بكين أول أكتوبر 2016 (شينخوا) إن إدراج العملة الصينية الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي في أول أكتوبر يعد إيذانا ببدء رحلة تدويل الرنمينبي وتكملة للنظام الدولي المعيب بطبيعته.
-- معضلة تريفين
فعلى مدى عقود، ظل الاقتصاد العالمي مسكونا بما يسمي معضلة تريفين، والتي تعنى - في ظل سياق النظام النقدي الدولي القائم والمتسم بكون الدولار الأمريكي عملة الاحتياط العالمية المهيمنة - أن الولايات المتحدة عليها الإبقاء على العجز حتى يتمكن النظام من الحفاظ على السيولة.
بيد أن، العجز طويل الأمد يمكن أن يتسبب في حدوث انخفاض في قيمة الدولار الأمريكي، وهو ما يتعارض مع الشرط الأساسي المتمثل في كونه عملة احتياط دولية ثابتة وراسخة.
وقال لي داو كوي مدير مركز الصين في الاقتصاد العالمي بجامعة تسينغهوا إن معضلة تريفين تستخدم قوتها بشكل مختلف في أوقات مختلفة.
في تسعينات القرن الماضي، على سبيل المثال، اعتمد مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأمريكي) سياسة التشديد النقدي بهدف القضاء على الفقاعات في صناعة الإنترنت المزدهرة بالبلاد. ونتيجة لذلك، عانت منطقة جنوب شرق آسيا من نقص المعروض من الدولار الأمريكي، وهو ما أدى بدوره إلى الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في عام 1997.
وبدأ سيناريو مماثل في الظهور في ظل الظروف الحالية. فالولايات المتحدة، التي تتعافي بشكل جيد نسبيا من الأزمة المالية العالمية الماضية والتي بدأت عام 2008، تدرس التحول من سياسة التيسير النقدي التي كان هدفها يوما ما تحفيز الاقتصاد إلى سياسة تشديد نقدي.
غير أنه من المنظور الاقتصادي العالمي، لا ينبغي على الإطلاق "تشديد" الإجراءات المتعلقة بالدولار الأمريكي" باعتبارها عملة الاحتياط العالمية، لأن الاقتصاد العالمي مازال يكافح للتعافي وبحاجة إلى مزيد من دعم السيولة.
وأوضح لي أن "الحكومة الأمريكية تعمل دوما على تعديل سياستها النقدية على أساس احتياجاتها الخاصة، وتعتبر الدور الدولي للدولار دورا أقل"، مضيفا أنه "نتيجة لذلك، فإن اضطرابات الاقتصاد العالمي والسوق المالية العالمية قد تتفاقم".
وأكد لي قائلا "هذا هو بالضبط جوهر معضلة تريفين والمتمثل في أن تنمية الاقتصاد العالمي تتجاوز قدرة عملة وطنية واحدة".
-- مقترح الصين
في أعقاب الأزمة المالية، وصف محافظ بنك الشعب الصيني تشو شياو تشوان بكل وضوح معضلة تريفين بأنها السبب الجذري للاضطرابات الاقتصادية ودعا إلى إصلاح النظام النقدي الدولي في مارس 2009.
وقال تشو إن "اندلاع الأزمة (المالية عام 2008) وتداعياتها على العالم بأسره تعكس نقاط الضعف الكامنة والمخاطر النظامية في النظام النقدي الدولي القائم".
وإن "اندلاع الأزمة وتداعياتها في العالم جعلتنا نقف أمام سؤال قائم منذ أمد دون أن تكون له إجابة، ألا وهو ما نوع عملة الاحتياط العالمية التي نحتاجها لضمان الاستقرار المالي العالمي وتسهيل النمو الاقتصادي العالمي؟" هكذا تساءل تشو في خطاب ألقاه بعنوان "إصلاح النظام النقدي الدولي".
وكحل ممكن، اقترح تشو الابتعاد تدريجيا عن الدولار الأمريكي كعملة احتياط واحدة والاتجاه إلى استخدام سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي كعملة احتياط عالمية مجمعة.
ولفت تشو إلى أن "صندوق النقد الدولي قام بإنشاء حقوق السحب الخاصة في عام 1969 عندما ظهرت عيوب نظام بريتون وودز في البداية، للتخفيف من المخاطر الكامنة التي سببتها عملات الاحتياط السيادية. ومع ذلك، لم يتم إفساح المجال كاملا لدور هذه السلة بسبب القيود المفروضة على مخصصاتها ونطاق استخداماتها".
وأعرب عن اعتقاده بأنه ينبغي بذل الجهود لدفع تخصيص حقوق السحب الخاصة وتوسيع نطاقها وذلك لتمكين حقوق السحب الخاصة من تلبية طلب الدول الأعضاء بشكل كامل من عملة احتياطية.
وأكد تشو أيضا على الحاجة إلى إنشاء نظام تسوية بين حقوق السحب الخاصة والعملات الأخرى.
