دمشق 27 أكتوبر 2016 (شينخوا) إن التصريحات التي أدلى بها مسؤولون أمريكيون مؤخرا عن هجوم وشيك لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة (داعش) في عاصمته الرقة بسوريا أسهل قولا منه فعلا، وأصعب بكثير من تجريد هذه الجماعة الإرهابية من معقلها في مدينة الموصل العراقية، هكذا قال محللون بدمشق.
فبعد 10 أيام فقط على بدء الهجوم لاستعادة مدينة الموصل العراقية التي تعد أحد أكبر معاقل داعش بالعراق، أعلن وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر أن معركة تهدف إلى طرد داعش من عاصمته للخلافة في مدينة الرقة السورية ستبدأ في غضون أسابيع.
وأضاف كارتر أن فكرة شن عمليات متزامنة ضد هذه الجماعة الإرهابية في الموصل والرقة "صار جزءا من تخطيطنا منذ زمن بعيد" ونحن واثقون من قدرتنا على توفير الدعم للعمليات في المدينتين في آن واحد.
بيد أن المحللين في سوريا أعربوا عن اعتقادهم بأن الحديث عن هجمات متزامنة وإمكانية إلحاق الهزيمة بداعش في الرقة أسهل قولا منه فعلا لأسباب عدة.
-- الوضع في سوريا مختلف
في الحالة العراقية، جرى الإعداد للهجوم على داعش في الموصل منذ أكثر من عام، وليس بسرعة "الأسابيع" التي أعلنها المسؤول الأمريكي.
وفي الموصل، تشارك الحكومة العراقية الرسمية في التنسيق وكذا في المعركة الفعلية الدائرة ضد داعش بمساعدة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولكن الحال في سوريا ليس كذلك.
فالولايات المتحدة همشت إلى حد كبير الحكومة السورية منذ حيث تنسيق الهجمات ضد الجماعات شديدة التطرف في سوريا.
وقالت سوريا مرارا إن أي جهد ناجح لمكافحة الإرهاب لابد من تنسيقه مع الحكومة السورية الرسمية التي تمتلك الموارد اللازمة والقوات العسكرية للمضى قدما في مكافحة تنظيم داعش.
وبالإضافة لذلك، يمثل داعش التهديد الرئيسي في العراق. ولكن في سوريا، تنخرط في الوضع عشرات الجماعات المتمردة ذات الولاءات المتحولة، ما يضيف مزيدا من التعقيد على المشهد السياسي وخريطة المواجهة العسكرية.
-- الصراع التركي والكردي في سوريا
وعلى نحو مغاير للعراق، حيث تتحد جميع القوى الرئيسية ضد داعش، يبدو المشهد السوري من حيث المشاركة الإقليمية أكثر تعقيدا بكثير.
فالولايات المتحدة تقوم، في الوقت الذي ترفض فيه التعاون مع الحكومة السورية، بالاعتماد بدلا من ذلك على الجماعات المتمردة لتنفيذ توجهاتها حيث أوضحت واشنطن مرارا أنها لن تنشر قوات أمريكية على الأرض في سوريا.
ودعمت واشنطن في المقام الأول قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد في مكافحة داعش بشمال سوريا. وتبين أن قوات سوريا الديمقراطية جماعة يعتمد عليها نسبيا، ولكن فيما بعد تدخلت تركيا بجماعة متمردة أخرى يطلق عليها اسم الجيش السوري الحر تحت نفس الهدف الظاهري المتمثل في مكافحة داعش.
وتحت هذا الغطاء، لم يكن الهدف من وراء دعم الجيش السوري الحر في معركة يطلق عليها اسم "درع الفرات" هو مكافحة داعش فحسب، وإنما وضع نهاية لتنامي نفوذ قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد، إذ أن نفوذا كرديا متزايدا قرب الحدود التركية يمثل خطا أحمر معلنا من قبل أنقرة التي أوضح مسؤولوها أنهم لن يسمحوا قط للأكراد في سوريا بأن يديروا منطقة ذاتية الحكم.
