بكين 19 ديسمبر 2016 (شينخوا) عانت بعض الشركات الصينية من "انفصالات " غير متوقعة عن " خطابها" الغربيين مؤخرا، نتيجة افتراضات عارية ومخاوف لا أساس لها من الصحة من قبل بعض الدول الغربية.
ففي أكتوبر، أعلنت الحكومة الألمانية إعادة التحقيق في بيع شركة "إيكسترون" لصناعة أشباه الموصلات إلى شركة صينية لدواع أمنية وسحب شهادة أصدرتها في سبتمبر تؤكد مصداقية المشترى الصيني. وتحت ضغط إنسحب صندوق "فوجيان غراند تشيب" الاستثماري من صفقة الاستحواذ.
وفي أغسطس، إجرت ألمانيا مراجعة مكثفة لاستحواذ شركة "ميديا" الصينية لصناعة الأدوات الكهربائية على شركة "كوكا" الألماينة لصناعة الروبوتات لمخاوف مرتبطة بالملكية الفكرية.
وفي استراليا، اعتبر بعض الاستراليين الاستئجار الجزئي لميناء "داروين" من جانب مجموعة "لاندبريدج" الصينية في عام 2015 تهديدا للأمن العسكري والملاحي.
ووُصف استحواذ أكبر منتج صيني للحم الخنزير "شوانغ هوي" على شركة "سميثفيلد فودز" الأمريكية في عام 2013 بأنه "تهديد للأمن الغذائي".
وقد تعرض رأس المال الصيني بدرجات متفاوتة لاضطرابات وعوائق في ألمانيا واستراليا والولايات المتحدة في الأونة الأخيرة، لكنه في نفس الوقت لا يزال يشق طريقه إلى العالم بسرعة مذهلة، جالبا المنافع للشركات الصينية والمحليين على حد سواء.
-- فوبيا رأس المال الصيني
ويبدو كما لو كانت هناك حالة من الرهاب أو الخوف من الأنشطة الاستثمارية الصينية في الخارج بين وسائل الإعلام الغربية والسياسيين، الذين يتعللون بـ" الأمن القومي" كسبب لمواجهة الاتفاقيات التجارية المقترحة من جانب الصين.
"حجج الأمن القومي هي دائما حمائية مع بعض العلاقات العامة البارعة "، هكذا علق ماثيو لين الكاتب والصحافي البريطاني المتخصص في الأعمال على الاستخدام المتكرر " للهاجس الأمني" من قبل الاقتصادات المتطورة لسد الطريق أمام الاستثمارات الصينية.
ويرى لين أنه مع توسع الاقتصاد الصيني، لا مناص من أن تبدأ الشركات الصينية الكبرى في الوصول إلى العالم مثلما فعل من قبل الكوريون الجنوبيون قبل 20 عاما واليابانيون قبل 30 عاما.
وبالإضافة الى الاعتبارات الأمنية ، غالبا ما يستخدم السياسيون المنحازون حيلة أخرى لإحباط الاستثمارات الصينية القادمة من خلال المبالغة في حجم الاستثمار الصيني لخلق انطباع زائف بأن الاستثمارات الصينية تغمر اقتصادهم الوطني أو حتى العالم بأكمله.
ولهذا السبب كتب السفير الصيني لدى ألمانيا شي مينغ ده مقالة في صحيفة "فرانكفورتر الجماين زايتونغ" الألمانية المعروفة أوضح فيها أن هناك نحو 8200 شركة ألمانيا تعمل في الصين حاليا، في مقابل 2000 شركة صينية تعمل في ألمانيا، فيما تقدر الاستثمارات الصينية في ألمانيا بنسبة 10 بالمئة فقط من إجمالي الاستثمارات الألمانية في الصين، بنسبة تبلغ 0.2 بالمئة فقط من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في ألمانيا.
ولاحظ العديد من المراقبين أن بعض الدول تبدي قلقا لا أساس له إزاء رأس المال الصيني وترى الاستثمارات التجارية العادية الصينية كحصان طروادة.
وقال هانيس ديكيسير، الخبير في المعهد الأوروبي للدراسات الآسيوية، إن الموجة الأخيرة من القلق الأوروبي إزاء الاستثمارات الصينية تتزامن مع اتجاه حمائي وطفرة في الشعبوية في القارة.
--استثمارات متبادلة النفع
وفي ضوء تلك الاصدارات المختلفة من "التهديد الصيني"، كيف يجب أن يرد المستثمرون الصينيون؟
قال هوه جيان قوه، وهو رئيس سابق لهيئة سياسة التجارة بوزارة التجارة الصينية، إن " الطريقة الأمثل هي الاستثمار في الشركات الأجنبية بطريقة صادقة ومخلصة".
فمن خلال فقط إظهار صدقهم بالاستثمار وممارسة الأعمال التجارية بطريقة مهنية، يمكن للمستثمرين الصينيين محو الشكوك والمخاوف غير الصحيحة لدى نظرائهم الأجانب وضمان تحقيق نتائج النفع المتبادل للطرفين، كما يوضح هوه.
فعلى بعد 20 دقيقة من لندن بالقطار يقع مقر عملاق معدات الاتصالات الصيني "هواوي" في ريدينغ.
ومنذ عام 2015، أصبحت هواوي حرفيا واحدة من أكبر المشغلين للمحليين-- إذ تشغل 1100 موظف بدوام كامل بنسبة 70 بالمئة منهم من المحليين.
