بكين 20 أكتوبر 2016 (شينخوا) القليل من أولئك المتابعين عن كثب لانتخابات الرئاسة الأمريكية التي تعصف بها الفضائح لن يختلفوا في أن الولايات المتحدة، تلك الدولة التي لطالما تفاخرت بنموذجها السياسي والاقتصادي، تقع في ورطة كبيرة.
ففي الوقت الذي يتجه فيه مرشحا الحزبين إلى المناظرة الثالثة والأخيرة للحملة الرئاسية الحالية التي ستقام في وقت متأخر من يوم الأربعاء، من المتوقع أن يتبادل المرشحان مزيدا من الإهانات الشخصية، بدلا من الانخراط في إجراء مناقشة جادة للقضايا الحقيقية التي تواجه القوى العظمي الوحيدة في العالم.
وبجميع أنحاء الولايات المتحدة، تتزايد الشعبوية والعنصرية والانعزالية فيما صارت حوادث إطلاق النار على ما يبدو حدثا يوميا متكررا. ومن ناحية أخرى، فإن الانتعاش الاقتصادي الأمريكي يتزايد في التباين والبنية التحتية في البلاد تتداعي وتتطلب تريليونات من الدولارات لإصلاحها .
وهذه كلها تحديات صعبة فشلت إدارة تلو الأخرى في حلها.
وبدلا من معالجة هذه القضايا، ينهمك المرشحان الرئاسيان في مهاجمة شخصية الأخرى، تاركين مجالا ضيئلا لإجراء مناقشات حول حلول ثمة حاجة ماسة إليها.
كما أن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون لم تظهر سوى قدر ضئيل من النزاهة والشجاعة السياسيين بشأن قول الحق لناخبيها وإن كان لن يلقى قبولا، فيما يواصل دونالد ترامب الإدلاء بتصريحات مثيرة وغير مسؤولة تحرض على الكراهية والخوف داخل البلاد وتذكى المخاوف في أنحاء العالم.
وحقيقة أن هذه الانتخابات ستضع شخصا ما إما غير أمين أو متهور في البيت الأبيض تبرهن على أن نظاما سياسيا كهذا يعتز به الأمريكيون ويحاولون غرسه في سائر أنحاء العالم يواجه مشكلات كبيرة.
والآن، بالكاد تستطيع "المدينة المشرقة على التل" أن تشعل الأمل حتى لسكانها. والأسوأ من ذلك أن المشكلات الداخلية في أمريكا تترك من حين لآخر تأثيرا سلبيا على بقية العالم.
فتسعينات القرن الماضي شهدت رفع القيود التنظيمية المالية عن وول ستريت. وبسبب ذلك، أغرقت مشتقات مالية سامة سوق الرهون العقارية عالية المخاطر في السنوات اللاحقة، الأمر الذي أسقط المجتمع الدولي في أزمة مالية عالمية غير مسبوقة. وحتى يومنا هذا، مازال العالم يشعر بآلام هذه الأزمة، ليظل تحقيق انتعاش أقوى أمر بعيد المنال إلى حد كبير.
وعلى مدى عقود، كان للمذهب الذي ينتهجه كل رئيس أمريكي في السياسة الخارجية هدف بسيط وواضح يتمثل في الحفاظ على نظام عالمي يضمن تفوق واشنطن على العالم.
وأثناء انتهاجها لهذه السياسات، اتبعت واشنطن على الدوام مسعاها إلى خدمة مصالحها الخاصة تحت ذريعة تشجيع ما يسمى بالحرية والديمقراطية في البلدان والمناطق التي إما تحاول السيطرة عليها أو التلاعب بها. ولم تدخر أيضا جهدا لاحتواء نهوض أي طرف تعتقد أنه منافس محتمل.
فمن أجل غزو العراق، لفقت إدارة بوش دون مواربة أدلة على وجود أسلحة دمار شامل في البلاد، ولكن لم يكن في انتظار الولايات المتحدة سوى مغامرة دامية أودت بحياة مئات الآلاف من الأبرياء ومهدت لصعود تنظيم الدولة (داعش) الذي حرض على موجات من الهجمات الإرهابية في أجزاء كثيرة من العالم.
وبسبب تدخل واشنطن المستمر في المنطقة، لم تشهد السنوات التالية سوى شرق أوسط يجتاحه الإرهاب والعنف الطائفي، فيما ظل الغموض يكتنف آفاق السلام في أحسن الأحوال رغم وجود إجماع دولي قوى على إنهاء الحروب الدامية في سوريا واليمن. والأكثر من ذلك، أن هذا يقوض تماما نظرية التطبيق العالمي لنظام أمريكا الديمقراطي.
والأسوأ من ذلك، إنه إذا ما سيطر على واشنطن هاجس الإثارة وأخفقت في علاج مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية المتجذرة بعمق وواصلت انتهاج سياستها الخارجية بطريقة دكتاتورية، فالضحية التالية قد تكون هي نفسها.