وقد اجتذب مقترح تشو الانتباه على المستوى العالمي، حيث وصف جون ليبسكي، النائب الأول السابق للمدير العام لصندوق النقد الدولي، الفكرة بأنها "مقترح جدي".
ووافق قادة مجموعة العشرين في عام 2009 على السماح لصندوق النقد الدولي بتخصيص حقوق السحب الخاصة بما يعادل 250 مليار دولار أمريكي لتوفير السيولة للنظام الاقتصادي العالمي عن طريق تكملة احتياطيات النقد الأجنبي الخاصة بالدول الأعضاء البالغ عددهم 186 دولة.
واتفق صندوق النقد الدولي مع مقترح تشو في دراسة نشرت في شهر إبريل عام 2010، وأوصى باعتماد العالم عملة احتياطية عالمية جديدة، تدعى أيضا "البانكور"، وإنشاء بنك مركزي عالمي لإدارة هذه العملة الدولية.
-- مغامرة الرنمينبي في العالم
وأضاف صندوق النقد الدولي بشكل رسمي العملة الصينية، الرنمينبي، إلى سلة عملات حقوق السحب الخاصة، اعتبارا من الأول من أكتوبر، بوزن 10.92 في المائة، بعد كل من وزني الدولار الأمريكي 41.73 في المائة واليورو 30.93 في المائة، لتبدأ بذلك رحلة العملة المثيرة في العالم.
من جهة، سوف يعزز إدراج الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي المصداقية الدولية للعملة، ما يعود بالفائدة على الدول والمؤسسات والأفراد.
ومن جهة أخرى، فإن إدراج الرنمينبي -- وهي العملة الوحيدة لسوق ناشئة -- في "احتياطي العالم" سوف يساعد نظام العملة الدولي المعيب والمحتكر من قبل الدولار الأمريكي في المضي قدما نحو اتجاه متعدد الأقطاب، مما يجعله أكثر استقرارا وتمثيلا وتحديثا.
وقال لي إن "إدراج الرنمينبي في سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي هو نقطة انطلاق لرحلة عظيمة"، مضيفا "أن الإدراج يحمل أهمية كبيرة ويمثل اعترافا مهما بالدور العالمي للرنمينبي".
وبالنسبة لعملة، فإن كونها "احتياطية" يعني أنها تسير بالفعل إلى داخل قصر العملات العالمية، لأن الناس يميلون دائما إلى حفظ "المال الجيد" لما يتميز به من مستوى أفضل من ناحية الأمن والربحية والسيولة.
وفي مايو الماضي، تهافت مستثمرون من آسيا وأوروبا وأفريقيا بشكل سريع لشراء سندات سيادية صينية بقيمة 3 مليارات يوان، كما اجتذبت رؤوس أموال بقيمة 8.5 مليار يوان للاكتتاب. وبعد الإصدار الناجح، قال ماثيو تايلور، مدير التمويل الدولي في وزارة الخزانة بالمملكة المتحدةالبريطانية إن بلاده ستواصل دعمها لتدويل الرنمينبي.
وأظهر بحث من صندوق النقد الدولي أن إجمالي 38 دولة تملك حاليا أصولا بالرنمينبي، كما أن الرنمينبي أصبح ثانية أكبر العملات في تمويل التجارة، وخامسة أكبر العملات في الدفع الدولي، وسابعة أكبر العملات الاحتياطية في العالم.
وقال آخر تقرير صادر عن بنك التسويات الدولية أن حجم تداول الرنمينبي في سوق الصرف الأجنبي في التجارة العالمية قد تضاعف تقريبا خلال السنوات الثلاثة الماضية، كما وصل حجم التداول اليومي إلى 202 مليار دولار أمريكي مرتفعا من 120 مليار دولار أمريكي.
كانت السيدة تشو، وهي سائحة صينية، ببعد مسافة خمسة آلاف كيلومتر عن بكين، في الرمق الأخير، منهكة من تسلق "سيجيريا" (صخرة الأسد) في سريلانكا، ذات الشهرة العالمية، حيث كانت عطشى ويعاني حلقها من الجفاف.
ومع ذلك فقد بدا أنه ليس بمقدورها فعل أي شيء إزاء ذلك لأنها لم تكن تحمل في حوزتها أي من الروبيات السريلانكية لشراء الماء، وفي تلك اللحظة، صرخ أحد البائعين: "رنمينبي، رنمينبي"، الأمر الذي فاجأ السيدة تشو، ثم أعطته ورقة نقدية من فئة خمسة يوان. وقبلها البائع بسعادة، وأعطاها قارورتين من المياه.
وقالت السيدة تشو "حسنا، لم أكن أتوقع أنه يمكنني استخدام الرنمينبي الذي بحوزتي هنا".
والآن، من خلال الانضمام إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، فإنه من المتوقع أن يمضي الرنمينبي الصيني أبعد من ذلك أيضا.