بقلم محمد اسامة
بكين 2 فبراير2017 (شينخوا) يحتفل الصينيون في هذا الوقت من كل عام ببداية العام الصيني الجديد حسب التقويم التقليدي، وهي المناسبة التي تصل فيها احتفالات الصينيين عبر أنحاء العالم إلى أوجها، ويتجلى فيها الطابع القوي للثقافة الصينية التقليدية.
وعادة ما ترتبط احتفالات الصينيين بالعام الجديد بالعديد من المظاهر الثقافية التي توارثتها الأجيال على مدار آلاف السنين. ومن أجل فهم أفضل للموروث الثقافي الصيني الذي يظهر في احتفالات العام الصيني الجديد، علينا الإجابة على هذه الأسئلة :
ما هو أصل احتفالات عيد الربيع؟ ولماذا تسمى الأعوام الصينية المختلفة على أسماء حيوانات؟
تنقسم الأبراج الصينية إلى 12 برجا تمثل 12 حيوانا، وتشكل دورة من 12 عاما، فيما يرجع هذا التقسيم إلى قصة أسطورية تتحدث عن دعوة الامبراطور السماوي الحيوانات إلى توديعه فلم يأتي إلا 12 حيوانا جميعها حيوانات حقيقية ما عدا حيوان أسطوري واحد وهو التنين.
وتضم الأبراج الصينية حيوانات الفأر والثور والنمر والأرنب والتنين والأفعى والحصان والماعز والقرد والديك والكلب والخنزير بالترتيب في دورة من 12 سنة.
وتصادف السنة الجارية عام الديك حسب التقويم الصيني في التراث الشعبي الصيني، ولكن لماذا يتمتع الديك وخاصة الذهبي منه بمكانة رفيعة في قلوب الصينيين؟
يعتقد الصينيون أن ثلاثة ديوك سحرية، أولها ديك يشمي يقوم بالصياح فجر كل يوم من أعلى قمة جبل في أقصى شرقي الصين، فيتبعه ديك ذهبي ثم آخر حجري وبعد ذلك تصيح جميع الديوك على وجه الأرض ، وبعد مرور الزمن لم يبق إلا الديك الذهبي الذي يحبه الصينيون ويعلقونه في منازلهم خلال فترة الاحتفالات .
ويرتبط الديك في الثقافة الصينية التقليدية بالأمل ، فهو الذي يصيح كل صباح ليبشر ببداية يوم جديد. كما أنه يرتبط بالوقت والنجوم أيضا. وإذا صادفت صديقا صينيا وأعطاك ديكا ذهبيا كهدية، فهو يحبك كثيرا ويتمنى لك حظا سعيدا في الحياة.
ماذا يتناول الصينيين في عيد الربيع الصيني؟
يهتم الصينيون بالطعام كثيرا وخاصة المائدة التي يتم إعدادها في عشية عيد الربيع المعروفة بـ"تشو شي"، إذ يتجمع حولها جميع أفراد الأسرة الذين يسارعون في العودة من أماكن عملهم في جميع أنحاء العالم من أجل لم شمل الأسرة.
ويتم إعداد مائدة الطعام في أبهى صورها ليلتف حولها جميع أفراد العائلة ويتناولوا الأطعمة التقليدية، حيث يتم تحضير العديد من الأطباق التي تختلف بين كل مقاطعة ومحافظة ومدينة لتبين مدى تنوع ثقافة الطعام الصينية.
وعلى سبيل المثال يحرص أهل مقاطعات الشمال على تناول المعجنات المعروفة باسم "جياو تسي" والتي يتشابه نطقها مع الفعل "جياو" ويعني في اللغة الصينية "التبديل والتغيير" احتفالا بالانتقال إلى عام جديد. بينما يحرص الصينيون في الجنوب على تناول الـ "تانغ يوان" وهو نوع من الحلوى المستديرة المحشوة وتعبر عن الوحدة والترابط في الثقافة التقليدية الصينية.
ماذا يلبس الصينيون في عيد الربيع وما هي ألوانهم المفضلة ؟
يحرص الصينيون الكبير والصغير منهم على ارتداء الملابس الجديدة في عيد الربيع. ويغلب اللون الأحمر على الملابس الجديدة، والذي يدل على الازدهار والتقدم في الثقافة الصينية التقليدية.
ولا يقتصر اللون الأحمر على الملابس فقط ، إذ انه يدخل وبشكل كبير في تفاصيل الاحتفال بالسنة الصينية الجديدة. فتنتشر الزينة الحمراء بالشوارع وعلى أبواب المنازل وحتى بداخلها.
ما هي أهم الظواهر المرتبطة بعيد الربيع في الصين؟
تنتشر في الصين فكرة العيدية التي يطلق عليها "يا سوي تشيان" وكان يتم وضعها في "ظرف احمر" للأطفال تحت وساداتهم كي يجدونها فور الاستيقاظ أول أيام عيد الربيع.
ومع التطور التكنولوجي الكبير الذي تمر به الصين، تطورت ثقافة "الظرف الأحمر" لكي يصبح ظرفا الكترونيا يتم تناقله عبر تطبيقات الـ "ويتشات" و "علي باي" وغيرها .
ويحرص الصينيون على إرسال ظروف حمراء بأرقام تجلب الحظ مثل الرقم 8 الذي يقارب في النطق الفعل "فا" ويعني الثراء والغنى. والرقم 6 الذي ينطق "ليو" ويعبر عن التوفيق والنجاح، والرقم 9 الذي ينطق "جيو" ويعني الأمد والعمر الطويل.
ما هي أهم المشكلات التي تقابل الصينيين في عيد الربيع؟
يعد لم شمل الأسرة أهم ما يميز عيد الربيع أو احتفالات السنة الجديدة في الصين، فإذا لم يحالفك الحظ في شراء تذاكر العودة، فان هذا أسوء ما قد يحدث لك في هذه الفترة.
ويستعد الصينيون بحجز التذاكر وشرائها قبل وقت كبير من بداية السنة الجديدة، وقد أصبح الأمر أكثر سهولة الآن إذ يمكن حجز التذاكر وشراؤها عبر المواقع الالكترونية والتطبيقات العديدة على الهواتف المحمولة، وذلك عوضا عن الوقوف في الطوابير لساعات في العقود الماضية.
وتولي وزارة النقل والمواصلات في البلاد اهتماما خاصا بهذه الفترة، إذ يتم تسيير المزيد من خطوط الطيران والسكك الحديدية لضمان عودة الجميع إلى أحضان الأسرة.
وعلى جانب آخر يهتم الصينيون للغاية بالحياة الأسرية. وعندما يبلغ الشباب والفتيات السن المناسبة للزواج ويبدؤون عملهم، يطالبهم الأهل بالإسراع في إيجاد شريك الحياة وبناء أسرة جديدة.
وعلى الرغم من أن الزواج هو سنة الحياة، إلا أن الكثير من الشباب الصينيين ممن انتقلوا إلى المدينة وعاشوا فيها يرون ان لا داع للزواج المبكر، خاصة وأنهم ما زالوا يريدون تحقيق المزيد من التقدم في العمل علاوة على التكاليف الباهظة للزواج في الصين.
وفيما باتت طقوس الاحتفال بقدوم السنة الجديدة في كل عام تتشابه بين معظم شعوب الأرض، ولا سيما في السنوات الاخيرة، يبقى الصينيون متفردون في طقوسهم واحتفالاتهم التي لا تزال تحافظ على هويتها الثقافية والتاريخية العريقة، مع مواكبة عجلة التطور والحداثة التي يشهدها العالم لتعميق التواصل والتلاقي بين جميع الشعوب.