بكين 29 يونيو 2016 (شينخوا) جاء إعلان الكرملين مؤخرا عن تلقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة اعتذار من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن حادث إسقاط المقاتلة الروسية سوخوي 24 قرب الحدود السورية عام 2015 والذي تسبب في اضطراب شديد في العلاقات الثنائية جاء بمثابة "غصن زيتون" تمده أنقرة لموسكو ولاسيما وأن أردوغان أكد أنه سيبذل قصاري جهده لإصلاح العلاقات الودية تقليديا بين البلدين.
وفي هذا الصدد، ذكر تشو وي ليه، المدير الفخري لمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الأجنبية بشانغهاى، أن ثمة أسبابا مختلفة تقف وراء اعتذار أنقرة ومدها غصن الزيتون لموسكو, وتتمثل في مواجهة تركيا لسلسلة من المعضلات على الصعيدين الداخلي والخارجي في آن واحد.
وقال إن المعضلات الداخلية قائمة رغم حصول حزب العدالة والتنمية التركي على أغلبية الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي ليضمن أن تكون له اليد العليا في الحكومة التركية، ضاربا مثالا علي هذه المعضلات بإعلان رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو استقالته بسبب خلافات بينه وبين أردوغان حول قضايا الإصلاح السياسي واللاجئين والأكراد وغيرها , وهو ما دفع أردوغان إلى بذل مزيد من الجهود لتشكيل حكومة جديدة.
وبالإضافة لذلك، أشار تشو إلى أن السياحة لم تسلم من تأثير القطيعة التي دبت في العلاقات بين تركيا وروسيا إثر حادث إسقاط المقاتلة حيث من المرجح أن يتكبد الاقتصاد التركي خسائر تصل إلى قرابة 8 مليارات دولار أمريكي إثر تراجع نسبة السائحين الوافدين من روسيا التي تعد مصدرا رئيسيا للسائحين ويفد منها إلى تركيا أكثر من 4 ملايين سائح سنويا، منوها أيضا إلى أهمية "الدب الروسي" بالنسبة لتركيا كونه مصدرا لا بديل عنه للغاز بالنسبة لأنقرة يمكنها من خلاله تلبية احتياجاتها الضخمة من الغاز الطبيعي.
وعلى الصعيد الخارجي ثمة حالة إحباط واضحة تشهدها تركيا في أعقاب التدخل العسكري الروسي بسوريا، كما تجد تركيا نفسها أيضا في حالة عزلة بالمنطقة مع دعم روسيا والولايات المتحدة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري ومع استدعاء تركيا لسفيرها لدى ألمانيا ردا على الخطوة التي اتخذها البرلمان الألماني بإعلانه أن قتل الأتراك العثمانيين للأرمن عام 1915يعد "إبادة جماعية".
أما بالنسبة للجانب الروسي, فقد ذكر المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن الرئيس بوتين سيجرى اليوم الأربعاء، بمبادرة منه، اتصالا هاتفيا بنظيره التركي أردوغان، مضيفا "بالطبع، علينا القيام بأكثر من خطوة واحدة باتجاه بعضنا البعض".
جاء هذا التصريح الروسي على خلفية تراجع اقتصاد روسيا جراء العقوبات الغربية والانخفاض الحاد في أسعار النفط والضغوط التي يمارسها عليها الاتحاد الأوروبي, علاوة على أن الإجراءات الانتقامية التي اتخذها موسكو ثأرا من العقوبات الغربية أوقعت خسائر كبيرة بالاقتصاد الروسي. ومن هنا يتضح أن الإعتذار التركي فرصة جيدة يمكن أن تغتنهما روسيا من أجل العمل على تعافي اقتصادها والحفاظ على تواجدها في الأسواق العالمية.
وعلى الصعيد الداخلي الروسي, من المقرر أن تجري انتخابات دوما الدولة في سبتمبر المقبل, ويحتاج معها حزب "روسيا الموحدة" إلى توحيد قوى الشرق الأوسط معه دون أن يكون له أعداء بالمنطقة لكي يرسي أساسا لسياساته تجاه الشرق الأوسط ويسير مع تطلعات المنطقة, كما تدرس روسيا التأثير على نفوذ حلف شمال الأطلسى (الناتو) من خلال عودة علاقاتها مع تركيا إلى طبيعتها.
وفي الواقع جاءت المصالحة بين تركيا وروسيا، وما سبقها من تطبيع الأولى لعلاقاتها مع إسرائيل مؤخرا، جاءت إنطلاقا من السياسات البراغماتية التي تنتهجها أنقرة حاليا، حيث قال تشو وي ليه إن أردوغان بات الآن يدرك أهمية تسوية "حالة الجمود" التي تعترى العلاقات الروسية- التركية في ظل الرسالة التي بثتها روسيا للعالم وتشير فيها إلى أنها لا تشهد عزلة في المجتمع الدولي.
وأكد تشو أن نقطة التحول في العلاقات بين موسكو وأنقرة تعكس تغيرات معمقة تشهدها العلاقات ليس بين القوى العالمية فحسب، وإنما بين القوى الإقليمية أيضا.