بكين 8 يوليو 2016(شينخوا) لسنوات عديدة، كانت جمهورية الصين الشعبية مؤيدا قويا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. غير أن تجربة الصين مؤخرا أثبتت أن الاتفاقية، وعلى وجه الخصوص تلك البنود الخاصة بالتسوية الإجبارية للمنازعات، قد تستغل من جانب دول أخرى لأسباب سياسية .
وبرغم معرفتها الكاملة والأكيدة بأن المنازعات بشأن السيادة الإقليمية وترسيم الحدود البحرية لا تقع فى نطاق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فإن جمهورية الفلبين، فى تصرف يعنى إعلانا لحرب قانونية، لجأت إلى إجراءات التحكيم ضد الصين أمام محكمة التحكيم وفقا للملحق السابع للاتفاقية، وذلك فيما يخص المنازعات بين البلدين فى بحر الصين الجنوبى.
وخلال المفاوضات بشان الاتفاقية والتى جرت فى سبعينيات القرن العشرين، أعربت الصين عن مخاوفها بشأن البنود الخاصة بتسوية النزاعات، والتى اعتبرتها الصين " غير ملائمة"، وطالبت بألا يتم إدراج هذه البنود ضمن المعاهدة ذاتها.
وكان اقتراح الصين هو أنه يجب أن تتخذ البنود هيئة بروتوكول منفصل حتى تستطيع الدول أن تقرر بأنفسها قبول مبدأ التسوية من خلال التحكيم الإجبارى أو عدم قبوله .
وعلى طريقة تبنى الحلول الوسط، تم الاتفاق على أن بعض الخلافات بعينها لن تدرج فى آليات تسوية المنازعات إجباريا، وأن خلافات أخرى يمكن استثناؤها من خلال إعلان صريح من جانب الدول المعنية .
ويتضمن النوع الأخير بالمنازعات الخاصة بترسيم الحدود البحرية والحقوق التاريخية والسيادة أو الحقوق الأخرى المتعلقة بالأراضى سواء الخاصة بالبر الرئيسي أو بالجزر والأنشطة العسكرية وأنشطة إنفاذ القانون. وانتهزت الصين الفرصة حسب الاصول فى 25 أغسطس 2006، حينما استثنت كافة هذه النزاعات من آليات تسوية النزاعات الإجبارية وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
بيد أنه، طبقا للمادة (4) 288 من الاتفاقية، فليس الطرف المتعاقد، وإنما محكمة التحكيم، هى من تقرر ما إذا كان نزاع ما قائما وتحدد مضمونه.
ويتضمن هذا أخطارا وشكوكا للأطراف المعنية بالنزاع، وبخاصة فى حالة المحاكم التى تشترك فى الأنشطة القضائية، كما هو مبين فى حكم محكمة التحكيم بشأن الاختصاص القضائى والقبول الصادر فى 29 أكتوبر 2015، فيما يتعلق بالتحكيم فى قضية بحر الصين الجنوبى .
وفى الوقت الذى قامت به محكمة التحكيم بقبول مبدأ أن القانون الدولى يشترط وجود " معارضة إيجابية " بين الأطراف، فإنها لم تبرهن ولم تستطع أن تبرهن على وجود هذه المعارضة، ولكنها بدلا من ذلك برهنت على وجود خلاف " من خلال الاستدلال" .
وما يعتبر فى حقيقة الأمر خلافا حول السيادة الاقليمية وترسيم الحدود البحرية، قد أعيد تعريفه من جانب المحكمة على أنه خلاف حول وضعية الملامح البحرية ومصدر الحقوق البحرية، لم تعرب الصين عن مواقف مفصلة إزاءها، كما أشارت المحكمة بحق. وإذا أصدرت محكمة التحكيم فى حكمها بشأن حقائق الموضوع، وهو الحكم المنتظر صدوره فى وقت لاحق من 2016، ما يحدد هذا النزاع بطريقة تنتهك حقوق السيادة الإقليمية للصين على جزر نانشا، فإن الصين ربما تفكر فى إنهاء التعامل مع اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
وطبقا للمادة 317 من الاتفاقية، فإن الطرف فى الاتفاقية يمكنها ترك الاتفاقية من خلال إخطار مكتوب وموجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ويمكنها توضيح أسباب ذلك. وسوف يسرى أثر هذا بعد عام من تاريخ استلام الإخطار من قبل الأمين العام .
وحيث أن إنهاء التعامل من جانب الصين لن يعفيها من التزاماتها المستحقة عليها وقت أن كانت طرفا فى الاتفاقية، فإنها ستكون بمأمن من دعاوى مماثلة فى المستقبل من جانب فيتنام أو أندونيسيا أو ماليزيا، بخصوص بحر الصين الجنوبى، أو من جانب اليابان بخصوص بحر الصين الشرقى.
والسؤال الآن، هل هناك أى خسائر كبيرة تتحملها الصين إذا ما تركت الاتفاقية. الإجابة المختصرة على السؤال هى : لا ، لا توجد خسائر كبيرة . فسوف تستمر الصين فى التمتع بأغلب المزايا الخاصة بالاتفاقية، لأن أغلب بنود الاتفاقية تعد اليوم جزءا من القانون الدولى العرفى. وسوف تكون الاستثناءات متعلقة بالبنود الخاصة بالمنطقة، أى التعدين فى قاع البحار ( الجزء الحادى عشر من الاتفاقية) وتنمية ونقل التكنولوجيا البحرية (الجزء الرابع عشر) والبنود الخاصة بتسوية المنازعات بشكل إجبارى ( الجزء الخامس عشر) .
وعلى سبيل المثال، لم تكن الولايات المتحدة دولة طرفا فى الاتفاقية خلال الـ33 عاما الأخيرة، ولم تواجهها أى مشكلات كبيرة بسبب ذلك. على العكس من ذلك، فإن الولايات المتحدة تتمتع بمعظم المزايا الخاصة بالاتفاقية مثل حرية الملاحة والتحليق وحقوق المنطقة الاقتصادية الحصرية والجرف القارى، دون تحمل أى أعباء.
لن يكون لدى الصين محكم فى المحكمة الدولية لقانون البحار، ولن تمثل فى مفوضية حدود الجرف القارى .وربما لن تصبح عضوا فى السلطة الدولية لقاع البحار.
ومن المحتمل أن تدعى الصين حقها فى جرف قارى خارجى وكذا فى الموارد الخاصة به، وذلك وفق القانون العرفى الدولى ، غير أن شركات الطاقة الصينية ستحرم من استكشاف واستغلال المنطقة، إلا فى حالة تسجيل تلك الشركات ورعايتها من جانب دولة أخرى تتمتع بكونها طرفا فى الاتفاقية .
ما إذا كانت الصين تريد في نهاية المطاف أن تظل طرفا فى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، نتيجة لتحليل للتكاليف والفوائد قانونيا وسياسيا. فالاتفاقية ذاتها تفتح الطريق أمام الصين تركها، والصين سوف يكون لديها من الأسباب الوجيهة فى أن تفعل ذلك، فى حالة إذا ما تم انتهاك سيادتها الاقليمية من جانب محكمة تحكيم انشأت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.