((أهم الموضوعات الدولية)) مقالة خاصة: 30 ألفا من رجال الأعمال العرب في قوانغدونغ الصينية... أضواء على عملهم وحياتهم

16:30:34 17-03-2017 | Arabic. News. Cn

بكين 17 مارس 2017 (شينخوا) "الاستنساخ طريق مسدود والمحاكاة أسلوب مضلل والخطوات على الأرض تمثل نبضات القلب في مسيرة تلمس التقدم"، هكذا يؤمن رجل الأعمال اليمني عبد الملك الحداد الذي يقضى كل سبت في مكتبه الكائن في الطابق الـ41 من ناطحة سحاب بوسط قوانغتشو عاصمة مقاطعة قوانغدونغ في جنوب الصين، منكبا على دراسة الكتب وجمع المعلومات حول مبادرة الحزام والطريق.

فمع تزايد رجال الأعمال العرب في هذه المدينة الدولية الكبرى واحتدام المنافسة التجارية في السوق، يستشعر الحداد مدى إلحاحية الاطلاع أولا بأول على أوضاع الأسواق العالمية والإمكانات الكامنة في إستراتيجية الحزام والطريق الطموحة للبحث عن فرص تجارية جديدة، حيث يقول "إذا سد طريق، يمكنك أن تجد طريقا آخرا".

صحيح أن الحداد المنحدر من تعز اليمنية ليس من قدامى رجال الأعمال العرب الذين وفدوا إلى قوانغدونغ والبالغ عددهم نحو 30 ألفا، حيث جاء إليها قبل أكثر من خمس سنوات فقط، لكن نبرات حديثه تنم عن تفاؤل كبير بمستقبل تجارته إذ أكد خلال حديثه مرارا أن "الصين حافلة بالفرص إذا استطعت أن ترسم طريقك الخاص".

ــــ تجارب ونجاحات... رجال أعمال عرب في قوانغدونغ

ومقارنة بعبد الملك الحداد، لاشك أن خليل القهوجي يعد من أوائل الذين بدأوا في مزاولة أنشطة تجارية في قوانغدونغ إن لم يكن الأول. فمنذ ثلاثين عاما،أي في عام 1986 قدم من الأردن إلى الصين لاستكمال دراسته في جامعة بشانغهاي كطالب وافد في إطار برنامج تبادل تعليمي. وبعد تخرجه في تسعينات القرن الماضي، اختار مدينة قوانغتشو لفتح نشاطه نظرا "لقربها من هونغ كونغ"، على حد قوله.

توصف قوانغتشو بأنها أقدم بوابة تجارية للصين على الخارج وتتسم بموقعها الجيولوجي المتميز وتقاليدها التجارية العريقة، وكانت أهم ميناء شرقي عرفه التجار العرب على طريق الحرير البحري قبل ما يزيد عن ألف عام وأسموه "كانتون" في قديم الزمان. كما تعد قوانغتشو إحدى أوائل المدن التي شرعت في تنفيذ سياسات اقتصادية واستثمارية خاصة بعيد ولوج الصين عهد الإصلاح والانفتاح.

ويتذكر القهوجي أنه قبل عشرين عاما، لم تكن إجراءات التصدير سهلة، "لا نقول صعبة ولكن مقيدة"، حيث كانت الصفقات التجارية لا تنفذ إلا عبر شركات تصدير حكومية، كما كان رجال الأعمال العرب يتعاملون مع الصين مباشرة إما من خلال "معرض كانتون" السنوي أو عن طريق وساطة في هونغ كونغ.

ولكن بفضل مثابرته وتحسن البيئة التجارية، استقرت أحوال التاجر الأردني فتزوج من امرأة صينية وأصبح رجل أعمال متخصصا في تصدير مختلف السلع صينية الصنع إلى البلدان العربية.

ويتفق معه في الرأى الأردني عرفات الحراحشة، الذي يقيم في الصين منذ ثلاثة عقود أيضا، مؤكدا أن "التجارة الآن أصبحت سهلة والتفاهم مع الصينيين أسهل. وذلك على نقيض الماضي، فالتجارة كبيرة كانت أم صغيرة مرحب بها في الصين".

