بكين 2 يناير 2017 (شينخوا) قبل أكثر من ثلاثة أعوام، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21.
وبإلقاء نظرة سريعة على العام المنقضي، يتضح أن مبادرة الحزام والطريق قد حققت إنجازات أولية مثمرة، حيث عززت الترابط وفتحت الآفاق والإمكانات للتنمية بطول الطريق التجارى القديم.
--الحزام الاقتصادي لطريق الحرير يربط الطرق معا
في يوم من أيام أكتوبر الذهبي في كاشغار بمنطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، بدأ أسطول مكون من 50 شاحنة ضمن قافلة تجارية مشتركة تحمل حاويات كبيرة التحرك على طول الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني(سبيك).
وبعد اجتياز معبر باميرس في هار غولون رانغ قاطعا منطقة غرب باكستان، وصل الأسطول أخيرا إلى وجهته-- ميناء غوادر الباكستاني، منهيا بذلك رحلة بلغ طولها 3115 كم في شهر.
ومنه تم شحن الحاويات إلى الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى، ليشهد ميناء غوادر أول شحنة تصدير حاويات إلى وجهات في الخارج ويستعيد قدرته الاستيعابية المصممة.
وقال رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إن الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني يهدف إلى تغيير البلد بأكمله وفتح عالم من الإمكانات ليس فقط بالنسبة لباكستان وإنما لدول آسيا الوسطى أيضا.
وفي فبراير عام 2016، أنجزت مجموعة أنفاق السكك الحديدية الصينية بناء نفق كامتشيك في أوزباكستان، أطول نفق في آسيا الوسطى. وهو جزء من خط سكة حديد إنغرين-باب البالغ طوله 169 كم ويعد أحد المشاريع القومية للدولة. وبعد الانتهاء من الخط، لم يعد النقل المحلي لأوزباكستان مضطرا للمرور من خلال دول أخرى.
وقال تشاو ليه، الأستاذ بمدرسة الحزب المركزية بالصين،" إذا قلنا إن عام 2013 هو عام الاقتراح، وعام 2014 هو عام التوجيه، وعام 2015 هو عام التصميم رفيع المستوي، فإن عام 2016 هو عام تنفيذ المشاريع الكبري لمبادرة الحزام والطريق"، مضيفا أن " مبادرة الحزام والطريق تحظى بمعدلات تأييد عالية في العديد من الدول الأوروبية".
وربما ازدحام حركة القطارات بين الصين وأوربا تعطي أفضل دليل على القبول الشعبي. فمنذ اقتراح الحزام والطريق، ازدهرت حركة القطارات بين أوروبا والصين. وبحلول يونيو عام 2016، قامت القطارات بما يقرب من ألفين رحلة بين الصين وأوروبا، بإجمالي قيمة واردات وصادرات 17 مليار دولار أمريكي.
كما يتم الآن تنفيذ العديد من المشاريع الأخرى مثل الحديقة الصناعية الصينية-البيلاروسية وخط سكة حديد المجر-صربيا الذي سيتم بناؤه من قبل الجانب الصيني قريبا. وقد توسع التعاون بين الصين ودول شرق ووسط أوربا بشكل كبير.
وبفضل طبيعة الشمولية والانفتاح التي يتميز بها، أصبح الحزام الاقتصادي لطريق الحرير حلقة وصل حيوية تربط التنمية الإقليمية والتحول الصيني.
-- طريق الحرير البحري للقرن الـ21 يلحم الطرق والموانئ
وفي أكتوبر عام 2016، تم توقيع عقد المرحلة الثانية من مشروع خطة سكة حديد الصين-لاوس في العاصمة اللاوسية فينتيان.
ويتوقع أن يتم الانتهاء من المشروع الذي بدأ تشييده في أواخر عام 2016 في غضون 5 أعوام. وفور اكتماله سيستغرق زمن الرحلة من فينتيان إلى الحدود الصينية 4 ساعات فقط، لتتحول لاوس من دولة حبيسة إلى دولة متصلة بالدول.
وفي 21 يناير عام 2016، في حفل وضع حجر أساس خط سكة حديد جاكرتا-باندونغ فائق السرعة، أطلق الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو أول مشروع خط قطار فائق السرعة للبلاد في واليني بمقاطعة جاوة الغربية.
وبسرعة قصوى تبلغ 350 كم في الساعة ، فإن القطار سيختصر زمن السفر بين جاكرتا وباندونغ من أكثر من 3 ساعات إلى إقل من ساعة بعد الانتهاء من المشروع.
وتوفر مبادرة الحزام والطريق فرصا ليس فقط لجولة جديدة من الانفتاح الصيني وانما إيضا لنمو الاقتصاد العالمي.
وفي 10 أغسطس عام 2016، استحوذ عملاق الشحن الصيني كوسكو على 67 بالمئة من أسهم هيئة ميناء بيرايوس من خلال بورصة أثينا، لتصبح الشركة الصينية رسميا حامل الأسهم المتحكم في الميناء اليوناني.
ويتوقع أن يخدم بيرايوس كمركز في أوروبا لطريق الحرير البحري للقرن الـ21 ويربط الحزام الاقتصادي لطريق الحرير بخط أوروبا-الصين البري-البحري السريع.