وتخشى أنقرة من أن تلهم مشاعر انفصالية كهذه أكثر من 20 مليون كردى في تركيا ليحذو حذو أشقائهم، سواء في سوريا أو في العراق، حيث يحكم الأكراد منطقتهم في شمال العراق عقب سقوط الرئيس الراحل صدام حسين.
وحقق الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الأكراد مكاسب ملحوظة أمام داعش في الريف الشمالي لمحافظة حلب السورية، ووصلا إلى نقطة مواجهة مباشرة مع الآخر.
ومن المفارقات أن الجماعتين تحظيان بدعم الولايات المتحدة ومباركتها.
وفي هذا الصدد، قال أسامة دنورة المحلل السياسي السوري الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، إنه إذا ما أرادت الولايات المتحدة هزيمة داعش في الرقة، فإنها إما ستعتمد على قوات سوريا الديمقراطية أو الجيش السوري الحر، ولكنها لا تستطيع الاعتماد عليهما آن واحد، وليس بمقدور كل منهما على حده إلحاق الهزيمة بداعش.
والسبب وراء ذلك يكمن في أن تركيا أوضحت أنها لن تقاتل داعش إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية أو غيرها من الجماعات الكردية في سوريا، حيث أنها تقاتل تلك الجماعات من خلال الجيش السوري الحر.
وأضاف أسامة دنورة أن "الولايات المتحدة غير قادرة في هذا الوقت على حشد ما يلزم من مقاتلين لتحرير الرقة. وقوات سوريا الديمقراطية لا يمكنها إيقاع الهزيمة بداعش نظرا لافتقارها للقوة التكتيكية والعسكرية اللازمة لتحقيق ذلك، ولأن تركيا لن تسمح بذلك".
ومع ذلك، تكهن دنورة بأن تعتمد واشنطن على الجيش التركي لاستعادة الرقة، وبأن خيارا كهذا ليس خارج الطاولة، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أدروغان يوم الخميس أن العملية العسكرية التي تدعم مقاتلي المعارضة السورية في شمال سوريا سوف تستهدف الرقة.
وذكر أردوغان أن المتمردين يتقدمون نحو مدينة الباب السورية لتحريرها من داعش. وعقب السيطرة على الباب، سوف يستهدفون مدينة منبج التي سيطرت عليها قوات سوريا الديمقراطية في أغسطس، "وسوف نتوجه بعدها نحو الرقة".
كما صرح كارتر في بروكسل "إننا نعمل بشكل كبير مع الجيش التركي في سوريا... وقد حقق ذلك نتائج هامة...إننا نبحث عن فرص تعاون جديدة في سوريا، والرقة تعد أحدها".
وأوضح دنورة أن الجيش السوري الحر سيحتاج إلى دعم عسكري تركي داخل سوريا حتى يكون قادرا على دخول الرقة.
وذكر دنورة أن "تدخلا عسكريا تركيا إلى هذا العمق، عمق يصل إلى الرقة، لن يكون سهلا ".
وأضاف أن دخول القوات التركية المحتمل إلى الرقة يعني "حربا كاملة الأركان مع الجماعات الكردية وسيمتد ذلك إلى قتال كردي- تركي في العراق، وخاصة أن الأتراك قالوا إنهم يريدون دخول الموصل للمشاركة في تحريرها من داعش".
علاوة على ذلك، ستنشب مواجهة مع الحكومة السورية وحلفائها، حيث ذكر الجيش السوري مؤخرا أنه سيتعامل مع التدخل التركي باعتباره "قوة احتلال" ستتم محاربتها بكل الوسائل الممكنة.
وأشار دنورة إلى أن "روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الخلل الإستراتيجي. فتركيا نفسها سوف تُستنفد لأنها ستتحول من كونها داعم للجماعات التي تعمل على استنزاف سوريا وروسيا إلى طرف يستنزف نفسه".
واختتم حديثه قائلا "لهذا، فإن الأمور أكثر تعقيدا مما قد تظنه الولايات المتحدة".