ويقيم الحراحشة الآن في مدينة شنتشن، وهي مدينة قريبة من قوانغتشو وتعد إحدى المدن المتطورة في جنوب الصين وصارت مقرا لعدد من الشركات الصينية الكبرى ومنها هواوي وتنسنت (شركة ويتشات). ويمتلك الحراحشة هناك شركة توظف 15 صينيا وتعمل على تصدير خطوط الإنتاج إلى الوطن العربي. وحتى الآن تمكنت شركته من تصدير نحو مائة خط إنتاج إلى بلدان عربية.

ومن أجل تقديم النصح والمشورة للجاليات العربية ومساعدتها في حل مشاكلها والتعامل مع الجهات الرسمية الصينية، تم تأسيس مجلس الجاليات العربية في جنوب الصين عام 2008، وأصبح رجل الأعمال اليمني أحمد اليافعي رئيسا له بالتذكية.

ومازال اليافعي الذي يحمل أيضا الجنسية الكندية يتذكر صفقته الأولى في الصين. ففي عام 1999 اشترى كمية كبيرة من قداحات السجائر خلال فعاليات معرض كانتون واستعد لتصديرها إلى الولايات المتحدة،لكنها لم تكن مطابقة للمواصفات الأمريكية، فصودرت كاملة.

ويتحدث وعلامات الهدوء ترتسم على وجهه قائلا "خسرتُ خمسين ألف دولار أمريكي"، مضيفا "هذه هي التجارة...التجارة نتعلمها هكذا من الربح والخسارة".

وارتكازا على خبراته الوافرة، تطورت تجارة اليافعي بسرعة لدرجة أنه أثناء ذروة العمل استأجر طابقا كاملا من عمارة إدارية بحي مكتظ بالجاليات العربية والأجنبية وسط قوانغتشو. أما الآن فمازالت شركته تصدر ما يتراوح بين 150 و200 حاوية من السلع الصينية سنويا إلى الوطن العربي وبلدان غربية.

ويتحدث التجار العرب الثلاثة عن مزايا التجارة الإلكترونية المزدهرة في الصين، قائلين إنهم كانوا يقضون معظم أوقاتهم في السفر بحثا عن بضائع ذات جودة عالية وأسعار مقبولة، لكن الشراء عبر الانترنت في الصين الآن يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال.

وبفضل التجارة الإلكترونية رسم رجال الأعمال اليمني عبد الملك الحداد طريقا جديدا للنجاح. فبينما ينشغل في تصدير إكسسوارات الهاتف الجوال وسلع إلكترونية، يعكف أيضا على إدارة موقع خاص لبيع الملابس الجاهزة إلى الوطن العربي حيث يوظف فرقا فنية صينية وهندية ويمنية لتأسيس وصيانة موقع تجارة إلكتروني ويخصص 9 موظفين صينيين لديه لمهمة شراء البضائع من المصانع الصينية مباشرة وشحنها إلى الزبائن العرب.

"الصفقات جيدة"، هكذا يقول الحداد، إذ يمكنه بيع نحو ثلاثمائة أو خمسمائة قطعة من الملابس يوميا حسب موسم الشراء عبر هذا الطريق الحديث المتميز.

ويقول "في التجارة إذا شققت طريقك الخاص لتنفيذ الأعمال التجارية سيتكلل عملك بالنجاح"، مؤكدا ضرورة أن "تميز نفسك في السوق وتلتزم بالتركيز على المصادر والمصانع الجيدة وتهتم بتقديم خدمة ما بعد البيع للزبائن، وذلك سيضمن أن تكون بعيدا عن المنافسة".

ــ الأمان والتناغم ... سمة الحياة في قوانغدونغ

ووفقا للسجلات التاريخية، أصبحت مدينة قوانغتشو بالفعل أكبر ميناء في الشرق خلال عهد أسرة تانغ (618 - 907) حيث بلغ عدد الجاليات الأجنبية بها آنذاك مائة ألف معظمهم من العرب. وحتى يومنا هذا، مازالت المطاعم الإسلامية ومحال المنتجات الحلال منتشرة في أحياء المدينة، وهو ما يسهل المعيشة اليومية لرجال الأعمال العرب.

