هانغتشو 5 سبتمبر 2016 (شينخوا) في الوقت الذي يجتمع ويتشاور فيه قادة دول أعضاء مجموعة العشرين والدول الضيوف، إضافة إلى رؤساء المنظمات الدولية في مدينة هانغتشو، تدوم في مدينة ييوو، التي تبعد عن هانغتشو بمائة وأربعين كيلومترا، اجتماعات وتشاورات مستمرة بين رجال الأعمال الصينيين والأجانب، وذلك بشكل يومي.
ويمكن الوصول إلى مدينة ييوو التي تعتبر ((السوق العالمية)) من هانغتشو خلال 35 دقيقة على متن القطار السريع.
أصبحت ييوو من بين صفوف أغنى المدن الصينية حيث تتدفق سيول الناس إليها مع السيول المالي، ويقرر عدد منهم أن يقيموا ويتزوجوا فيها ويبيعوا البضائع إلى كل أرجاء العالم.
- الحنين الجديد
أنس السعيد، التاجر السوري والبالغ عمره 29 سنة، عاش في ييوو لثمان سنوات، وتعلم بنفسه اللغة الصينية الممزوجة باللهجة الجنوبية، ونجح في شق طريقه خلال هذه السنوات وأصبح مديرا لشركة تصدير واستيراد بعد العمل في شركة صاحبه في أول السنوات في الصين.
وقال "أشعر كأنني نصف صيني ونصف سوري، ما يعني أنني أظل أشتاق إلى ييوو إذا غبت عنها لمدة ما".
وما يجذب شوقه قد يكون خطيبته الصينية أو أختيه الكبيرتين اللتين تعملان في التجارة أيضا.
وتعود أنس على الشاي الصيني الأسود، إذ يشربه كما الباقون بدون سكر، بيد أنه ما زال يفطر في الساعة الثانية عشرة كمعظم العرب.
كما هو صديقه محمد عمار المصري الجنسية والذي قد قضى 12سنة في الصين ودرس التجارة الدولية في جامعة ووهان بمقاطعة هوبي وسط الصين، وما دفعه إلى الصين كان نموذج والده إذ كان يعمل والده بالتجارة في ييوو لعدة سنوات قبل أن يطلب من محمد أن يأتي إلى الصين للبحث عن فرصته ومستقبله.
وتدل الحياة على صحة قرار والد محمد، وتوسعت تجارته فأصبح يملك شركات في كل من مدينتي ييوو وقوانغتشو، واللتان تعدان بين أنشط المدن التجارية في الصين.
مثلما يرتبط محمد بعمله في ييوو، يرتبط قلبه بهذه المدينة باعتبارها بلده الثاني إلى جانب مصر ويقيم فيها مع زوجته وولديه، قال محمد "أنا لا يوجد لدي وقت لأعود إلى مصر لزيارة عائلتي في القاهرة، وسأشتاق إلى ييوو وأصدقائي هنا بعد أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، لقد تعودت على الحياة هنا تماما."
- الابتكار في تسهيل حياة الأجانب
سجلت مدينة ييوو 15 ألف مقيم أجنبي قادم من أكثر من مائة دولة، ويتجاوز عدد الدخول المؤقت 400 ألف سنويا، وهو ما حول ييوو إلى مدينة رائدة في الآليات المبتكرة المتعلقة بشؤون الأجانب.
ويملك مهند شلبي وزوجته الصينية مطعما عربيا في ييوو وما يعد من أقدم المطاعم العربية في المدينة، كما يدير شركة تصدير واستيراد.
وفي ييوو أصبح الأردني مهند أشهر عربي مقيم عقب منتدى التعاون الصيني العربي في عام 2014، حيث ذكر اسمه الرئيس الصيني شي جين بينغ في مراسم افتتاح المنتدى واعتبره نموذجا حيويا لصداقة الصين مع الدول العربية.
وقال "إن عددا من المسؤولين الحكوميين أتوا إليّ وسمعوا رأيي حول تنمية المدينة وإدارتها لبناء بيئة أفضل لحياة الأجانب ولأعمالهم، وذلك يجعلني أشعر بأنني من أهل ييوو حقيقيا."
ويحمل مهند على كتفيه عدة مسؤوليات شرفية منها أعماله التطوعية بالإضافة إلى أنه وسيط لفض النزاعات بين الأجانب.
وتم تشكيل مكتب وساطة النزاعات بين الأجانب في السوق التجارية الدولية للمدينة تحت إشراف مكتب العدل المحلي، ونجحت هذه الفرقة المتكونة من 16 وسيطا قادما من 15 دولة في تسوية نحو 300حالة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وأطلقت المدينة تجربة تعليمية إذ فتحت أكثر من عشرة مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية محلية أمام أبناء الأجانب المقيمين لكي يسجلوا في نظام التربية والتعليم الصيني ويدرسوا مع الطلبة الصينيين في نفس الفصول ويشتركوا في نفس الامتحانات .
وفي هذا السياق، قالت ليو فانغ زوجة مهند إن قضية التعليم تهم كل أسرة أجنبية تقيم هنا، وهذه السياسة الجديدة تطمئن الأجانب المقيمين وتتيح فرصا لاندماج أبنائهم بشكل كامل في المجتمع المحلي.
ويذهب أبناء مهند وهم أنس ومالك إلى مدرسة محلية صينية ويتكلمان باللغة الصينية كلغتهم الأم، ويسمي مهند ابنه الكبير بطيران في اسمه الصيني لتمنيته بأن يطير في المستقبل.
- قمة مجموعة العشرين والفرص الجديدة
تواجه ييوو تحديات كبيرة من ضمنها ضعف سوق التجارة العالمية وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، بيد أن التحديات جاءت أيضا من هانغتشو التي تبعد عنها 140 كيلومترا وتعد مهدا وحاضنة للتجارة الالكترونية الصينية وهي أيضا المدينة المستضيفة لقمة مجموعة العشرين الجارية.
ويرى مهند في عينيه أن وسيلة التجارة في ييوو تبدو تقليدية إذ تشتري ما ترى، ولكنها تناسب العادات التجارية في معظم الدول في الشرق الأوسط وأفريقيا، فيخطط لمحاولة بناء سلسلة تجارية جديدة خاصة على أساس الموارد التجارية التي جمعها خلال سنوات بقائه في الصين، ويستهدف تجارة التجزئة لمنتجات صينية بجودة أعلى للتجار الأجانب المتجهين إلى ييوو.
وبعد اتفاق الدول على تعزيز التجارة الحرة والاستثمارات العالمية في قمة مجموعة العشرين بهانغتشو، وهو ما يعطي توقعا ً بأن قوة دافعة جديدة ستضاف للاقتصاد العالمي وتحقيق التنمية الشاملة في العالم تزامنا مع تنفيذ نتائج القمة خطوة بعد خطوة.
وقال مهند "إنني لا أفهم محتويات القمة بجدية لأنها مهمة لأعلى المستوى، وأتوقع أن تدفع الحلول الجديدة المتصلة بالتجارة العالمية عجلة النمو في كل العالم بما يجلب مصالح حقيقية للتجار العالميين."
وتم فتح خط السكك الحديدية الذي يربط ييوو بمدينة مدريد الإسبانية ويسير عن طريق دول الشرق الأوسط، مما سيفتح بوابة جديدة أمام التجار في الصين.