ووفقا للسفير الصيني لدى اليونان تشو شياولي، فإن بيرايوس ليس مجرد مشروع اقتصادي فحسب، وإنما يعد جسرا لربط الشعبين الصيني واليوناني.
وفي إفريقيا، دخل خط قطار إثيوبيا -جيبوتي الذي بنته الصين رسميا الخدمة، ليصبح حجر زاوية في التعاون بين الصين وإثيوبيا وجيبوتي.
وفي كمبوديا، جذبت منطقة سيهانوكفيل الاقتصادية الخاصة المئات من الشركات مقدمة نموذجا يحتذى به للتعاون الصيني-الكمبودي في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وفي ميانمار، فاز تحالف مكون من 6 شركات أجنبية بقيادة مجموعة ((سيتيك)) الصينية بمناقصتين لبناء حديقة صناعية وميناء في عمق البحر في منطقة كياوكوبيو الاقتصادية الخاصة بولاية راخين، مما سيحسن بالطبع البنية التحتية للدولة وتشغيل السكان المحليين وظروف معيشتهم.
وفي سريلانكا، أعطى الضوء الأخضر لمشروع مدينة ميناء كولومبو المؤجل. ومن خلال طريق الحرير البحري، سوف تدعم الصين سريلانكا لكي تصبح مركزا للشحن والإمداد اللوجيستي وحتى المال في المحيط الهندي.
-- مصلحة للصين والعالم أيضا
مر عامين تقريبا على دخول شركة اتصالات جنوب شرق آسيا المملوكة للصين السوق الكمبودية. وباستثمار قدره 150 مليون دولار أمريكي، نجحت الشركة من خلال شبكة ألياف تمتد 10 آلاف كم وأكثر من ألف محطة قاعدة في تحسين كفاءة الاتصالات في كمبوديا، وقد أشاد بها رئيس الوزراء الكمبودي هون سين.
وفضلا عن فتح سوق جديدة في كمبوديا والتفاني في تقديم إنترنت فائق السرعة وخدمات تليفونية عالية الجودة، تتحمل الشركة أيضا مسؤولية إطلاق قاعدة لتعليم الشباب العلوم والتكنولوجيا ومركز للبيانات والحوسبة السحابية.
وقال تشاو من مدرسة الحزب المركزية " سابقا، رأي الناس معظم برامج الحزام والطريق في مجالات مثل الطاقة والبنية الأساسية. لكن في عام 2016، توسع التعاون بين الصين وتلك الدول بطول الطرق إلى التعليم والثقافة والرعاية الصحية والاتصالات".
إذا كان " الربط الصلب" للحزام والطريق يربط الدول جغرافيا بشكل أوثق، فإن " الربط الناعم" يجمع الناس معا.
وحتى تاريخه، أعربت أكثر من 100 دولة عن ومنظمة دولية عن استعدادها للانضمام للمبادرة ودعمها بنشاط ووقع 40 منها على اتفاقيات تعاون مع الصين.
وفي عام 2017، ستعقد قمة الحزام والطريق لمواصلة رسم برنامج المبادرة واستشكاف الفرص التجارية وتعميق مواءمة الاستراتيجيات التنموية بين الصين والأطراف المعنية.
وفي 22 يونيو عام 2016، خلال كلمة بالغرفة التشريعية للجمعية العليا الأوزبكية في طشقند، دعا الرئيس شي إلى بناء طريق حرير أخضر وصحي وذكي وسلمي، راسما بذلك مستقبل المبادرة.
ووفقا لهوانغ ريهان، المدير التنفيذي لمعهد الحزام والطريق بمركز الصين والعولمة للأبحاث، فإن طريق الحرير الأخضر يحث على حماية البيئة والتنمية المستدامة.
فيما يعني طريق الحرير الصحي تعاونا أوثق في الرعاية الطبية والصحة بين الدول المعنية. ويدعو طريق الحرير الذكي إلى تنوير الشعوب وتعزيز التبادلات. ويهدف طريق الحرير السلمي إلى تنفيذ مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام في آسيا، وبالتالي تعزيز السلام والاستقرار في العالم، وفقا لهوانغ.
وفي كلمته بالبرلمان الأوزبكي، دعا شي الدول الأخرى إلى حضور قمة الحزام والطريق في عام 2017. ولن تقف القمة عند الحصاد المثمر الذي تحقق حتى الآن تحت المبادرة، وإنما ستعمل على تدشين نقطة إنطلاق جديدة للمستقبل، بحسب المراقبين.
وقال تشاو " مبادرة الحزام والطريق ليست مجرد ومضة سريعة لن تدوم ولن تكون شكلية. الصين ستذهب بعمق بالمبادرة وتحويلها إلى منافع حقيقية".
وقال وانغ يي ويه، الأستاذ بجامعة رنمين الصينية، إن " الاتفاق الذي تم التوصل إليه في نوفمبر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لمواصلة تعزيز مبادرة الحزام والطريق عالميا يظهر أن بنائها لا يشمل الصين فحسب، وإنما الدول بطول الطريق والعالم أجمع".