وطبعا أكثر ما يعجبهم في الصين هو الأمان. فيقول اليافعي إن الصين بلد آمن حقا حيث "لم أتعرض لأي حوادث سرقة منذ مجيئ إلى هنا قبل نحو 17عاما. أما في الولايات المتحدة فصوبت مسدسات على رأسي عدة مرات لسرقة ما بحوزتي"، هكذا يتذكر التاجر المخضرم.

وتزوج اليافعي من امرأة صينية وأنجب منها طفلتين. كما اشترى شقة قبل سنوات واعتبر ذلك "صفقة مربحة" في ضوء الارتفاع الصاروخي في أسعار العقارات بالصين.

وكما فعل اليافعي، أصبح القهوجي أيضا نسيبا لعائلة صينية. ويعترف بأنه كان هناك بعض الخلافات في بداية الزواج. ولكن "في النهاية عندما يأتي الاختلاط والتعارف عن قرب، صارا والد زوجتي في مقام والدي الحقيقي ويعاملني كابنه مائة في المائة ويقول لي إنك أحسن أولادي"، هكذا يتحدث القهوجي ضاحكا.

وسبق للقهوجي أن اصطحب ابنه وابنته مرات إلى الأردن في زيارة للعائلة. ووجدهما لا يستغربان الحياة هناك ويشعران بالسعادة، "لكنني، على العكس منهما، لا أتعود على الحياة سوى في الصين".

ويقول "إننا لا نشعر بالتمييز، بل نشعر بالاستقرار والراحة هنا".

ومن جانبه يشير الحراحشة إلى أن قوانغتشو تتميز بتقبل الأجانب، حيث يتبنى سكانها موقفا أكثر انفتاحا وتسامحا عند تعاملهم مع الجاليات الأجنبية، ويضيف "نشعر نحن العرب أن تقاربنا مع الصين أكثر منه مع الغرب لأننا جميعا من الشرقيين".

ويضيف القهوجي أن في الثقافتين الصينية والعربية قواسم مشتركة كثيرة، مثل المفاهيم العائلية واحترام الآخرين كبارا كانوا أم صغارا.

وفي الواقع يعتبر الكثير من المسلمين المحليين في قوانغتشو من ذرية التجار العرب القدامى ويحافظون حتى الآن على عاداتهم الإسلامية. ففي وسط المدينة يوجد جامع عريق اسمه "هوايشنغ" يرجع تاريخ بنائه إلى القرن السابع ويجمع بين خصائص العمارة الصينية الكلاسيكية والإسلامية، حيث يفد إليه المسلمون الصينيون والأجانب لأداء الصلاة بكل حرية.

ومعلقا على ذلك، يقول الحداد إنه يصلي الجمعة في مسجد قرب مكتبه، حيث يشعر بالأمان مع تواجد رجال الشرطة لضمان النظام والمرور وبتقبل السكان المحليين غير المسلمين لأدائهم لشعائر الصلاة.

وبالنسبة إلى رجل أعمال عربي حضر ومعه أولاده إلى الصين مثل الحداد، فهو يفضل الحاقهم بمدرسة عربية. ونظرا لهذه الاعتبارات، شيدت مدرسة عربية خاصة قبل أربع سنوات، ألا وهي مدرسة كانتون التي تقبل الطلاب في جميع المراحل التعليمية بدءا من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية ويدرس فيها حاليا نحو أربعمائة طالب عربي، معظمهم من اليمنيين، ويقوم على العملية التعليمية فيها أكثر من 30 معلما عربيا مهنيا وأكثر من 10 معلمين صينيين.

ومن جانبه، ذكر تساو جيان لين المتخصص في إقامة مدارس دولية والمتعاون مع مجلس إدارة المدرسة العربية في الوساطة مع الجهات الحكومية المعنية أن عدد الطلاب العرب والهنود تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، في توجه يتفوق على عدد الطلاب الكوريين واليابانيين.

