طوكيو 17 ديسمبر 2016 (شينخوا) في أعقاب إقرار التشريعات الأمنية المثيرة للجدل بالبرلمان لتصبح قانونا في العام الماضي، لم تظهر إساءة الكتلة الحاكمة لاستخدام السلطة وعدم احترامها للرأى العام أي علامات على الخفوت، حيث تم تمرير المزيد من مشروعات القوانين عبر الدايت فيما لم تظهر قبضة رئيس الوزراء شينزو آبي على السلطة أي مؤشر على التراجع.
ويتضح من خلال سن عدد من مشروعات القوانين المثيرة للجدل مؤخرا بما فيها مشروع قانون الكازينوهات ومشروعات قوانين اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ ومشروع قانون إصلاح المعاشات أن الكتلة الحاكمة في اليابان تواصل العمل مع إفلات متزايد من العقاب ويبدو أن لديها الحرية في تمرير التشريعات عندما تشاء، رغم المعارضة الشديدة في الكثير من الأحيان من قبل شعبها.
وكما يقول بعض المراقبين السياسيين أن الوضع أشبه بـ"عرض يقدمه رجل واحد"، فإنه لا يوجد على ما يبدو أحد قادر بما يكفي على منافسة آبي على القيادة من داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي ينتمى إليه، ناهيك عن معسكر المعارضة رغم ما بذله من جهود، إلى حد ما، للعمل على تضافر قواه.
-- تأثير ساحق
وتتمثل أحدث حالة تدل على أن الحكومة لا تحظى بشعبية في تمرير مشروع قانون الكازينوهات مؤخرا رغم المعارضة الشديدة من الجماهير ومعسكر المعارضة مع تصاعد المخاوف من أن يزيد مشروع القانون هذا من بلاء إدمان القمار الذي يؤثر بالفعل على أكثر من 5 ملايين شخص هنا، وفقا للأرقام الرسمية.
ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها كتلة المعارضة لإسقاط ومحاولة تأخير إقرار مشروع القانون، الذي تم تمريره بعد ست ساعات فقط من المداولات، من خلال تقديم اقتراح بحجب الثقة ضد حكومة آبي واقتراح بتوجيه اللوم ضد آبي نفسه، إلا أنه نظرا لكون الحزب الليبرالي الديمقراطي يمثل الغالبية الساحقة في مجلسي البرلمان الياباني، فقد تم رفض هذين الاقتراحين بسرعة وببساطة، ما ترك أحزاب المعارضة بدون سلاح يمكنها من مهاجمة إدارة جامحة في استخدام السلطة التشريعية لخدمة مصالحها الذاتية.
وما يدعو للقلق أن هذا أصبح بمثابة "طريقة العمل" الجديدة للزعيم المنتمى للصقور وزمرته بالحزب الليبرالي الديمقراطي، حيث لا توجد علامات على مقاومة سياسية أو اجتماعية حقيقية. أو، هذا ما يبدو عليه الأمر.
وفي العام الماضي، قام مئات الآلاف من الأشخاص بمسيرات ومظاهرات في أرجاء البلاد ضد مشروعات القوانين الأمنية المثيرة للجدل، ولكن تم سن هذه المشروعات على أي حال، وتمثلت نقطة البداية في تفسير أحادى الجانب للدستور الياباني على مستوى مجلس الوزراء، أعقبته مشروعات القوانين التي أقرت بالقوة في مجلسي البرلمان وتغيير الموقف السلمي لليابان فيما بعد الحرب، وبالتالي صار شنها لحرب مستقبلا أمرا محتملا.
وتركت هذه الخطوة، التي تحمل في طياتها ولع بالقتال، تركت المجتمع هنا والمجتمع الدولي متشككا في النظام السياسي باليابان وفي تعريف الديمقراطية لدى الائتلاف الحاكم.
-- تضييق الخناق
ومن ناحية أخرى، أصبحت قبضة آبي الخانقة على الحزب الحاكم وبالتالي المسار المستقبلي للدولة الجزيرة أصبحت أقوى من أي وقت مضى.
