بقلم شوي تشينغ قوه
بكين 12 مايو 2017 ( شينخوا ) لا شك أن المرحلة الحالية التي يمر بها العالم العربي هي مرحلة صعبة للغاية، بل يرى بعض المراقبين، وأنا منهم، أن المأساة التي يعيشها اليوم العالم العربي إجمالا، ليست مأساة سياسية واجتماعية وأمنية فقط، بل هي مأساة حضارية بامتياز، يتجلى ذلك في واقع مؤلم ذي دلالة رمزية هامة، إذ أن عواصم العصور العربية الباهرة عبر مراحلها التاريخية، وهي دمشق عاصمة العصر الأموي، وبغداد عاصمة العصر العباسي، والقاهرة عاصمة الدولة الفاطمية، كلها تمر، وإن بدرجات متفاوتة، بأصعب وأخطر أوقاتها منذ عقود أو قرون من الزمن، ذلك إضافة إلى أن اليمن وليبيا والصومال تكتوي بنيران الحرب الأهلية والطائفية، والشعب الفلسطيني لا يزال يرزح تحت نير الاحتلال والاستيطان ...
هكذا، يغلب على صورة العالم العربي اللون القاتم، وإن لم تخل سماؤه من تألقات تتجسد في مظاهر الأمن والاستقرار والرخاء التي تنعم بها بعض الدول العربية، وخاصة دول الخليج. والسؤال المطروح هنا: إلى أين تتجه الأمة العربية؟ أو أين المخرج؟
في هذا السياق، تكتسب مبادرة "الحزام والطريق" الصينية أهميتها بالنسبة للعرب، لأنها تُطرح كتصور بديل لحل المشاكل في الشرق الأوسط، تصور يتركز على التنمية والبناء من الناحية المادية، وعلى السلام والتعاون والكسب المشترك من الناحية المعنوية.
ماديا، تعني هذه المبادرة التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ لأول مرة في عام 2013، مشاريع تنموية هائلة ومتنوعة تشارك فيها أكثر من 60 دولة على طول "الحزام والطريق" بما فيها معظم الدول العربية، مشاريع تتعلق بشق الطرق ومد سكك الحديد، وبناء المنشآت الأساسية لضمان سلاسة الشحن البري والبحري والجوي، والممرات العابرة للحدود للطاقة الكهربائية، إضافة إلى توصيل كابلات وشبكات الاتصال التي تسمى مجازا بـ "طريق الحرير المعلوماتي"، وإنشاء مناطق التجارة الحرة لتنشيط التجارة، وتنمية الأعمال التجارية الإلكترونية العابرة للحدود، والتعاون في تطوير الطاقات النظيفة والمتجددة، وفي الحفاظ على التنوع البيولوجي ومواجهة التغير المناخي لبناء "طريق الحرير الأخضر"... لا شك أن هذه المشاريع التنموية الكثيرة، إذا تحولت من الورق إلى الواقع، ستحسن مرافق البنية التحتية وترفع القدرة الإنتاجية والتصنيعية للدول العربية إلى حد كبير، مما يساهم في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وتحسين معيشة الشعب في هذه الدول.
إلا أن المغزى الأكبر للمبادرة الصينية بالنسبة للعرب، في رأيي، يتجلى في الناحية غير المادية. صحيح أن الشرق الأوسط يشهد اليوم اضطرابات خطيرة وحروبا طاحنة، مما يشكل تحديات كبيرة لتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق"، ولكنه في الوقت نفسه يعطي هذه المبادرة قيمة أكبر، ذلك لأنها تتيح لبلدان المنطقة الفرصة لتكوين وحدة مصيرية مشتركة، تربط بينها مصالح تنموية تشاركية، مثل شبكات المواصلات الحديثة، ومناطق التجارة الحرة، وأنابيب النفط والغاز، وقنوات كبرى لنقل المياه إلخ، فتجد في التعاون والتناسق بينها فوائد أكبر بكثير من التنابذ والتصارع، الأمر الذي قد يجبر صنّاع القرار في المنطقة على إعادة النظر في سياساتهم، حتى يحل مبدأ الكسب المشترك محل المعادلة الصفرية وعقلية الغالب والمغلوب. من هنا يمكن أن تقدم المبادرة الصينية تصورا جديدا لحل النزاعات. ولا شك أنه ليس من السهل لبلدان المنطقة المتنازعة قبول هذا التصور على المدى القريب، ولكن، في اعتقادي، أن عددا متزايدا من الناس وخاصة النخبة الثقافية والسياسية ستدرك، عاجلا أم آجلا، عواقب الصراعات المزمنة التي لن تؤدي إلا إلى طريق مسدود، وإلى دوامة لا تنتهي إلا باستنزاف ثروات وقدرات شعوب المنطقة جميعا. فضلا عن ذلك، إن الفرص التنموية الكثيرة التي تجلبها هذه المبادرة ستعود بفوائد على المنطقة، وتساهم في القضاء على الفقر وإزالة تربة التطرف والإرهاب.