ويؤكد على أهمية انتهاج النهج التعليمي العربي، فيقول إن العرب حريصون على دينهم ولغتهم، وهذا أمر جدير بالاحترام حقا.

ومن جانبه يقول الدكتور حسين العاقل رئيس مجلس إدارة مدرسة كانتون إن حكومة قوانغتشو متعاونة وتولي اهتماما متزايدا بالمدرسة، مضيفا أن المدرسة تشكل جزءا من التبادل الثقافي الصيني ــ العربي، وتلعب دورا حيويا في الحفاظ على الخصائص اللغوية والثقافية للطلاب وتساعدهم في فهم الصين والتعامل معها بشكل أفضل لأن المدرسة تضع اللغة الصينية بين مناهجها.

وبعد التحاق أبنائه الثلاثة بمدرسة كانتون، أصبح وضع رجل الأعمال اليمني الحداد أكثر استقرارا، ففي الوقت ينشغل فيه بأعماله التجارية بكل حماسة، يعكف على تأمل موضوع مبادرة الحزام والطريق. ويعتزم كونه رئيس العلاقات العامة في منتدى رجال الأعمال العرب في الصين، إقامة منتدى يعرّف التجار العرب الآخرين على هذه المبادرة والفرص الكامنة فيها.

والطموح الأكبر الذي لا يفارق خياله يكمن في دراسة الدكتوراه حيث يعتزم إقامة أطروحة الدكتوراه حول إمكانات توسيع آفاق التعاون الاقتصادي الصيني ــ العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق، ويقول "لقد بلغت من العمر 45 ربيعا، وفي هذا العمر أرى أن عليّ التفكير في خدمة المجتمع اليمني بوجه خاص والعربي بوجه عام من خلال دراساتي".

ألصق عنوان البريد الإلكتروني لصديقك في الفراغ اليمين لإرساله هذه المقالة العودة الى الأعلى
arabic.news.cn

((أهم الموضوعات الدولية)) مقالة خاصة: 30 ألفا من رجال الأعمال العرب في قوانغدونغ الصينية... أضواء على عملهم وحياتهم

新华社 | 2017-03-17 16:30:34

بكين 17 مارس 2017 (شينخوا) "الاستنساخ طريق مسدود والمحاكاة أسلوب مضلل والخطوات على الأرض تمثل نبضات القلب في مسيرة تلمس التقدم"، هكذا يؤمن رجل الأعمال اليمني عبد الملك الحداد الذي يقضى كل سبت في مكتبه الكائن في الطابق الـ41 من ناطحة سحاب بوسط قوانغتشو عاصمة مقاطعة قوانغدونغ في جنوب الصين، منكبا على دراسة الكتب وجمع المعلومات حول مبادرة الحزام والطريق.

فمع تزايد رجال الأعمال العرب في هذه المدينة الدولية الكبرى واحتدام المنافسة التجارية في السوق، يستشعر الحداد مدى إلحاحية الاطلاع أولا بأول على أوضاع الأسواق العالمية والإمكانات الكامنة في إستراتيجية الحزام والطريق الطموحة للبحث عن فرص تجارية جديدة، حيث يقول "إذا سد طريق، يمكنك أن تجد طريقا آخرا".

صحيح أن الحداد المنحدر من تعز اليمنية ليس من قدامى رجال الأعمال العرب الذين وفدوا إلى قوانغدونغ والبالغ عددهم نحو 30 ألفا، حيث جاء إليها قبل أكثر من خمس سنوات فقط، لكن نبرات حديثه تنم عن تفاؤل كبير بمستقبل تجارته إذ أكد خلال حديثه مرارا أن "الصين حافلة بالفرص إذا استطعت أن ترسم طريقك الخاص".