فقد ذكر غيرالد كورتيس الأستاذ الفخري في العلوم السياسية بجامعة كولومبيا في مؤتمر صحفي عقد في وقت سابق من العام الجاري في نادي المراسلين الأجانب باليابان أنه "لا يوجد أحد في الأفق يمكنه الآن منافسة آبي على مكانته داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي".
وإن ما ساعد على تنامي النفوذ السياسي آبي هو قرار الحزب الحاكم تعديل لوائحه الحزبيه لتمديد فترة ولاية رئيسه، وهو ما مهد الطريق لإطالة مدة إدارة آبي.
وبموجب اللوائح الحالية للحزب الليبرالي الديمقراطي، يسمح لرئيسه نظريا بالخدمة لفترتين متتاليتين مدة كل منهما ثلاث سنوات، ولكن الحزب الحاكم قرر تعديل لوائحه ليسمح لرئيسه بالخدمة لثلاث فترات متتالية لتصل في المجمل إلى تسع سنوات.
وبالتالي، فإن الوضع السياسي الراهن، كما يؤكد المحللون، يمكن أن يصبح أكثر تفاقما حيث تلوح في الأفق أكثر من أي وقت مضى انتخابات محتملة في مجلس النواب، ليأتي موعدها بالضبط حسب تقدير الزعيم المنتمى للصقور.
وإن حل مجلس النواب والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة، سيجعل، في كل الأحوال، آبي - الذي تقلد مهام منصبه في نهاية عام 2012- رئيسا لوزراء اليابان حتى عام 2021 نظرا للوضع الذي لا يجد فيه منافسا له داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، وسيطرح فرضية - من شبه المؤكد أنها ستتحقق - فرضية فوز الحزب الليبرالي الديمقراطي بانتخابات مجلس النواب المقبلة.
-- كاتش 22
ويعتبر الكثيرون تكتيكات آبي والذراع القوي للحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في البرلمان أنها نتاج عدم وجود خيارات أمام الناخبين، عوضا عن المزايا الفعلية للإدارة نفسها.
فالعديد من اليابانيين، رغم استيائهم من سياسات آبي، غير راضين بالمثل عن أحزاب المعارضة التي أخفقت على ما يبدو في تقديم حلول عملية للمشكلات التي تواجهها البلاد.
ومن ناحية أخرى، ساهمت إستراتيجية حملة آبي في الانتخابات المهمة، والتي تمحورت حول الترويج لسياساته الاقتصادية وفي الوقت نفسه المراوغة لتحقيق هدفه السياسي الحقيقي المتمثل في تعديل الدستور السلمي لليابان، ساهمت أيضا في الوضع السياسي الراهن الأشبه برواية "كاتش 22".
وخلال فترة الحملة الانتخابية لانتخابات مجلس المستشارين التي جرت في يوليو من العام الجاري، نادرا ما كان آبي ومرشحو الحزب الليبرالي الديمقراطي يشيرون إلى القضايا الدستورية وكانوا يتهربون بدهاء من الإجابة على الأسلة التي طرحتها أحزاب المعارضة حول هذا الأمر.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها آبي إلى مثل هذه التكتيكات السياسية المشبوهة. فقد اتخذ آبي من السياسات الاقتصادية محورا لحملته في الانتخابات العامة لعام 2012 وفي الانتخابات المبكرة عام 2014. ولكن ما حققه عقب توليه مهام منصبه كان العمل بقوة على قلب القوانين المعنية بالسياسات الأمنية التي وضعت في اليابان فيما بعد الحرب، رغم المظاهرات والاحتجاجات الحاشدة التي قامت بها الجماهير في اليابان.
وعلى مدى ثلاث سنوات من عمر سياسات "أبينوميكس"، شهدت اليابان تعديل النمو الاقتصادي الحقيقي أو النمو الاقتصادي الاسمي إلى التضخم أو الانكماش ليصل إلى 0.8 % في العام الماضي، وهو أحد أدنى المستويات بين الدول المتقدمة الكبرى.
