النمرود، الموصل، العراق 31 ديسمبر 2016 (شينخوا) إن أحجار متناثرة هنا وهناك، وصخور مهشمة ملأت المكان، دمار وحطام... هكذا بدت مدينة النمرود الأثرية والتاريخية الواقعة على بعد 30 كلم جنوب الموصل والتي كانت تعد درة الحضارة الأشورية، وقبلة للسائحين والاثاريين، قبل أن يرتكب تنظيم داعش الإرهابي جريمته النكراء بحق آثار حضارية لكل الإنسانية.
وقال موظف في موقع آثار النمرود لوكالة أنباء ((شينخوا)) طلب عدم ذكر اسمه إن بعض أفراد عائلته لا يزالون داخل الموصل، " قلبي يعتصر ألما وينزف دما على هذه الآثار المهمة التي لا تقدر بثمن، إنها تراث عالمي، وملك للإنسانية كلها وليس للعراقيين فقط ".
وعن لحظة دخوله المدينة التاريخية ورؤيته للآثار وهي مدمرة، فأجاب "أصبت بالدوران، وشعرت أن قلبي انفطر وتحطم وتناثر على الأرض مثل قطع الآثار التي ملأت المكان، لم أصدق ما شاهدته بعيني، فقد كان منظرا بشعا لا يطاق، عندما رأيت آثار بلدي العظيمة مدمرة ومحطمة على أيدي ناس جهلة".
وأشار إلى أن تدمير آثار مدينة النمرود التاريخية من قبل تنظيم داعش الإرهابي أعاد به الذاكرة إلى أكثر من عقد عندما قام أعضاء حركة طالبان في أفغانستان بتفجير تمثال بوذا التاريخي.
وأوضح أن آثار النمرود كانت مرشحة لتدرج ضمن لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، لكن قيام التنظيم الإرهابي بتدميرها وتحطيمها أضاع على العراقيين حماية آثارهم، مناشدا اليونيسكو بالتدخل لمحاولة إصلاح وترميم ما يمكن إصلاحه وجمع بعض الأحجار للآثار المحطمة وأعادتها إلى ما كانت عليه.
من جانبه، قال متعب الشمري أحد جنود الجيش العراقي الذين شاركوا في تحريرالمدينة التاريخية "كنت فرحا عندما حققنا الانتصار وحررنا القرى القريبة من مدينة النمرود التاريخية، لكن فرحي ضاع بعد تحريرنا للمدينة التاريخية، فقد تحول فرحي إلى حزن عميق من هول ما شاهدته من مناظر بشعة لأن الآثار أصبحت عبارة عن أحجار متناثرة في كل مكان".
وتابع "أكثر ما أحزنني هو تحطيم الثورين المجنحين وتحويلهما إلى قطع صغيرة متناثرة بعدما كانا رمزا من رموز العراق"، واصفا المدينة التاريخية في النمرود بأنها كانت كنزا حضاريا عراقيا ويفتخر بها كل عراقي وكل إنسان شريف لأن الحضارة القديمة هي ملك لكل البشر.
وأفاد الشمري بأن تنظيم داعش قام بتدمير الآثار العراقية لأنه يريد محو حضارة العراق قائلا " إننا متأكدون أن نرى مثل هذه المناظر البشعة عند وصولنا لأي موقع أثري آخر بمدينة الموصل الغنية بآثارها، لأن تنظيم داعش يحاول محو حضارة العراق من خلال تدمير كل الآثار المهمة ".
وإلى ذلك، قال أحمد البياتي أحد سكان بلدة النمرود والذي لا يزال يتذكر كيف كان أصدقاءه من كل محافظات العراق يزورون بيته ويصطحبهم إلى المدينة التاريخية ويقضون أوقاتا جميلة وهم يتجولون بين الآثار التاريخية العظيمة، مبينا أن شبكة أصدقائه توسعت كونه يتعرف على المزيد منهم أثناء زيارتهم للمدينة التاريخية.
وتابع البياتي الذي انخرط في قوات الحشد العشائري لحماية بلدته، وهو واقف أمام منزله الذي فجره عناصر التنظيم الإرهابي "أنه رغم أن قساوة تهديم بيتي لا تشكل شيئا أمام تحطيم الآثار التاريخية الكبيرة لبلدتي، فبيتي سوف أقوم بإعادة بنائه وسوف أجعله من طابقين بدلا من طابق واحد، تحديا للإرهابيين، لكن الآثار التاريخية المهمة كيف سيتم إعادة بنائها بعد هذا التخريب الكبير الذي حصل بها".
وصرح البياتي بأن قرابة 20 إرهابيا من تنظيم داعش فجروا وحطموا آثار النمرود التاريخية، مؤكدا أنهم سرقوا الآثار التي يستطيعون حملها ثم قاموا ببيعها في سوريا وربما تم تهريبها إلى بقية دول العالم.
وأضاف البياتي "أن بلدتنا كانت مقصدا للسياح والزائرين، ما أدى إلى تحسن الوضع الاقتصادي والمستوى الثقافي لأهالي البلدة، لكنهم الآن فقدوا كل شيء عندما دمر التنظيم المتطرف كنوز النمرود التي كانت مقصدا لكل شخض مهتم بالآثار والكنوز الأثرية والحضارية ".
ومضى البياتي قائلا "إنه بعد تحرير مناطقنا, تطوع أبناء تلك المناطق وخاصة الشباب منهم وحملوا السلاح لحماية مناطقهم"، مضيفا "لن يتكرر الماضي ولن نسمح لهؤلاء الإرهابيين بالعودة مرة أخرى، فقد قتلوا الناس وسرقوا الحيوانات، وهدموا الآثار وسرقوا الكنوز التاريخية، سوف نموت هنا ولن نسمح لهم مرة ثانية بالتواجد في مناطقنا".
يذكر أن تنظيم داعش سيطر على بلدة النمرود في العاشر من يونيو عام 2014، وارتكب الجرائم النكراء بتدمير آثار هذه المدينة في شهر مارس من العام الماضي، وتمكنت القوات العراقية من استعادتها في شهر نوفمبر الماضي.
وأصبحت مدينة النمرود مركزا مهما للدولة الآشورية بعد أن أسسها الملك الأشوري شلمنصر الأول (1274 ـ 1245 ق.م) ثم أهملت لحين تولي عرش الإمبراطورية الأشورية من قبل آشور ناصر بال الثاني (883 ـ 859 ق.م) الذي جددها ووسع قلعتها خارج الأسوار، ومن ثم توالى الملوك من بعده على مواصلة البناء.
يذكر أن الملك آشور ناصر بال الثاني شيد في مدينة النمرود العديد من المباني والقصور منها القصر المعروف باسم (القصر الجنوبي الغربي)، فضلا عن معبد (نابو) وبنى له قصرا جديدا بالقرب منه، كما عمل على تجديد هذه المدينة واعتنى بزقورتها التي تعد من أهم زقورات العصر الآشوري.
يشار إلى أن مجموعة من آثار النمرود نقلت من موقعها الأصلي في المدينة التاريخية إلى عدة متاحف، بينها متحفا الموصل وبغداد، إضافة إلى متاحف في باريس ولندن وغيرها، لكن أبرز القطع، مثل التماثيل الآشورية الضخمة للثيران المجنحة ذات الرأس البشرية، والقطع الحجرية المنقوشة، بقيت في الموقع، وقد حطمها التنظيم المتطرف.