ــــ تجارب ونجاحات... رجال أعمال عرب في قوانغدونغ

ومقارنة بعبد الملك الحداد، لاشك أن خليل القهوجي يعد من أوائل الذين بدأوا في مزاولة أنشطة تجارية في قوانغدونغ إن لم يكن الأول. فمنذ ثلاثين عاما،أي في عام 1986 قدم من الأردن إلى الصين لاستكمال دراسته في جامعة بشانغهاي كطالب وافد في إطار برنامج تبادل تعليمي. وبعد تخرجه في تسعينات القرن الماضي، اختار مدينة قوانغتشو لفتح نشاطه نظرا "لقربها من هونغ كونغ"، على حد قوله.

توصف قوانغتشو بأنها أقدم بوابة تجارية للصين على الخارج وتتسم بموقعها الجيولوجي المتميز وتقاليدها التجارية العريقة، وكانت أهم ميناء شرقي عرفه التجار العرب على طريق الحرير البحري قبل ما يزيد عن ألف عام وأسموه "كانتون" في قديم الزمان. كما تعد قوانغتشو إحدى أوائل المدن التي شرعت في تنفيذ سياسات اقتصادية واستثمارية خاصة بعيد ولوج الصين عهد الإصلاح والانفتاح.

ويتذكر القهوجي أنه قبل عشرين عاما، لم تكن إجراءات التصدير سهلة، "لا نقول صعبة ولكن مقيدة"، حيث كانت الصفقات التجارية لا تنفذ إلا عبر شركات تصدير حكومية، كما كان رجال الأعمال العرب يتعاملون مع الصين مباشرة إما من خلال "معرض كانتون" السنوي أو عن طريق وساطة في هونغ كونغ.

ولكن بفضل مثابرته وتحسن البيئة التجارية، استقرت أحوال التاجر الأردني فتزوج من امرأة صينية وأصبح رجل أعمال متخصصا في تصدير مختلف السلع صينية الصنع إلى البلدان العربية.

ويتفق معه في الرأى الأردني عرفات الحراحشة، الذي يقيم في الصين منذ ثلاثة عقود أيضا، مؤكدا أن "التجارة الآن أصبحت سهلة والتفاهم مع الصينيين أسهل. وذلك على نقيض الماضي، فالتجارة كبيرة كانت أم صغيرة مرحب بها في الصين".

ويقيم الحراحشة الآن في مدينة شنتشن، وهي مدينة قريبة من قوانغتشو وتعد إحدى المدن المتطورة في جنوب الصين وصارت مقرا لعدد من الشركات الصينية الكبرى ومنها هواوي وتنسنت (شركة ويتشات). ويمتلك الحراحشة هناك شركة توظف 15 صينيا وتعمل على تصدير خطوط الإنتاج إلى الوطن العربي. وحتى الآن تمكنت شركته من تصدير نحو مائة خط إنتاج إلى بلدان عربية.

ومن أجل تقديم النصح والمشورة للجاليات العربية ومساعدتها في حل مشاكلها والتعامل مع الجهات الرسمية الصينية، تم تأسيس مجلس الجاليات العربية في جنوب الصين عام 2008، وأصبح رجل الأعمال اليمني أحمد اليافعي رئيسا له بالتذكية.

ومازال اليافعي الذي يحمل أيضا الجنسية الكندية يتذكر صفقته الأولى في الصين. ففي عام 1999 اشترى كمية كبيرة من قداحات السجائر خلال فعاليات معرض كانتون واستعد لتصديرها إلى الولايات المتحدة،لكنها لم تكن مطابقة للمواصفات الأمريكية، فصودرت كاملة.

ويتحدث وعلامات الهدوء ترتسم على وجهه قائلا "خسرتُ خمسين ألف دولار أمريكي"، مضيفا "هذه هي التجارة...التجارة نتعلمها هكذا من الربح والخسارة".

وارتكازا على خبراته الوافرة، تطورت تجارة اليافعي بسرعة لدرجة أنه أثناء ذروة العمل استأجر طابقا كاملا من عمارة إدارية بحي مكتظ بالجاليات العربية والأجنبية وسط قوانغتشو. أما الآن فمازالت شركته تصدر ما يتراوح بين 150 و200 حاوية من السلع الصينية سنويا إلى الوطن العربي وبلدان غربية.

