غزة 15 يونيو 2016 (شينخوا) يصدح الشاب محمد زقوت قبل آذان فجر كل يوم من أيام شهر رمضان بصوته الشجي بتراتيل دينية وشعبية لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور في تقليد بقي بنكهة الماضي رغم تطور الزمن والتكنولوجيا.
ورغم أن زقوت لم يتجاوز ال(24 عاما) من عمره إلا أنه اعتاد منذ سبعة أعوام أن يعمل كمسحراتي طيلة أيام شهر رمضان لينبه سكان حارته والحارات المجاورة لها لقرب وقت الصيام الذي يترافق مع آذان الفجر.
ويجول زقوت في الشوارع وبين الأزقة وهو يقرع طبلته ليخرج منها إيقاعا خاصا بالمسحراتي يعلو معه صوته الرنان ليقطع سكون ليل رمضان، وهو ما يقابل بتفاعل من قبل السكان وحتى الأطفال منهم الذين ينتظرون وصوله بفارغ الصبر.
ويقول زقوت لوكالة أنباء ((شينخوا)) إنه يحب كثيرا شهر رمضان وعادته السنوية بممارسة مهنة المسحراتي خلاله لما يلقاه من تفاعل وتقدير من الأهالي خاصة عندما يردد تراتيل للتوعية بأهمية الصيام وعبادة الله.
والمسحراتى عادة تراثية عرفها قطاع غزة منذ القدم، وهو يتولى في العرف والتقاليد الدينية تنبيه الصائمين يوميا لضرورة الاستيقاظ من النوم لتناول وجبة السحور وأداء صلاة الفجر قبل طلوع شمس نهار الصيام.
ويعد المسحراتي وتجوله اليومي ليلا في الشوارع وبين الأزقة من أبرز معالم شهر رمضان الذي يعد مناسبة معظمة لدى المسلمين يصومون فيه يوميا عن الطعام والشراب من ساعات الفجر حتى غروب الشمس.
ويخرج زقوت من منزله عند الساعة الثانية قبل الفجر كل يوم ويستمر في التجول وهو يقرع طبلته قرابة ساعة ونصف قبل أن يعود إلى منزله لتناول وجبة السحور كبقية الناس وأداء صلاة الفجر.
ويشير إلى أن التطور التكنولوجي وتأثيره على حياة الناس غير الكثير من عاداتهم بما في ذلك استيقاظهم يوميا، لكن ذلك أمر لا يشمل شهر رمضان ومكانة المسحراتي عند الغالبية منهم.
ومن بين عبارات زقوت، وهو يردد تراتيل المسحراتي "إصحى يا نايم وحّد الدّايم.. رمضان كريم)، و"قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يا كرام يزوركم".
وكان والي مصر إسحق بن عقبة أول من طاف على ديار مصر لإيقاذ أهلها للسحور، وفي عهد الدولة الفاطمية كان الجنود يتولون الأمر.
وبعد ذلك تم في مصر تعيين رجل أصبح يعرف بالمسحراتي، كان يدق الأبواب بعصا يحملها قائلا "يا أهل الله قوموا تسحروا"، ولاحقا أصبح يقول عبارات مثل "اصحي يا نايم وحد الدايم، وقول نويت بكرة إن حييت الشهر صايم والفجر قايم رمضان كريم" و"السحور يا عباد الله"، و"يا نايم اذكر الله.. يا نايم وحد الله"، وهي عبارات يرددها المسحراتي حتى الآن.
ويعمل زقوت في مجال الإنشاءات، ويقول إنه يؤدي مهنة المسحراتي متطوعا لكن ذلك لا يمنع من الحصول على بعض المال كرما من الأهالي عرفانا بجهده معهم طوال أيام شهر رمضان.
وعادة ما يتحصل المسحراتي في غزة على ما يتفضلون به الأهالي عليه من مال في آخر ليلة من شهر رمضان عند تأكد ثبوت حلول عيد الفطر أو في أول أيام العيد.
ويقول زقوت إن مهنة المسحراتى قد لا توفر لهم الكثير من المال "لكنها فرصة إنعاش مؤقتة" لواقعهم في ظل معدلات الفقر والبطالة القياسية في قطاع غزة المحاصر إسرائيليا منذ منتصف عام 2007.
ويساعد زقوت في مهمته شقيقه محمد الذي يصغره بعامين، وهو طالب جامعي بدأ بامتهان عمل المسحراتي منذ أربعة أعوام وله شهرة بين الأهالي لا تقل عن شقيقه الكبير في هذا المجال بفضل صوته الجميل.
ويظهر الشقيقان زقوت سعادتهما بتفاعل الأهالي مع جهدهما وما يرددانه من تراتيل، وهو عادة ما يظهر في تلويح الكبار والصغار منهم لهما من شرفات منازلهم وفي النزول لهم لاستقبالهم.
وكثيرا ما يقدم الأهالي للشقيقين زقوت الماء والعصائر وفي بعض الأحيان حلويات القطايف تقديرا لهما.
ويعرب محمد الصعيدي (59 عاما) الذي نزل من منزله لاستقبال الشقيقين زقوت بكميات من العصير، عن امتنانه وعائلته لدورهما في إيقاظهم من أجل تناول وجبة السحور.
ويقول الصعيدي ل(شينخوا) إن أطفاله يرفضون الاستيقاظ للأكل إلا بعد وصول المسحراتي زقوت وسماع تراتيله وشقيقه، وهو ما يدخل السعادة إلى نفوسهم.
ويشدد على أن المسحراتي وطقوسه من أهم معالم شهر رمضان كونه يدخل البهجة والسرور إلى قلوب الكبار والصغار كما أنه يمثل فلكلورا إسلاميا قديما وإرثا من جيل لآخر.
من جهته، يقول محمد نسمان في منتصف الثلاثينات من عمره "لا نشعر بشهر رمضان إلا عندما يأتي المسحراتي ويقرع طبلته.. عادة لا أنام في ليل رمضان لكن لا غنى عن المسحراتي".
وإلى جانب تراتيل الدعوة للاستيقاظ والحث على العبادات والتقرب من الله في رمضان، فإن زقوت ينشد وشقيقه كثيرا من العبارات ذات العلاقة بالوضع الفلسطيني بما في ذلك الداعية لإنهاء الانقسام الداخلي.
ولهذا الغرض يردد تراتيل خاصة مثل "الوحدة الوطنية يا أصحاب القضية"، مكررا بهذا الصدد اسمي حركتي التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس).
كما أنه يحرص على تلمس أوضاع سكان غزة بالإشارة إلى ما يعانوه من أزمات حياتية نتيجة نقص الخدمات الأساسية مثل انقطاع التيار الكهربائي وتلوث المياه وغيرها من القضايا الناتجة عن الحصار الإسرائيلي.