عام 2009، وأخذ يتزايد بنسبة 30بالمئة سنويا. وبعد 13 سنة من الارتفاع المستمر، يتوقع خبراء الاقتصاد استمرار هذا الاتجاه في العامين المقبلين على الأقل.
-- قطاعات متنوعة
وأفادت وزارة التجارة الصينية مؤخرا بأن صفقات الاستحواذ خارج البلاد البالغ عددها 593 صفقة والتي أبرمتها شركات صينية في عام 2015 تناولت جميع الصناعات بمختلف أقسامها بما في ذلك التكنولوجيا الفائقة والترفيه. وجاءت صناعات النقل والاتصالات ، والأغذية والزراعة، والطاقة والمعادن في المراتب الثلاث الأولى وفقا لبيان صدر عن مؤسسة (تشينغبو) الاستشارية الصينية.
ومن بين الصفقات البارزة التي أبرمت مؤخرا، توقيع مجموعة (واندا) الصينية في يناير الماضي على عقد لشراء (ليجندراي بيكتشرز) وهي شركة إنتاج أفلام أمريكية في صفقة تقدر بـ3.5 مليار دولار، واستحواذ شركة الكيماويات الصينية المملوكة للدولة (كيم تشاينا) في فبراير الماضي على مجموعة (سينجينتا) السويسرية للبذور والمبيدات في صفقة قدرت بـ44 مليار دولار ، لتسجل رقما قياسيا جديدا للشركات الصينية في عمليات الاستحواذ خارج البلاد.
فيما أعلنت شركة (ميديا) عملاق صناعة الأجهزة المنزلية في الصين في أواخر مارس الماضي عن توصلها إلى اتفاق مع شركة (توشيبا) اليابانية لشراء أعمالها في الأجهزة المنزلية لتستحوذ (ميديا) بذلك على 80.1 بالمئة من حصة (توشيبا) لمنتجات الحياة العصرية والخدمات مقابل 473 مليون دولار.
ومنذ انطلاق الشركات الصينية في عمليات الاستحواذ، توسعت في هذا النشاط ليشمل أيضا منطقة الشرق الأوسط، إذ قامت شركة (كيم تشاينا) في عام 2011 بشراء حصة نسبتها 60بالمئة من شركة (ماختشيم أغان) الزراعية الإسرائيلية، فيما اشترت شركة (لايت غروب) الصينية الخاصة في عام 2015 حصة 56.7 بالمئة من شركة (تنوفا) الإسرائيلية للمواد الغذائية.
وأشادت مجلة ((إيكونومست)) البريطانية بتلك الظاهرة مؤكدة أنها مرحب بها بالنسبة للسوق العالمية وسط تراجع قيمة صفقات الاستحواذ العالمية بواقع 25بالمئة مقارنة بالعام الماضي.
ومن جانبها، تتوقع تانغ قونغ منغ مديرة الخدمات الاستشارية بمقر شركة (ديلويت وتوش) في الصين أن تشهد عمليات الاستحواذ الصينية خارج البلاد تضاعفا في القيمة. كما تنبأت بأن تصبح شركات التأمين والخدمات المالية، والأجهزة الدقيقة، وشركات الاستهلاك والترفيه مثل الفنادق والأفلام ، وصناعة الغذاء نقاطا ساخنة للاستثمارات الصينية في المستقبل القريب.
-- فرصة لدفع التخطيط الاستراتيجي العالمي
وعلى نحو معاكس للتيار المتصاعد للصفقات الصينية، انخفضت قيمة عمليات الاستحواذ الأمريكية بواقع 29بالمئة لتصل إلى 256 مليار دولار أمريكي في الربع الأول من العام الجاري، ما يظهر جليا أن الاقتصاد العالمي وخاصة الأسواق الغربية مازالت تواجه صعوبات وانتعاشا بطيئا.
وعلى هذه الخلفية، تستهدف الشركات الصينية الاستحواذ على شركات غربية متقدمة، ما يوفر فرصة نادرة لها للاندماج في السوق العالمية التي تسيطر عليها الدول الغربية. وعلى سبيل المثال، من بين الشركات الأجنبية التي تم الاستحواذ عليها من قبل شركات البر الصيني عام 2015 تحديدا، احتلت تلك من الولايات المتحدة وبريطانيا المرتبتين الأولى والثانية بقيمة تبلغ 20.6 و 13.7 مليار دولار على الترتيب.
ومن الملاحظ أنه من بين صفقات الاستحواذ الصينية التي جرت في السنوات الأخيرة، تولت شركات خاصة 77 بالمئة منها، فيما باشرت شركات حكومية عملاقة 20بالمئة منها فقط، أما الـ3بالمئة المتبقية فلم يتم الكشف عن الجهة الموقعة عليها. وبين صفقات الاستحواذ التي قامت بها الشركات الصينية في الربع الأول من العام الجاري، برزت فيها صفقة الاستحواذ على شركة (توشيبا) اليابانية التي تعد أشهر وأقدم شركة في مجال الأجهزة الكهربائية في العالم.
