بقلم سحر وو
بكين 28 ديسمبر 2016 (شينخوا) بعد عام شهد العشرات من الفعاليات والنشاطات الثقافية الوافرة والجذابة مما فتح صفحة جديدة للصداقة الصينية -المصرية، أكد أكاديميون وإعلاميون من الجانبين أهمية توسيع وتعميق العلاقات بين الأوساط الثقافية والتعليمية والإعلامية في مصر والصين، لتصبح تلك العلاقات في هذا الجانب على قدر التعاون التجاري والاقتصادي المتطور الذي شهد زخما كبيرا في السنوات الأخيرة.
جاء ذلك خلال ملتقى فكرى شارك فيه نخبة من الأكاديميين والأساتذة والخبراء المتخصصين في الشؤون العربية وعدد من الإعلاميين البارزين بوسائل الإعلام الصينية والمصرية المختلفة، استضافته كلية الدراسات العربية بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين أمس الثلاثاء بالتعاون مع المكتب الثقافي لسفارة مصر لدى الصين تحت رعاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين.
وعقد "ملتقى الحوار الفكري الصيني-المصري عبر طريق الحرير" في ختام العام الثقافي الصيني- المصري الذي أطلقه الرئيسان الصيني شي جين بينغ والمصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارة الأول للقاهرة في يناير هذا العام، تزامنا مع الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية، بهدف تبادل الحوار المعمق بين الجانبين حول الفرص والتحديات التي تواجه البلدين في عملية بناء "الحزام والطريق".
وقال مستشار دائرة غرب آسيا وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية الصينية وان يونغ تشاو في كلمته إن الملتقي يعد فعالية هامة في إطار العام الثقافي الصيني-المصري، مشيرا إلى أن العلاقات الثنائية شهدت تطورا كبيرا وحققت منجزات مثمرة في مجالات السياسية والمالية والثقافية وغيرها بفضل الجهود المشتركة.
وأعرب وان عن تقدير الصين للتطور الإيجابي الذي شهدته مصر حكومة وشعبا في شتي المجالات تحت قيادة السيسي منذ توليه الحكم وشدد على ارتباط مصالح البلدين بمبادرة الحزام والطريق.
وقال إن مصر تتمتع بمزايا جغرافية إذ تقع عند ملتقى ثلاث قارات علاوة على امتلاكها للممر الملاحي الدولي الهام قناة السويس، لذا تهتم الصين بالدور الذي تلعبه مصر في بناء مبادرة الحزام والطريق التي تتوافق مع مشروع محور التنمية بقناة السويس الذي أطلقه السيسي.
فقد طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21 أو ما يعرف إصطلاحا بمبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013 بهدف ربط قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا بشبكة من الطرق البرية والبحرية عبر مشروعات إنشائية كبرى تستفيد منها كافة الدول الواقعة بطول الحزام والطريق.
وقال وان إن الصين تولي أهمية كبيرة لقضية التمويل في مصر حيث أنشأت آلية التعاون المكونة من بنك الصين للتنمية وبنك الاستيراد والتصدير والبنك التجاري الصيني وشركة الصين للتصدير وتأمين الائتمان لتوفير خدمات التمويل التجاري لمشاريع التعاون في القدرة الإنتاجية، لافتا الى أن الجانبين حددا المشاريع الـ18 الأولية للتعاون في القدرة الإنتاجية للمرحلة القادمة في اجتماع عقد في يوليو الماضي في بكين.
وفي سياق إشارته الى تنظيم 100 فعالية تضمنت زيارات متبادلة للفرق الفنية والفعاليات الرياضية الشبابية خلال العام الثقافي، أكد وان على أهمية تكثيف التبادلات الثقافية لتوطيد أسس الرأي العام في بناء" الحزام والطريق".
وأكد وان أنه ينبغي على الجانبين بناء علامات ثقافية لتحقيق تفاهم الشعوب مثل دفع الدراسات الثقافية على طريق الحرير ذي الخصائص الصينية والمصرية وتعزيز التبادل الثقافي في مجالات الترجمة والنشر والسينما والتليفزيون في سبيل إدخال مفهوم الحزام والطريق في قلوب أبناء الشعبين.
وشارك في الملتقى وفد صحفي مصري رفيع المستوى برئاسة رفعت فياض، مدير تحرير صحيفة ((أخبار اليوم))، الذي أكد أن تاريخ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 30 يونيو عام 1956 مثل انعطافا مهما في خريطة العلاقات الصينية- العربية والصينية-الإفريقية، داعيا الى تسريع إقامة مشاريع لوجيستية ومناطق لخدمات السفن وصناعات النقل البحرى على طول محور قناة السويس لتعزيز الاستفادة من طريق الحرير وقناة السويس الجديدة وتنشيط حركة التجارة مع دول العالم.