ووفقا لتقارير معهد أكسفورد للأبحاث الاقتصادية، ساهمت هواوي في الفترة من عام 2012 إلى عام 2014 بـ1.2 مليار دولار في الاقتصاد البريطاني. وبحلول عام 2014، زادت هواوي 7300 وظيفة جديدة في بريطانيا مع منتجات وخدمات تباع في 15 منطقة ببريطانيا.
وهذا يشرح لماذا الإعلام البريطاني دائم النقد يقول القليل من الكلمات السيئة عن هواوي. وقد قدم بعض أعضاء المجالس المحلية ببريطانيا "هواوي" كمثال لاثبات أن الاستثمارات الأجنبية يمكنها أن تجلب حقا فوائد حقيقية لبريطانيا.
وفي مدينة دايتون بولاية أوهايو معقل الصناعات التحويلية في البلاد. بعد الأزمة المالية في عام 2008 أغلق مصنع "جنرال موتورز دايتون" وتم تسريح نحو ألف عامل. لكن أعيد فتح المصنع في أكتوبر وأصبح أكبر مرفق لصناعة زجاج السيارات في العالم بأكثر من 2000 شخص يعمل هناك.
ويعود الفضل في هذا التغير الكبير إلى استثمار مجموعة " فوياو" الصينية. وقالت ماري تايلور نائبة حاكم ولاية أوهايو " هذا مكسب لأوهايو والمجتمع، والأهم من ذلك للأسر تأثرت بهذه الوظائف الجديدة".
وفي عام 2012، استحوذت شركة "ساني" الصينية للصناعات الثقيلة على منافستها الألمانية" بوتزميستر غروب". وفي البداية تظاهر بعذ الموظفين الألمان خوفا من فقدان وظائفهم. لكن بعد سنوات استمر التشغيل بثبات في الشركة الألمانية ولم تتغير العلامة التجارية والعلاقة مع المزودين بالخامات وزادت العائدات بنسبة 30 بالمئة. كما لاحظ الألمان أن الشركة الصينية لم تأخذ التكنولوجيا إلى الصين على عكس ما كانوا يعتقدون.
بل على النقيض، حاولت "ساني" بكل جهد أن تحافظ على الطاقم الألماني وقسمت السوقين من خلال بيع مضخاتها في الصين ومضخات "بوتزميستر" في باقي العالم. وتعمل الشركة الألمانية كمركز توزيع عالمي للشركة المتكتلة.
وقال رئيس اتحاد العمال في "بوتزميستر" جورج لويلفر " اعتقد أنها لو كانت شركة أمريكية، كان سيحدث للعمال الكثير من السوء".
وهناك حالات عديدة مماثلة. ويدرك المزيد والمزيد من الناس الآن أن استثمار الشركات الصينية ليس "وحشا" كما يشاع، لكنه يهدف الى جلب النفع على المدى الطويل من خلال التعاون والدمج.
--ازدهار استثماري
وفي عام 2002، بعد عام من انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية، كانت الاستثمارات الصينية المباشرة في الخارج تبلغ 2.7 مليار دولار أمريكي. وفي عام 2015، قفز هذا الرقم إلى 145.67 مليار دولار بزيادة 54 مرة تقريبا عن الرقم المسجل في عام 2002، بزيادة سنوية تصل الى 33.6 بالمئة.
وفي عام 2015 أيضا أصبحت الصين لأول مرة دولة مصدرة لرأس المال. وبلغ حجم استثماراتها الأجنبية المباشرة السنوية 9.9 بالمئة من إجمالي الاستثمارات العالمية، لتصبح في المرتبة الثانية عالميا.
وفي الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام، نفذت الشركات الصينية 521 عملية دمج واستحواذ في الخارج في 18 صناعة في 67 دولة ومنطقة، بحجم تجارة حقيقي 67.44 مليار دولار أمريكي. ووصلت الشركات الصينية بشكل رائع بحسب تعبير صحفية (( نوي زورشر زايتونغ)) السويسرية إلى مجالات واسعة بشكل رائع مثل الموانئ والمطارات والسيارات والسياحة والسينما والموضة.
ووفقا للاقتصادي رئيس بنك "اتش أس بي سي" الصين تشو هونغ بين، فإن جودة الاستثمارات الأجنبية الصينية قد تحسنت أيضا إلى جانب الكم. ومن الاستثمار أولا في الموارد الطبيعية الأجنبية مثل النفط وخام الحديد إلى البنية التحتية والتصنيع إلى الخدمات والتكنولوجيا الفائقة والصناعات الثقافية، حسن الاستثمار الأجنبي الصيني من نفسه على مر السنوات.
وأشار العديد من الخبراء أيضا إلى أن مبادرة الحزام والطريق الصينية قد أصبحت حافزا جوهريا للجولة القادمة من الاستثمار الأجنبي الصيني. والى جانب تشغيل المؤسسات المالية مثل بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية وصندوق طريق الحرير، بات يُرى رأس المال الصيني على نحو متزايد ومتكرر في الدول والمناطق الواقعة بطول الحزام والطريق.
لقد بدأت رحلة رأس المال الصيني إلى الخارج في التو. وأصبح المزيد والمزيد من الناس يشعرون بثقة وتفاهم وتعاون وانفتاح الشركات الصينية خلال العملية.
وبالإضافة إلى رأس المال، سيواصل الاقتصاد الصيني أيضا رحلة عولمته والمساعدة في جلب الرخاء إلى الصين وبقية دول العالم.