وأوضح وانغ هوي ياو، مستشار مجلس الدولة الصيني، أن (ميديا) بغض النظر عن شهرتها المرتفعة في السنوات الأخيرة، مازالت تقتصر على السوق المحلية وتواجه فجرا كبيرا مع الشركات البارزة العالمية من حيث قوة العلامة التجارية ومستواها التكنولوجي. وستساعد (توشيبا) التي تتمتع بسمعة بارزة عالميا وفريق موظفين ممتاز وتكنولوجيا متقدمة، ستساعد (ميديا) على تعزيز قدرتها التنافسية في اليابان ودول جنوب شرقي آسيا وحتى السوق العالمية.
وقد عانت الشركة الفرعية التابعة لتوشيبا(توشيبا لايف ستايل) من خسائر ضخمة، "وذلك بسبب عجز الإدارة وغياب الرؤية الاستراتيجية وسط التغيرات الاقتصادية العالمية"، على حد قول الخبير الاقتصادي الصيني ليو بو تشن، مضيفا أن "إدخال رأس المال الأجنبي يضخ دماء جديدة ويفتح أسواقا واسعة لتجنب الإفلاس وبطالة آلاف الموظفين".
والجدير بالذكر أن صفقة الاستحواذ بين (ميديا) و(توشيبا) قد تأسست على سنوات من التعاون الاستراتيجي بدأ بإدخال التكنولوجيا المتقدمة اليابانية إلى الصين في الفترة ما بين عامي 1993 و1998، وتطور إلى استحواذ (ميديا) على الشركة الفرعية لتوشيبا في الصين وإطلاق عمليات بحوث وتطوير مشتركة في الفترة ما بين عامي 1998 و2004، وامتلاك أسهم في بعضهما البعض في الفترة ما بين 2004 و2014.
وقبل إبرام صفقات الاستحواذ، شهدت الكثير من الشركات الصينية والشركات التي تم الاستحواذ عليها حوالي 20 عاما من تعميق التعاون الاستراتيجي لضمان إتمام عمليات الدمج والاستحواذ بشكل سلس.
بالإضافة الى ذلك، واجهت الشركات الصينية فرصة نادرة لتوسيع أعمالها عبر الاستحواذ نظرا لأنه مع صعوبات مالية تتمثل في تراكم الديون وتقلص الأسواق، يمكن لها شراء شركات أجنبية بسعر معقول وخاصة وسط توقعات برفع سعر الفائدة في الولايات المتحدة هذا العام وما نتج عنها من تدهور في أوضاع بعض الشركات العالمية مثل توشيبا اليابانية. وفي نفس الوقت، ساهمت السياسة النقدية السهلة نسبيا التي انتهجتها الحكومة الصينية مؤخرا من أجل دفع النمو الاقتصادي، في تعزيز قدرة الشركات الصينية على شراء شركات أجنبية دون تحمل أعباء مالية ثقيلة.
-- مخاطر محتملة
ومازالت الشركات الصينية، وخاصة تلك التي تحاول الخروج إلى السوق العالمية لأول مرة، تواجه مخاطر عديدة متمثلة في ضرورة الاهتمام بتنوع القوانين والضرائب مع اختلاف الدول والمناطق، وتناغم الثقافات بين الشركات، وتنسيق عملية إدارة شؤون الموظفين، واستخدام الأدوات المالية المتنوعة في النظام المالي العالمي.
أما من وجهة نظر الخبراء الماليين، فإن بعض الشركات الصينية تجري صفقات الاستحواذ باستخدام الاقتراض الضخم، مشبهين هذا النوع من الصفقات بالـ"ثعبان الذي يبتلع فيلا" ما يرفع مستوى المخاطر بالنسبة للشركتين، حتى أن وزير التجارة السابق تشن ده مينغ دعا الشركات الصينية إلى الاتسام بـ "التعقل والحكمة" في عمليات الاستحواذ في الخارج.
وفي هذا السياق، أشاد الخبير الاقتصادي الأوروبي كلاوس ما يي برجال الأعمال الصينيين واستفادتهم من التجارب السابقة فيما يتعلق بعمليات الاستحواذ خارج البلاد، قائلا إنهم كانوا في الماضي يتدخلون بشكل مباشر في إدارة الشركات التي يستحوذون عليها ولكنهم صاروا الآن يفضلون الحفاظ على الهيكل الأصلي للشركات الأجنبية والتركيز على دفع عملية الترويج للعلامات التجارية للشركات الصينية حول العالم ورفع قدرتها التنافسية مستعينين في ذلك بدماء جديدة.