وذكر كويتشي ياماوتشي، العضو السابق بمجلس النواب، في مقال حول هذا الأمر أن سبب ارتفاع معدل تأييد آبي رغم خيبة أمل الجماهير إزاء الأداء الاقتصادي لليابان وإزاء سياساته الخارجية اللامعة ولكن غير الفعالة والتي لم تساعد على تحسين المناخ الدولي لليابان، هي ميل الناس إلى الإبقاء على التصويت لصالح الوضع الراهن حتى يبلغ استيائهم مستوى حرجا، وهو أمر يستغرق وقتا.
ولكن هيروشي اونيشي الأستاذ بجامعة كيو في طوكيو يرى أن "المشكلة الجوهرية التي تنتج وضعا سياسيا كهذا تكمن في أن الكثيرين لديهم ثقة مفرطة في الديمقراطية ذات الطابع الغربي".
وأضاف أن "النوع الغربي من الأيديولوجيا السياسية يفترض عدم وجود سبيل أفضل آخر لتحقيق قرار الأغلبية. وفي ظل هذا المناخ السياسي، يمكن للأغلبية أن تقرر كل شيء ويمكن إهمال رأي الأقلية بسهولة".
وأعربت شيباتا، وهي ناخبة أدلت بصوتها في مركز شيبويا للاقتراع خلال انتخابات مجلس المستشارين التي جرت في يوليو، عن أسفها قائلة "المشكلة تكمن في، إذا لم نصوت للحزب الليبرالي الديمقراطي، من الذي سنصوت له ولدينا أي أمل في النجاح؟".
-- تغييراتجاه السلام
إن الحزب الليبرالي الديمقراطي يدعو إلى تعديل الدستور كجزء من برنامجه منذ تأسيسه في خمسينات القرن الماضي. وفي عام 2012، أصدر الحزب مشروعه المقترح للدستور والذي يشمل تغيير المادة الحساسة رقم 9 التي تنص على أن الشعب الياباني "ينبذ الحرب للأبد" وتحظر "استخدام القوة كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية".
وقال الجندي بالجيش الياباني الإمبريالي السابق غورو ناكاجيما، القلق إزاء مصير الدستور السلمي، في مقابلة أجرتها معه وكالة أنباء ((شينخوا)) في وقت سابق من العام الجاري إن "اليابان أصبحت دولة سلمية خلال السنوات الـ70 الماضية. والآن صار الدستور السلمي والوجود السلمي لليابان في خطر شديد... وإذا ما استمر هذا الوقع، فقد تعود اليابان إلى ماضيها المتمثل في إثارة الحروب".
ولكن ما يمكن أن يعرقل خطة آبي سيكون خروج نتيجة غير مواتية عن استفتاء وطني يلزم إجراؤه لبدء الإجراءات اللازمة لتغيير الدستور بشكل قانوني. ولكن حتى مع إجراء الاستفتاء، لا توجد ضمانات، إذ أن عدم اليقين دائما ما يكون محتملا، كما كان الحال مع صدمة تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
والعقبة الأخرى أمام خطة آبي لتعديل الدستور ستكون انشقاق محتمل داخل المعسكر المؤيد للتعديل بما في ذلك الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم وحليفه في الائتلاف حزب كوميتو وحزب أوزاكا إشين نو كاي وحزب كوكورو.
بيد أن قوات الدفاع الذاتي الياباني تعمل من ناحية أخرى، في ظل القوانين الأمنية الجديدة، وإن كان ذلك غير دستوري، على توسيع أنشطتها في الخارج في الوقت الذين من المقرر أن ترتفع فيه أيضا الميزانية العسكرية لليابان للعام الخامس على التوالي في عام 2017، وهو ما قد يثير مخاوف شديدة داخل البلاد وخارجها.