ويتحدث التجار العرب الثلاثة عن مزايا التجارة الإلكترونية المزدهرة في الصين، قائلين إنهم كانوا يقضون معظم أوقاتهم في السفر بحثا عن بضائع ذات جودة عالية وأسعار مقبولة، لكن الشراء عبر الانترنت في الصين الآن يوفر الكثير من الجهد والوقت والمال.

وبفضل التجارة الإلكترونية رسم رجال الأعمال اليمني عبد الملك الحداد طريقا جديدا للنجاح. فبينما ينشغل في تصدير إكسسوارات الهاتف الجوال وسلع إلكترونية، يعكف أيضا على إدارة موقع خاص لبيع الملابس الجاهزة إلى الوطن العربي حيث يوظف فرقا فنية صينية وهندية ويمنية لتأسيس وصيانة موقع تجارة إلكتروني ويخصص 9 موظفين صينيين لديه لمهمة شراء البضائع من المصانع الصينية مباشرة وشحنها إلى الزبائن العرب.

"الصفقات جيدة"، هكذا يقول الحداد، إذ يمكنه بيع نحو ثلاثمائة أو خمسمائة قطعة من الملابس يوميا حسب موسم الشراء عبر هذا الطريق الحديث المتميز.

ويقول "في التجارة إذا شققت طريقك الخاص لتنفيذ الأعمال التجارية سيتكلل عملك بالنجاح"، مؤكدا ضرورة أن "تميز نفسك في السوق وتلتزم بالتركيز على المصادر والمصانع الجيدة وتهتم بتقديم خدمة ما بعد البيع للزبائن، وذلك سيضمن أن تكون بعيدا عن المنافسة".

ــ الأمان والتناغم ... سمة الحياة في قوانغدونغ

ووفقا للسجلات التاريخية، أصبحت مدينة قوانغتشو بالفعل أكبر ميناء في الشرق خلال عهد أسرة تانغ (618 - 907) حيث بلغ عدد الجاليات الأجنبية بها آنذاك مائة ألف معظمهم من العرب. وحتى يومنا هذا، مازالت المطاعم الإسلامية ومحال المنتجات الحلال منتشرة في أحياء المدينة، وهو ما يسهل المعيشة اليومية لرجال الأعمال العرب.

وطبعا أكثر ما يعجبهم في الصين هو الأمان. فيقول اليافعي إن الصين بلد آمن حقا حيث "لم أتعرض لأي حوادث سرقة منذ مجيئ إلى هنا قبل نحو 17عاما. أما في الولايات المتحدة فصوبت مسدسات على رأسي عدة مرات لسرقة ما بحوزتي"، هكذا يتذكر التاجر المخضرم.

وتزوج اليافعي من امرأة صينية وأنجب منها طفلتين. كما اشترى شقة قبل سنوات واعتبر ذلك "صفقة مربحة" في ضوء الارتفاع الصاروخي في أسعار العقارات بالصين.

وكما فعل اليافعي، أصبح القهوجي أيضا نسيبا لعائلة صينية. ويعترف بأنه كان هناك بعض الخلافات في بداية الزواج. ولكن "في النهاية عندما يأتي الاختلاط والتعارف عن قرب، صارا والد زوجتي في مقام والدي الحقيقي ويعاملني كابنه مائة في المائة ويقول لي إنك أحسن أولادي"، هكذا يتحدث القهوجي ضاحكا.

وسبق للقهوجي أن اصطحب ابنه وابنته مرات إلى الأردن في زيارة للعائلة. ووجدهما لا يستغربان الحياة هناك ويشعران بالسعادة، "لكنني، على العكس منهما، لا أتعود على الحياة سوى في الصين".

ويقول "إننا لا نشعر بالتمييز، بل نشعر بالاستقرار والراحة هنا".

ومن جانبه يشير الحراحشة إلى أن قوانغتشو تتميز بتقبل الأجانب، حيث يتبنى سكانها موقفا أكثر انفتاحا وتسامحا عند تعاملهم مع الجاليات الأجنبية، ويضيف "نشعر نحن العرب أن تقاربنا مع الصين أكثر منه مع الغرب لأننا جميعا من الشرقيين".

ويضيف القهوجي أن في الثقافتين الصينية والعربية قواسم مشتركة كثيرة، مثل المفاهيم العائلية واحترام الآخرين كبارا كانوا أم صغارا.

وفي الواقع يعتبر الكثير من المسلمين المحليين في قوانغتشو من ذرية التجار العرب القدامى ويحافظون حتى الآن على عاداتهم الإسلامية. ففي وسط المدينة يوجد جامع عريق اسمه "هوايشنغ" يرجع تاريخ بنائه إلى القرن السابع ويجمع بين خصائص العمارة الصينية الكلاسيكية والإسلامية، حيث يفد إليه المسلمون الصينيون والأجانب لأداء الصلاة بكل حرية.

ومعلقا على ذلك، يقول الحداد إنه يصلي الجمعة في مسجد قرب مكتبه، حيث يشعر بالأمان مع تواجد رجال الشرطة لضمان النظام والمرور وبتقبل السكان المحليين غير المسلمين لأدائهم لشعائر الصلاة.

وبالنسبة إلى رجل أعمال عربي حضر ومعه أولاده إلى الصين مثل الحداد، فهو يفضل الحاقهم بمدرسة عربية. ونظرا لهذه الاعتبارات، شيدت مدرسة عربية خاصة قبل أربع سنوات، ألا وهي مدرسة كانتون التي تقبل الطلاب في جميع المراحل التعليمية بدءا من رياض الأطفال حتى المرحلة الثانوية ويدرس فيها حاليا نحو أربعمائة طالب عربي، معظمهم من اليمنيين، ويقوم على العملية التعليمية فيها أكثر من 30 معلما عربيا مهنيا وأكثر من 10 معلمين صينيين.

ومن جانبه، ذكر تساو جيان لين المتخصص في إقامة مدارس دولية والمتعاون مع مجلس إدارة المدرسة العربية في الوساطة مع الجهات الحكومية المعنية أن عدد الطلاب العرب والهنود تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، في توجه يتفوق على عدد الطلاب الكوريين واليابانيين.

ويؤكد على أهمية انتهاج النهج التعليمي العربي، فيقول إن العرب حريصون على دينهم ولغتهم، وهذا أمر جدير بالاحترام حقا.

ومن جانبه يقول الدكتور حسين العاقل رئيس مجلس إدارة مدرسة كانتون إن حكومة قوانغتشو متعاونة وتولي اهتماما متزايدا بالمدرسة، مضيفا أن المدرسة تشكل جزءا من التبادل الثقافي الصيني ــ العربي، وتلعب دورا حيويا في الحفاظ على الخصائص اللغوية والثقافية للطلاب وتساعدهم في فهم الصين والتعامل معها بشكل أفضل لأن المدرسة تضع اللغة الصينية بين مناهجها.

وبعد التحاق أبنائه الثلاثة بمدرسة كانتون، أصبح وضع رجل الأعمال اليمني الحداد أكثر استقرارا، ففي الوقت ينشغل فيه بأعماله التجارية بكل حماسة، يعكف على تأمل موضوع مبادرة الحزام والطريق. ويعتزم كونه رئيس العلاقات العامة في منتدى رجال الأعمال العرب في الصين، إقامة منتدى يعرّف التجار العرب الآخرين على هذه المبادرة والفرص الكامنة فيها.

والطموح الأكبر الذي لا يفارق خياله يكمن في دراسة الدكتوراه حيث يعتزم إقامة أطروحة الدكتوراه حول إمكانات توسيع آفاق التعاون الاقتصادي الصيني ــ العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق، ويقول "لقد بلغت من العمر 45 ربيعا، وفي هذا العمر أرى أن عليّ التفكير في خدمة المجتمع اليمني بوجه خاص والعربي بوجه عام من خلال دراساتي".

الصور

010020070790000000000000011101451361369231