(الصورة الأرشيفية)
بكين 21 سبتمبر 2016 (شينخوا) يرى خبراء بأن الصين تحافظ على خطوات مستقرة في طريقها لتصبح كيانا اقتصاديا يدفعه قطاع الخدمات والاستهلاك المحلي، بدلا من النمط الاقتصادي السابق الذي كان معتمداً على التصنيع والصادرات. وهذا الأمر لا يزّف أخباراً سعيدة للصين فحسب، وإنما يشجع آفاق الاقتصاد العالمي أيضا.
وقال أندرو شن، وهو باحث في معهد الدراسات العالمية في آسيا التابع لجامعة هونغ كونغ، و شياو قنغ، رئيس المنتدى المالي الدولي، في مقالة لهما تحت عنوان (تشكيل مجتمع استهلاكي في الصين) صدرت مؤخراً، إن حجم المبيعات الاجتماعية بالتجزئة وصل إلى 30 تريليون يوان ( حوالي 4.5 تريليون دولار أمريكي ) في عام 2015، وذلك حسب المعلومات التي صدرت في (الكتاب الأزرق لتجارة الصين عامي 2016 - 2017).
وشهدت الصين ارتفاعا في حجم الإنفاق الاستهلاكي النهائي، لتبلغ نسبة مساهمتها 66.4 بالمائة من نمو إجمالي الناتج المحلي، كما توقع الكتاب الأزرق أن يحقق حجم المبيعات الاجتماعية بالتجزئة 50 تريليون يوان بحلول عام 2020.
وأصبحت تكنولوجيا الانترنت قوة جوهرية لتحفيز التحول الاقتصادي الصيني، إذ ساهم الاستثمار الضخم في منشآت البنية الأساسية العامة، بما في ذلك الموانئ والمطارات والطرق العامة والسكك الحديدية إلى جانب الاتصالات ، ساهم في تقليل التكاليف والتسريع في عمليات نقل البضائع للمستهلك الصيني بشكل كبير، في الوقت الذي وفرت فيه الانترنت له اختيارات أكثر تنوعا ونطاقا أوسع.
ولذلك شهد حجم المبيعات على الانترنت نموا سريعا ولافتا في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت نسبته من 6.3 بالمائة من إجمالي قيمة المبيعات بالتجزئة في عام 2012 إلى 12.7 بالمائة في عام 2015. ومن المتوقع أن تتم 40 بالمائة من عمليات البيع بالتجزئة عبر الانترنت بحلول عام 2020. أما بالنسبة إلى الصفقات التي تتم عبر الهواتف المحمولة، فقد ارتفعت بدورها من 1.5 بالمائة في عام 2011 إلى 55.5 بالمائة في عام 2015، ومن الأرجح أن تصل إلى 73.8 بالمائة بحلول عام 2018.
لقد تجاوزت الصين الولايات المتحدة في إنشاء أكبر سوق بيع على الانترنت ، إذ حققت هذه السوق نموا بـ33 في المائة، هو الأسرع من نوعه في العالم. ومع ارتفاع عدد مستخدمي الانترنت في الصين من 253 مليون مستخدم في عام 2008، إلى 688 مليون مستخدم في العام الفائت نظرا لزيادة تعميم الانترنت ، إلا أن الفضاء لا يزال رحبا لارتفاع عدد المستخدمين.
وأشارت المقالة إلى أن التطورات المذكورة تعكس دور الإبداع في تحقيق الاستهلاك في مناطق واسعة، بدون الاعتماد بشكل كبير على منشآت البنية الأساسية أو الحفاظ على قطاعات الاقتصاد الحقيقي الهشة نسبيا. وفي الواقع، حقق حجم المبيعات على الأجهزة المحمولة ارتفاعا بسبب مساهمة المستهلكين ذوي الدخل الأقل، وخاصة في المناطق الريفية الشاسعة، حيث تمت 80 بالمائة من أنشطة الانترنت بواسطة الأجهزة المحمولة.
تعد المنصات متنوعة الأطراف من أهم الإبداعات ، مثل شركة علي بابا، التي تقدم قنوات جديدة للإنتاج والنقل والبيع والدفع، بشكل يخالف النمط التجاري التقليدي الذي لطالما كان رائجا ومتبعا، ولا أدلّ على ذلك من النجاح الكبير الذي حققته ولا تزال تحققه الشركة التي أعلنت عن نمو إيراداتها السنوية في سوق البيع بالتجزئة في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 49 في المائة على أساس سنوي، بينما كشفت نظيرتها شركة تنسنت في بيان لها أن الزيادة في نفس المجال بلغت 52 في المائة.
وبدأت المؤسسات المملوكة للدولة التفكير في تعديل نمطها التجاري القائم لأن تأثيرات هذه المنصات أمر لا يمكن الاستهانة به، فهو أمر لا يؤثر على المؤسسات الحكومية فحسب، بل ينسحب على مكانة الرئاسة للمؤسسات المتعددة الجنسيات في مجال التجارة العالمية. إذ بلغت قيمة التجارة الالكترونية العابرة للحدود 5.2 تريليون يوان في عام 2015، مشكلة 17.6في المائة من إجمالي قيمة التجارة الصينية، وقد يصل هذا الرقم إلى 8 تريليونات يوان في العام المقبل، مشكلا 23في المائة من الإجمالي.
وأضافت المقالة أن هذه الزيادة تعتبر خبرا مشجعا بالنسبة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لأن البيع بالتجزئة على الانترنت ربما يشكل القشة التي يتعلق بها الاقتصاد الصيني في الوقت الذي تشهد فيه قطاعات تقليدية كثيرة تباطؤا في أدائها.
إن تحول الصين إلى مجتمع استهلاكيا، لا بد وأن ينتج تأثيرا عميقا للمصنعين وباعة السلع والخدمات المحليين والأجانب ، كما سيؤثر في بعض الشركاء التجاريين للصين، وخاصة الاقتصادات الناشئة التي تعتمد على تصدير سلعها إلى الصين.
من ناحية أخرى، سوف يجد المستوردون الأجانب أن السلع الصينية تفضل أن تسد طلب المستهلكين المحليين وليس المستهلكين الأجانب.
على الرغم من هذه التحديات، فمن الضرورة بمكان أن يتم التأكيد على أن "صينا مزدهرة" قائمة على أساس المستهلكين المحليين ستشكل كيانا اقتصاديا عالميا مزدهرا، وهو الأمر الذي يبرز بشكل واضح من خلال الدور المتزايد الذي تلعبه التجارة الالكترونية .