بكين 13 ديسمبر 2016 (شينخوا) تتسلط الأضواء على اجتماع للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وتداعيات محتملة لقرار من المرجح أن يصدر عنه يوم غد الأربعاء برفع أسعار الفائدة حيث يأتي ذلك في وقت صرح فيه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأن دولارا أمريكيا قويا سيكون هو الاتجاه العام في الفترة المقبلة لتعزيز السيولة داخل البلاد بهدف دفع تحديث البني التحتية وتنمية الاقتصاد الأمريكي.
وبدورهم يرى الخبراء الصينيون أن محور السياسة الاقتصادية الجديدة لترامب قد يرتكز على رفع أسعار الفائدة وخفض الضرائب وزيادة الإنفاق على البنى التحتية، بيد أن هذه السياسات المختلطة ستؤدى في النهاية إلى تناقضات خطيرة وتراكم مستمر للديون الأمريكية على نحو يهدد أمن الاقتصاد العالمي.
ومع تقدير خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة بأن الديون الأمريكية سترتفع بواقع 10 تريليونات دولار أمريكي في الأعوام الأربعة الأولى من رئاسة ترامب لتصل إلى حوالي 30 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2020، قال تشو شي جيان الباحث البارز بمركز دراسات العلاقات الصينية الأمريكية التابع لجامعة تشينغهوا في بكين إن الديون الضخمة للولايات المتحدة ستفرض ضغوطا مالية كبيرة على الحكومة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي، وهذا قد يؤدى بدوره إلى أزمة مالية غير مسبوقة.
وفي الواقع، يرجع ارتفاع الديون الأمريكية إلى أسباب عدة منها على سبيل المثال لا الحصر الأزمة الاقتصادية وعوامل تقليدية مثل الإنفاق الحربي، غير أن ثمة عوامل جذرية له تكمن في وجود خلل نظامي بالولايات المتحدة.
وقد أثارت المخاطر الكبيرة لتراكم الديون الأمريكية حالة من الترقب والحذر في أنحاء العالم،إذ شهدت السندات العامة الأمريكية التي كانت تعتبر من أكثر الممتلكات أمنا في العالم، بيعا متواصلا بسرعة قياسية من قبل البنوك المركزية لبلدان العالم حيث تفيد الإحصاءات الصادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية بأن البنوك المركزية لدول العالم باعت 393.1 مليار دولار أمريكي من السندات الأمريكية في الفترة ما بين يناير وسبتمبر الماضيين، مسجلة بذلك مستوى قياسيا من حيث السرعة والحجم منذ عام 1978.
وأكد الخبير تشو أنه ليس هناك أدنى شك في صعوبة استمرار الوضع الحالي السيئ للديون الضخمة، فدفع الفوائد استنفد الميزانية بأكملها حتى ظل سعر الفائدة في حالة منخفضة مستمرة، لهذا فإن دفع الفوائد سيحل بشكل أكيد وخطير محل نفاقات عامة أخرى، وهنا يكمن السبب الرئيسي وراء عدم إمكانية تحقيق انتعاش قوي للاقتصاد الأمريكي.
ومن جانبها، أشارت تشن فنغ يينغ نائبة الأمين العام الدائم لجمعية الصين للعلاقات الاقتصادية الدولية إلى أن هناك عادة ثلاثة طرق للتعامل مع مشكلة الديون. أولها تحقيق نمو اقتصادي سريع لزيادة حجم إجمالي الناتج المحلي بصورة تسهم في تقليص نسبة الديون في إجمالي الناتج المحلي، وثانيها رفع نسبة التضخم ودفع خفض قيمة العملة من أجل تخفيف ضغوط الديون لكي يتحمل الدائنون الخسائر، وثالثها هو العجز عن سداد الديون ليذهب ما في أيدي الدائنين سدى.
وحللت الخبيرة الاقتصادية رؤيتها قائلة إن نسبة الديون الحكومية في إجمالي الناتج المحلي بالولايات المتحدة تصل الآن إلى 106% ، إضافة إلى أن اقتصادها ليس في حالة جيدة والنمو الكامن لا يتجه إلى تسجيل زيادة كبيرة، لهذا يعد علاج مشكلة الديون عبر النمو السريع أشبه بالسير على طريق وعر.