وفي كلمته، أكد المستشار الثقافي المصري حسين إبراهيم أن مبادرة الحزام والطريق تمثل تفكير الصين في الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية للعالم أجمع، كما تمثل تجربة وحكمة وصوت الصين. ومن أهم سماتها أنها تقوم على فلسفة تتجاوز المفهوم الجغرافي الضيق بقصرها على إقليم محدد بل على العكس تستند على نطاق جغرافي واسع يسمح بضم أكبر عدد من الدول المتباينة سياسيا واقتصاديا وأكبر عدد من الأقاليم .
ولفت إبراهيم إلى أن التبادل العلمي والتعليمي بين مصر والصين شهد تطورا لا مثيل له في السنوات الثلاث الأخيرة من ناحية التبادل بين الجامعات أو التبادل الطلابي. وتمكن الجانبان من أن يبدعا نمطا في التعاون التعليمي المهني الحديث مثل التعاون التعليمي الفني بين مؤسسة مصر الخير ومعهد بكين لتكنولوجيا المعلومات حيث جاء العشرات من الطلاب المصريين لدراسة هندسة الالكترونيات وهندسة تكنولوجيا المعلومات باللغة الصينية.
وأشار إلى أن الثقافة قوة ناعمة يمكن أن تلعب دورا هاما في دعم المبادرة من خلال التقارب بين الشعبين ليدركا عوائدها من مشاريع ترفع مستوى المعيشة ما يتطلب تنمية الروابط الثقافية من خلال التبادل التعليمي والثقافي من خلال مشاريع ثفافية وعلمية محددة يتفق عليها الجانبان.
وأكد قو تشنغ لونغ الباحث المخضرم في وكالة شينخوا على أهمية تعزيز التعاون الإعلامي بين الصين والدول العربية من أجل مبادرة الحزام والطريق، قائلا إن تعزيز التعاون المتبادل والوطيد بين الأمتين هو مسؤولية هامة تضطلع بها وسائل الإعلام الصينية والمصرية وطبعا العربية، مضيفا أن الصين بحاجة إلى معرفة أكثر بالعالم العربي والعالم العربي يحتاج الى معرفة أكثر بالصين، والإعلام هو وسيلة هامة للتواصل الحضاري وتأثيره الاجتماعي كبير. وبالتالي يجب على الجانبين تعزيز التعاون في هذا المجال عن طريق التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف.
وقال إن ذلك يحتاج إلى جهود كبيرة إذ لا يزال عدد المراسلين العرب في الصين محدودا في ضوء العدد الكبير لوسائل الإعلام العربية حيث يصل إلى 3 فقط هي وكالة أنباء الشرق الأوسط وتلفزيون الجزيرة ووكالة الأنباء المغربية. وهذا عدد لا يلبي متطلبات الوضع المتطور، مضيفا أن التعاون الثنائي في الصحف والإذاعة والتلفزيون بحاجة الى تعزيز.
واقترح أيضا دعم وتشجيع حكومتي الجانبين على فتح وسائل إعلام أكثر في الجانب الآخر وتشجيع وسائل الإعلام على إقامة دورات تدريبية يشارك فيه موظفون من الجانبان وتحسين التواصل والزيارات المتبادلة وتسريع التواصل التقني وحداثة وسائل إعلام الجانبين عن طريق استغلال التقنية ووسائل الاتصالا ت الحديثة والجديدة لتقديم خدمات إعلامية أفضل للشعبين، فضلا عن إقامة ندوات علمية يشارك فيه خبراء وباحثون من الجانبين وإنتاج أفلام إخبارية مشتركة تتعلق بالأحداث الهامة في الصين والشرق الأوسط.
وأكد رئيس تحرير صحيفة ((الشروق)) المصرية عماد الدين حسين الحاجة إلى النظر إلى المستقبل في العلاقة المصرية -الصينية، قائلا إن التاريخ وحده لا يكفي. ولا يجب أن تقتصر العلاقات على الجزء التجاري، فالجزء الثقافى هو البوابة أو الأرضية الراسخة التى يمكن للبلدان أن تقيم عليها علاقات أفضل في كل المجالات.
وأشار الى أن الصين ليس لها ماض استعمارى في المنطقة العربية على النقيض من الدول الغربية، وتتمتع بسمعة جيدة وبالتالي علاقاتها الاقتصادية في المنطقة العربية وكذا القارة الافريقية فى غاية الأهمية والقوة.