لذلك، من المهم بمكان إحياء مبادئ السلام والتعاون والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، التي شكلت روح طريق الحرير في العصور القديمة، لأن تكون روح مبادرة الحزام والطريق في وقتنا الحاضر. وأميل إلى القول إن هذه الروح هي أهم منتج معنوي تصدّره الصين إلى الشرق الأوسط حيث يعتبر هذا المنتج سلعة نادرة، ولا تقل أهميته عن أهمية المنتجات والتكنولوجيا والرأسمال والأجهزة الصينية.
وقد يتساءل بعض الناس في منطقة الشرق الأوسط هل تعني هذه المبادرة الصينية وجوب خيار العرب بين الاصطفاف مع الصين أو مع أمريكا؟ فالجواب أن هذا التساؤل إنما نابع عن سوء الفهم لطبيعة المبادرة. إن بناء الحزام والطريق، على حد قول الرئيس الصيني شي جين بينغ، "يلتزم بمبادئ التشاور والتشارك والتقاسم، إنه ليس مغلقا حصريا بل هو منفتح احتوائي، إنه ليس عزفا منفردا للصين وحدها، بل هو عزف جماعي للدول المعنية، كما أنه مفتوح على جميع دول العالم". فليس "الحزام والطريق"، حسب الرؤية الصينية، حلبة سباق بين الصين وأمريكا باعتبارهما أكبر اقتصاديين في العالم، إنما ساحة واسعة لاستكشاف نمط جديد من العلاقات بين الدول الكبرى، نمط يمكن تلخيصه بعبارة "وحدة مصيرية مشتركة". وتجسيدا لهذه الرؤية، عبر الرئيس الصيني عن ترحيب الصين بالولايات المتحدة للاشتراك في التعاون في إطار بناء "الحزام والطريق" أثناء لقائه بنظيره الأمريكي دونالد ترامب في أوائل الشهر الماضي. لذا، فلن تعني مشاركة العرب في مبادرة الحزام والطريق التضحية بعلاقاتهم مع أي دولة في العالم.
والجدير بالذكر أن المبادرة الصينية تلتقي بالرؤى التنموية التي طرحت في السنوات الأخيرة في العديد من الدول العربية، بما فيها رؤية 2030 السعودية، ورؤية 2035 الكويتية، ورؤية الإمارات لإحياء طريق الحرير، ومشروع تطوير منطقة الدقم الاقتصادية في سلطنة عمان، ومشروع تنمية محور قناة السويس في مصر وغيرها، لذلك نرى أن جميع الدول العربية أبدت ترحيبها الحار بالمبادرة الصينية واستعدادها للتعاون مع الصين والدول المعنية، وانضمت سبع دول عربية إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية )AIIB( كأعضاء مؤسسة منذ انطلاقه عام 2014. أما الصين، فقد عبرت بدورها عن نيتها القوية في المساهمة في بناء المشاريع العربية المتنوعة في إطار التعاون الصيني العربي لتفعيل مبادرة "الحزام والطريق".
هكذا، تعني مبادرة "الحزام والطريق" آفاقا واسعة للغاية للتعاون الصيني العربي في الحاضر وفي المستقبل.
شوي تشينغ قوه: باحث في الشؤون العربية ومدير مركز الشيخ زايد للغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين