واشنطن 23 إبريل 2016 (شينخوا) أصبح الابتكار وريادة الأعمال هما القوى الدافعة وراء تحول الصين إلى اقتصاد قائم بشكل أكبر على الاستهلاك المحلي، والذي لن يضع مسار نموها على مسار أكثر استدامة فحسب، بل أيضا سيعود بالنفع على الاقتصاد العالمي والعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، حسبما قال خبير أمريكي.
-- من استثمارات تقودها الحكومة إلى ابتكار وريادة أعمال يقدمها القطاع الخاص
قال جيفري غاريت، أستاذ في الإدارة وعميد كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، "أعتقد أن الصين تقوم بعمل جيد للغاية" في تشجيع الابتكار وريادة الأعمال مع قيام البلاد بإجراء "عملية تحول صعبة للغاية" من استثمارات تقودها الحكومة مع التركيز على البنية التحتية والصادرات إلى "خلق قطاع خاص حقيقي واقتصاد محلي موجه مبني على الاستهلاك".
وأضاف غاريت، الذي زار كل من بكين وشانغهاي وهانغتشو وغيرها من المدن الصينية خلال العام الماضي، "إذا قرأت وسائل الإعلام الغربية فقط، فإنها تركز على سوق الأسهم والعملة (الصينية)، ولكن أعتقد أن ما تغفله هو أن هذا التحول يحدث في الاقتصاد المحلي، ومن الضروري حقا أن تكون في الصين لفهم ذلك".
وتابع في مقابلة أجرتها معه مؤخرا وكالة أنباء ((شينخوا)) "وقد أدهشني مدى أهمية الابتكار وريادة الأعمال في الصين حاليا"، وذلك مع قيام الخطة الخمسية الـ 13 في الصين، الخاصة بالفترة ما بين 2016 و2020، بشكل واضح بإدراج الإصلاحات الهيكلية لجانب العرض على رأس أولوياتها، في مؤشر إلى أن واضعي السياسة الصينية يدركون أن المرحلة القادمة من النمو الاقتصادي للبلاد يجب أن تكون مدفوعة من قبل الابتكار وريادة الأعمال التي يقدمها القطاع الخاص.
وحث رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ الوكالات الحكومية على تعزيز الدعم من أجل القيام بمشاريع شاملة تعتمد على الابتكار وريادة الأعمال لإضافة قوة دفع جديدة للنمو في البلاد. كما تم دمج مفهوم الابتكار الصيني في التصنيع التقليدي وصناعة الانترنت المزدهرة، مع إنشاء خطة "صنع في الصين 2025" وإستراتيجية "إنترنت بلس".
ولفت غاريت إلى أنه في حين أن الناس الغربيين يميلون إلى استبعاد شركات الانترنت الصينية، فإن عمالقة التكنولوجيا الصينية، مثل "بايدو" و"علي بابا" و"تينسينت" هي شركات "مبتكرة بشكل لا يصدق"، ضاربا المثل بالخدمات المصرفية عبر الانترنت التي أطلقتها شركة التجارة الالكترونية "علي بابا" لعملائها الذين تلقوا معاملة غير كافية من قبل البنوك التقليدية.
ومن وجهة نظره، فإن شركة صناعة الهواتف الذكية "شياومي" وغيرها من الشركات الصينية تتبع "إستراتيجية تنموية ذكية جدا" للحاق بأحدث التكنولوجيا العالمية من خلال الابتكار السريع واعتماد تكنولوجيات جديدة.
وقال إنه من الاستثنائي للغاية أن تقوم شياومي بإطلاق نسخ محسنة من أنظمة التشغيل "كل أسبوع" بناء على ملاحظات العملاء عبر الانترنت.
وقال مركز ماكينزي العالمي للاستشارات، في تقرير صدر مؤخرا، إن "الصناعة الصينية أكثر ابتكارا مما هو مسلم به عموما"، مشيرا إلى أن الشركات الصينية أسست مواقف قوية ضمن اتجاهين من خلال منتجات وخدمات جديدة طورتها بشكل مبتكر لتلبي احتياجات المستهلكين من ناحية، ولتجعل عملية التصنيع أكثر كفاءة من ناحية أخرى.
وفي حين أن التحول الاقتصادي في الصين لن يكون سهلا ويواجه تحديات، يعتقد غاريت أنه من مصلحة الجميع حدوث "هبوط ناعم" لثاني أكبر اقتصاد في العالم، باعتبار أن الصين أصبحت محركا هاما للنمو الاقتصادي العالمي.
وقال نايثان شيتس، وكيل الشؤون الدولية في وزارة الخزانة الأمريكية، "نريد أن نرى الصين تقوم بهذا التحول، لأننا ندرك أن نجاح الصين سوف يفيد منطقتنا في نهاية المطاف"، مضيفا أن هذا التحول سوف يسمح للصين بترسيخ مكانتها كمحرك للطلب العالمي، ويوفر أفضل صيغة للصين لتحقيق انتقال منظم ووضع اقتصادها على أسس أكثر استدامة للنمو السليم في المستقبل.
-- من نموذج قديم يعتمد على التشارك اقتصاديا إلى وضع طبيعي جديد أكثر توازنا
وقال غاريت إن الولايات المتحدة والصين كانتا "تعتمدان على التشارك اقتصاديا" لفترة طويلة جدا، ولكن النموذج القديم للعلاقات الاقتصادية الثنائية الذي كانت فيه الصين تقوم بإقراض أموال للولايات المتحدة، ومن ثم تقوم الولايات المتحدة بشراء البضائع الصينية كان "غير متناظر" و"غير متوازن".
وقال إن "الكثير من المناقشات السياسية اليوم لا تزال تفترض أنه واقع، ولكن أنا مندهش فقط من هذا الوضع الطبيعي الجديد الأكثر توازنا للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين"، مشيرا إلى أن السوق والاستثمارات الصينية أصبحت ذات أهمية متزايدة للاقتصاد الأمريكي للتوسع فيها.
من جهة، فإن السوق الصينية أصبحت مهمة للغاية لشركات أمريكية مثل آبل وجنرال موتورز مع احتواءها على أكثر من 500 مليون مستهلك من الطبقة الوسطى.
وغدت الصين أسرع الأسواق نموا وأكبرها لهواتف آبل المحمولة، وفي الوقت نفسه، فإن جنرال موتورز تبيع حاليا شاحنات وسيارات في الصين أكثر مما تبيعه في الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، فإن الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة سوف تواصل النمو متبوعة بالارتفاع الكبير للعملة الصينية الرنمينبي (اليوان) مقابل الدولار الأمريكي، حيث ارتفعت حوالي 30 في المئة من حيث القيمة الإسمية مقابل الدولار الأمريكي منذ إصلاح نظام سعر الصرف في عام 2005.
وقد يصل حجم الاستثمارات الصينية من ناحية الاستحواذات والعمليات الجديدة والتوسعات في الولايات المتحدة إلى 30 مليار دولار أمريكي هذا العام، بعدما كانت سجلت رقما قياسيا تجاوز 15 مليون دولار العام الماضي، وفقا لتقرير صدر مؤخرا قامت بإعداده كل من اللجنة الوطنية حول العلاقات الأمريكية الصينية ومجموعة الروديوم، التي تقوم بتتبع الاستثمارات الصينية المباشرة في الولايات المتحدة.
وأشار غاريت إلى تجربة اليابان في الاستثمار بالولايات المتحدة في الثمانينات من القرن الماضي، لافتا إلى أنه يتعين على الشركات الصينية أن تتعلم أيضا كيف تتحلى بالصبر، وقال "إذا عدنا 25 عاما إلى الوراء، فإن الاستقبال الأمريكي الأولي للاستثمارات اليابانية بالولايات المتحدة لم يكن أيضا إيجابيا للغاية".
وعلى الرغم من التسييس المتزايد خلال عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن غاريت يعتقد أن الإدارة الأمريكية المقبلة ستظهر "مزيدا من الانفتاح" تجاه الصين أكثر مما "نراه خلال سير الحملات الانتخابية الرئاسية".
وأضاف "لقد كان هناك استمرارية لا تصدق في نهج الولايات المتحدة تجاه الصين" منذ تولي الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في سبعينات القرن الماضي، والتزم الجانبان بمزيد من الانخراط لأكثر من 40 عاما ماضيا، مشيرا إلى أن كل من الجانبين يتفهم تعقد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
وقال إن كل من الولايات المتحدة والصين تقومان بوضع رؤى بديلة للاقتصاد في منطقة آسيا- الباسيفيك في الوقت الراهن، قائلا "إننا نفتقد بنية مؤسسية لمنطقة آسيا -الباسيفيك لأن مثل هذه البنية يجب أن تتم بمشاركة كل من الولايات المتحدة والصين".
ولفت إلى أن الصين حاليا ليست عضوا في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تقودها الولايات المتحدة، كما لم يتم تضمين الولايات المتحدة في الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة المدعومة من الصين، وهي اتفاقية كبرى أخرى للتجارة الحرة في آسيا.
وبما أن الصين تعد أكبر شريك تجاري لمعظم أعضاء اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، فإن غاريت يعتقد "أنه سيكون من الخطأ" ألا يتم تشميل الصين بأقرب وقت في الاتفاقية، والتي تم التوقيع رسميا عليها من قبل وزراء 12 دولة مطلة على المحيط الهادئ في فبراير الماضي.
وأشار إلى أن منطقة التجارة الحرة المقترحة لآسيا والمحيط الهادئ قد تكون بمثابة وسيلة مؤسساتية أفضل بكثير من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ أو الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، بحيث تشمل كل من الولايات المتحدة والصين.
وقد اتفق أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا -الباسيفيك "آبيك" على إجراء دراسة إستراتيجية جماعية حول منطقة التجارة الحرة المقترحة، وسيتم عرض الدراسة، التي ستقودها كل من الصين والولايات المتحدة وبمشاركة من جميع اقتصادات "آبيك"، أمام قادة المنظمة بحلول نهاية العام الحالي إلى جانب التوصيات المقترحة.
وأوضح غاريت أنه يجب على صانعي السياسة الأمريكية والصينية التركيز على الصورة الكبيرة للعلاقات الثنائية، حيث أن توفر علاقات جيدة بين الصين والولايات المتحدة سيعود بالنفع على الصين، وأيضا على الولايات المتحدة، وكذلك للعالم.
وقال إن "العلاقات الأمريكية الصينية هي العلاقات الأكثر أهمية في العالم، وفي حال كانت تسير على ما يرام، فإنه يمكننا أن نشهد حالة من الرخاء تعم الجميع، وهذا في مصلحة الجميع".