بكين 16 إبريل 2016 (شينخوا) مع انعقاد اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الفترة من 15 إلى 17 إبريل الجاري في ظل مخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي لفترة طويلة، أكدت سلسلة بيانات صدرت عن مصلحة الدولة للإحصاءات في الصين يوم الجمعة أن الاقتصاد الصيني حقق "بداية جيدة" في العام الجاري، لتشعر السوق العالمية بحالة ارتياح تجاهه وتعترف وسائل إعلام غربية بتوجهه نحو الاستقرار. ومن هنا يمكن القول إن ثقة العالم في الاقتصاد الصيني "تعود" من جديد.
وكان عدد من المؤسسات والخبراء في الغرب قد أخذ، منذ مطلع العام الجاري، يتشكك إزاء آفاق نمو الاقتصاد الصيني حيث شاعت "نظرية انهيار الاقتصاد الصيني القديمة" وظهرت "نظرية جديدة عن عرقلة الاقتصاد الصيني للاقتصاد العالمي" وقامت بعض وكالات التصنيف بخفض توقعاتها للتصنيف الائتماني السيادي للصين.
ومع أن التحديات لا تزال قائمة ولاسيما مع ارتفاع ديون الشركات، إلا أن صندوق النقد الدولي ذكر أن ديون الشركات، رغم المخاطر، لا تستدعي هذه المخاوف المبالغ فيها، وقام بتعديل توقعات النمو للصين في عامي 2016 و2017 على حد سواء بواقع 0.2 نقطة مئوية.
ووفقا للبيانات الأخيرة، استطاع الاقتصاد الصيني تسجيل نمو نسبته 6.7% على أساس سنوي في الربع الأول، وذلك تماشيا مع توقعات السوق والنطاق الرسمي المستهدف للعام بأكمله والذي يتراوح بين 6.5% و7%. وقد نما القطاع الصناعي بواقع 5.8%، وهو أبطأ من النمو المسجل في العام الماضي ونسبته 6.1% لكنه أسرع من النمو المسجل في الشهرين الأولين من العام الجاري ونسبته 5.4%. وسجلت صناعات التكنولوجيا الفائقة وصناعات المعدات وتصنيع الآلات على وجه الخصوص نموا نسبته 9.2% و7.5% على التوالي، لتسهمان بحصة كبيرة في هذا النمو. أما صناعات الخدمات فقد نمت بنسبة 7.6%، ما يبرهن على أن قطاع الخدمات لا يزال يمثل نقطة مضيئة في الاقتصاد الصيني.
وإذا نظرنا إلى الوراء وتأملنا في التوجهات التي سادت السوق على مدى الأشهر القليلة المنصرمة، فسوف يتضح لنا أن حالة التشاؤم إزاء الآفاق الاقتصادية للصين كان مبالغا فيها. وهذا يكشف مرة أخرى ضرورة عدم التركيز على جانب واحد من الاقتصاد الصيني الواسع، بل قراءته من عدة جوانب ومنها:
قراءته من صورته العامة: فدور الصين باعتبارها المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي لن يتغير، بمعنى أنه رغم تراجع نمو اقتصاد الصين في العام الماضي إلى 6.9%، إلا أن مساهمته في الاقتصاد العالمي مازالت تتجاوز 25%. ومن المعروف أن الحجم الإجمالي للاقتصاد الصيني يتجاوز 10 تريليونات دولار، ووراء كل زيادة بواقع نقطة مئوية واحدة هناك أنشطة إنتاج وتجارة واستثمار تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات. وفي العام الماضي، سجل حجم وارداتها من النفط وخام الحديد وفول الصويا مستويات مرتفعة جديدة، وحققت السياحة الخارجية للصينيين استهلاكا قيمته 1.2 تريليون يوان، وتجاوزت الاستثمارات الخارجية للصين لأول مرة تريليون دولار لتقدم دعما للعمالة والنمو الاقتصادي المحليين. وبالتالي، لا تتسبب الصين في تراجع الاقتصاد العالمي، بل تعد مرساة ومصدر طاقة بالنسبة له.
قراءته من توجهه العام: فخطوات الإصلاح والانفتاح التي تعكف الصين على تنفيذها حاليا لن تتوقف. فبدأ من تحقيق اللامركزية وإنشاء مناطق تجارة حرة وتحرير آلية سعر صرف اليوان وحتى تعزيز إصلاح "جانب العرض" وغيرها من التدابير، تسعى الصين دائما إلى اتخاذ إجراءات ملموسة للقضاء على مشكلة عالمية تتمثل في "الإصلاح الهيكلي". ففي العام الماضي، تجاوزت حصة الاستهلاك في نمو ناتجها المحلي الإجمالي 60%، وتجاوزت مساهمة قطاع الخدمات في ناتجها المحلي الإجمالي 50%، وتزايدت فيها فرص العمل رغم الضغوط الاقتصادية. وبدأت تظهر تدريجيا نتائج الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الصيني الذي أصبح يمضى على مسار مستدام يتمتع بتوازن أكبر وكفاءة أعلى وصحة أقوى.
قراءته من منظور بعيد المدى: فالإمكانات الضخمة والفرص الكامنة لنمو الاقتصاد الصيني مازالت في طور الاستكشاف المستمر. ورغم أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن معدل دخل الفرد لا يزال يقف عند مستوى متوسط بالنسبة للعالم، والسوق المحلية لا تزال بعيدة عن الخروج باستفادة كاملة منها، وهناك طريق طويل لابد من قطعه لتحقيق الاندماج بين الريف والحضر. ومع بدء اقتصاد الإنترنت وما تبشر به الصناعة الخضراء من آفاق وكذا مواصلة دفع تطبيق مبادرة "الحزام والطريق" قدما، فإن نمو الاقتصاد الصيني يجلب معه فرصا متزايدة للعالم أجمع.
وفي الواقع، تسعى الصين حاليا جاهدة إلى تحقيق تحول اقتصادي تنتقل فيه من نمو تدفعه الاستثمارات والصادرات إلى نمو يقوده الاستهلاك والطلب المحلي. لهذا، من الطبيعي أن يتباطأ الاقتصاد ويسجل نموا مستداما من متوسط إلى مرتفع بعدما كان يسجل نموا مرتفعا للغاية - وسط ضعف خارجي.
وبطبيعة الحال، فإن الصين تمر بفترة تحول اقتصادي لا يمكن أن تخلو من مخاطر وتحديات ولن تشهد البيئة العامة تغيرا سريعا في مواجهة العالم للعديد من العوائق. ولكن مع ذلك، لابد من النظر إلى الاقتصاد الصيني من الزاوية العامة دون فقدان الثقة فيه لمجرد حدوث تقلبات مؤقتة. فالصين في وقتنا الحاضر تحظى بسوق واسعة وحيوية وتمتلك إرادة قوية في الإصلاح والانفتاح ولديها آمال أكبر في تجاوز الاقتصاد الصيني لصعوباته، وبهذا يستحق اقتصادها أن ينال صوت ثقة من العالم.