وشدد على تعظيم الجزء الثقافي بمعناه العام بناء على التاريخ الجيد بين البلدين، معتقدا أنه ينبغي للبلدين وضع قواعد وأعمدة جديدة للعلاقات المصرية ــ الصينية تمتد للمجتمعين المدني المصري والصيني وكذلك الحاجة إلى ترقية التواصل الإعلامى بين الجانبين ليصل الى المستوى الشعبي.
وطالب أيضا بضرورة التوقف عن استقاء المعلومات والأخبار الخاصة بكلا الطرفين عن طريق وكلاء قاصدا الإعلام الغربي، قائلا "الأفضل أن يكون هناك تعارف حقيقي ومباشر نعرف بعضنا البعض عبر وسائل إعلام مصرية وصينية مباشرة"، وداعيا البلدين إلى بحث التواجد العربي الضعيف إعلاميا في الصين وكيفية تعزيز هذا التواجد لينقل صورة واضحة مباشرة بين العالمين الصيني والعربي.
وتناولت الأستاذة وو تشونغ مين رئيسة مكتب التحرير العربي بالقسم الدولي في ((شينخوا)) جهود الوكالة لتعزيز الشعبية بين أبناء الحضارتين منذ تأسيسها عام 1931وبدء التعاون الإعلامي بين مصر والصين إلى ما قبل 60 عاما أي في نفس عام إقامة العلاقات الدبلوماسية بالتزامن مع وصول البعثة الصينية الدبلوماسية إلى القاهرة.
وقالت وو إن نشرة شينخوا الموجهة إلى الشعوب العربية بدأت عام 1963 بداية بـ 10 أخبار يومية حتى وصلت الآن إلى 150 خبرا يوميا فضلا عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة للوصول الى القارئ والمشاهد العربي، مثمنة اتفاقيات التعاون التي أبرمتها شينخوا مع نظيرتها المصرية وصحيفة الأهرام وأخيرا الاتفاق مع الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
وأوضحت وو أنه خلال النصف الأول من العام الجاري بلغ غدد الأخبار الواردة من مصر 1300 تقرير 30 بالمئة منها تقارير معمقة. وفي الوقت نفسه يرسل المراسلون المعتمدون في القاهرة حوالي 60 تقريرا حول مصر باللغة الصينية شهريا لإطلاع الصينيين على ما يحدث في مصر من تطورات على صعيد السياسة والتنمية الاقتصادية والفعاليات الثقافية. وأعربت عن ثقتها بأن مستقبل التعاون بين شينخوا ووسائل الإعلام المصرية سيكون واعدا ومشرقا وستبذل الوكالة قصارى جهدها لبناء جسر الترابط الشعبي بين الأمتين العريقتين نحو غد مزدهر.
ومن جانبه، بدأ جيا بنغ نائب مدير القناة العربية بالتلفزيون الصيني المركزي، حديثه بمثل صيني قديم يقول إن العلاقات بين الدولة مرهونة بالعلاقات بين شعوبها والعلاقات بين شعوبها مرهونة بالمشاعر المتبادلة بينها، مضيفا أن مبادرة الحزام والطريق تهدف إلى التقارب والترابط وتعد وسائل الإعلام التلفزيونية جسرا للترابط بين الشعبين وتعزيز الثقة بين البلدين كما تمثل قوة هامة لدفع الحزام والطريق.
واقترح على وسائل الإعلا م الصينية والمصرية من أجل تعزيز التعاون التلفزيوني للاستفادة من تطور بعضهما البعض من خلال تعزيز التعاون في مجالات زيادة الانتاج وتصوير البرامج الملائمة أكثر لذوق الجماهير وتعزيز إنتاج المسلسلات باعتبارها أكثر أنواع الأعمال التلفزيونية جاذبية والتعاون في دبلجة المسلسلات إلى العربية وتبادل بث البرامج عن التاريخ والسياحة والثقافة بين الجانبين وتبادل المحررين والمراسلين للتدريب الميداني وتعاون الجانبين في مجال التقنية في وسائل الإعلام الجديدة.
واتفق المشاركون في الملتقى على أن التعاون بين البلدين في الأدب والترجمة لم يرق بعد إلى المستوى المطلوب في ضوء ثراء الحضارتين، مطالبين بزيادة الأعمال المترجمة بين اللغتين العربية والصينية ودعم الترجمة المشتركة للأعمال الأدبية في البلدين.
يذكر أن الوفد المصرى ضم أيضا رئيس تحرير جريدة ((الأهرام)) المسائية علاء الدين ثابت ونائب رئيس تحرير جريدة ((الوفد)) زكي عبد الرازق السعدني ومدير تحرير صحيفة ((الأهرام)) محمد فراج إلخ.