أما بالنسبة للطريق الثاني، فلا يزال الطلب العالمي واهنا والقدرة الإنتاجية مفرطة وأسعار السلع منخفضة ولا يشهد العالم ضغوطا كبيرة في التضخم، كما تشهد نسبة التضخم في الولايات المتحدة أيضا انخفاضا مستمرا. لذلك يعد تخفيف ضغوط الديون اعتمادا على التضخم أمرا غير ممكن على المدى القصير، إلا أنه يحمل احتمالية كبيرة مستقبلا. ومن المرجح أن تصنع الولايات المتحدة التضخم من خلال سداد الديون القديمة عبر الاستدانة الجديدة أو خفض قيمة العملة الأمريكية لأن 32% من حاملي السندات الأمريكية هم من الخارج، على حد قول الخبيرة.
وألمحت إلى أن الطريق الثالث يمثل خيارا للدول المفلسة أو خيارا استثنائيا. ويستحيل على الولايات المتحدة، بصفتها أكبر اقتصاد في العالم، أن تسلك هذا الطريق، ولكن مخاطر عجزها عن سداد الديون أثارت مخاوف بلدان العالم.
ورأى تشون تشي،المدير التنفيذي لمعهد الإستراتيجيات الوطنية بجامعة تشينغهوا في بكين، أنه إذا ما أخذ حجم الديون الأمريكية يكبر دون قيود فيما لم تستطع واشنطن تخفيفه من خلال اتخاذ إجراءات فعالة، فسوف تضعضع ثقة المجتمع الدولي في الدولار الأمريكي، وهو ما سيؤدى بدوره إلى تراجع مكانته وانخفاض حاد في قيمته وإقبال الدائنين على بيع السندات الأمريكية في السوق المالية الدولية ليصل الحد إلى أزمة للدولار. وفي ظل وضع ما زال يسيطر فيه الدولار الأمريكي على النظام النقدي والمالي العالمي، ستفضي أزمة للدولار الأمريكي إلى رعب مالي وتقلب في البورصات على نحو يهدد الأمن المالي العالمي.
وبالإضافة إلى ذلك، سيتمخض عن خفض قيمة الدولار الأمريكي - بصفته عملة احتياط العالم - ارتفاع أسعار السلع المقومة بالدولار، وهو ما من شأنه أن يدفع إلى حدوث تضخم عالمي وتقلبات في الاقتصاد العالمي ستصل إلى حد انكماشه. لذلك فإن نظام الاقتصاد الأمريكي المعتمد على الديون لا يمكنه الآن المضي قدما في طريقه القديم، كما أن النظام المالي النقدي العالمي بقيادة الدولار الأمريكي يعاني أيضا خللا خطيرا.
وأعرب الباحث البارز تشو شي جيان عن اعتقاده بأن الحكومة الأمريكية لن تعجز عن سداد الديون فورا بل ستقوم بزيادة طباعة العملة ودفع التضخم وغيرهما من "الوسائل التقنية" لتخفيف عبء الديون، "فإذا ما نظرنا في تقلبات سعر صرف الدولار الأمريكي على المدى القصير،سنجد أنه يتحرك ضمن الإطار الطبيعي، ولكن إذا ما راقبناه على المدى الطويل، قد نلحظ قيام الحكومة الأمريكية بخفض قيمة الدولار بحدة من خلال زيادة الديون والعملة".
وضرب تشو مثالا على ذلك بقوله إنه في عام 1931، كان بالإمكان شراء أوقية واحدة من الذهب بمبلغ قدره 35 دولارا أمريكيا،ولكن في عام 2016، بات يتطلب شراء نفس القدر من الذهب مبلغا قدره1300 دولار أمريكي، مضيفا أن "التصرفات الأمريكية تعد في الحقيقة بمثابة نهب لثروات العالم في الوقت الذي يواجه فيه النظام المالي والنقدي العالمي تحت قيادة الورقة الخضراء مخاطر مالية متزايدة".
ومن أجل التعامل مع مخاطر الديون الأمريكية، اقترح الخبراء الصينيون ضرورة أن يتم في المقام الأول تسريع خطوات إصلاح النظام المالي والنقدي العالمي والمساهمة في تصحيح أوجه الخلل القائمة فيه عبر العمل بشكل خاص على رفع نسبة تمثيل الدول الناشئة وتعزيز دورها لكي يتسنى تحقيق إصلاح للخلل الجذري المتمثل في اعتماد هذا النظام بشكل أحادي على عملة سيادية. كما يتعين على الدول الناشئة تعزيز احتياطاتها من موارد مثل النفط والذهب والمعادن النادرة وغيرها في مواجهة هذه الكارثة التي تنذر بتداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي.