بكين 13 مايو 2017 (شينخوا) قبل نحو ألفي عام ، بدأ التجار والقوافل بالتحرك شرقا وغربا على طول طريق الحرير، لتجارة البضائع والتكنولوجيا. أما اليوم؛ فإن طريق الحرير الحديث الذي يعيش طور التشكل، يعود للتألق من جديد، جاذبا الاستثمارات والازدهار المشترك.
لقد حظيت مبادرة الحزام والطريق بقوة جذب كبيرة منذ طرحها من قبل الصين في العام 2013، حيث تتألف من من الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ 21، بهدف بناء شبكة تجارة وبنى تحتية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا على حد سواء، وتتجاوز ذلك لتتعدى حدود طرق التجارة القديمة.
ومن المقرر أن ينعقد منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، الذي يعتبر أعلى لقاء دولي حتى الآن حول المبادرة، وذلك في العاصمة الصينية بكين يومي الأحد والاثنين المقبلين، حيث سيحضره 29 رئيس دولة ورئيس حكومة.
وحول هذا المنتدى، قال شيانغ جون يونغ، الباحث في جامعة الشعب الصينية، والذي يتابع تطورات المبادرة المعنية:" إن العديد من المشاريع الكبيرة قد دفعت قدما نحو قمة المبادرة، وقد تم وضع النقاط على الحروف لترسم شكل الصورة الكبيرة التي تصورتها الصين".
وأضاف شيانغ :" إن البنية الأساسية لطريق الحرير الحديث قد أخذت شكلها تقريبا، من خلال روابط أفضل بين المدن الواقعة على طول الطرق، ومناطق التجارة، والممرات الاقتصادية الدولية والموانئ الأفضل".
وتدعم أكثر من 100 دولة ومنظمة دولية المبادرة، فيما وقعت الصين على اتفاقيات مع 40 منها على الأقل .
وبحسب ما أشارت إليه بيانات رسمية صادرة فإن الصين استثمرت أكثر من 50 مليار دولار أمريكي في الدول المشمولة بالمبادرة بين عامي 2014 و 2016.
كما تم بناء 56 منطقة تعاون تجاري واقتصادي من قبل الشركات الصينية في الدول الواقعة على طول مبادرة الحزام والطريق، لتخلق ما يقرب من 1.1 مليار دولار أمريكي من عائدات الضرائب وتوفر 180 ألف فرصة عمل محلية.
حيوية جديدة
وبمناسبة الحديث عن تطور المبادرة، قال فانغ آي تشينغ، نائب وزير التجارة الصيني :" إن طريق الحرير الجديد لا يعني بأي شكل من الأشكال اتجاها صينيا خاصا، بل على العكس من ذلك، إنها طريق عظيم لاستيعاب الازدهار للعديد من الدول".
وأضاف فانغ، عندما يواجه الاقتصاد العالمي مشكلة النمو الضعيف، فإن الطلب الضعيف مصحوبا بالتقلبات المالية تكتنف كل زاوية، ولذلك، فإن مبادرة الحزام والطريق التي تستهدف النمو وإعادة التوازن للاقتصاد العالمي، تشكل حلا معقولا ومرغوبا لكل تلك المشاكل.
وتابع فانغ :" إن معظم الدول على طول الحزام والطريق تعتبر دولا نامية تتعطش نحو تحقيق أداء اقتصادي أفضل وتكامل اقتصادي إقليمي".
وتلتحم مبادرة الحزام والطريق الصينية مع استراتيجيات التنمية الفردية لمختلف الدول، مثل أستراليا وكمبوديا وكازاخستان وبولندا وتركيا وفيتنام. ولذلك؛ فإن مشاريع السكك الحديد والموانئ وأنابيب نقل النفط ومشاريع البنى التحتية الأخرى قد تم بناؤها، فيما تستمر التبادلات الثقافية والتعليمية والسياحية والآثارية بين مختلف الدول المعنية.
يبعد المجمع الصيني-التايلاندي الصناعي في رايونغ، عن العاصمة بانكوك بنحو 200 كيلو متر تقريبا، ويعتبر واحدا من أنجح المناطق الاقتصادية ، حيث يستضيف نحو 90 شركة توفر الوظائف لـ 20 ألف محلي.
وقال وانغ جيان يي رئيس مجموعة فوتونغ الصينية لتزويد الألياف البصرية، التي تمتلك مصنعا في المجمع الصناعي المذكور:" لقد أحضرنا تكنولوجيا متقدمة للمستخدمين المحليين هنا".
وحاليا؛ يتم تسيير نحو 4200 رحلة جوية مباشرة أسبوعيا تربط الصين مع 43 دولة ضمن مبادرة الحزام والطريق، فيما تم زيادة تسهيل إجراءات العبور الحدودية على خطوط السكك الحديد، مع 39 خطا لقطارات الشحن بين الصين-أوروبا تعمل قيد الخدمة حاليا.
أما بالنسبة لقطارات الحاويات بين الصين-أوروبا فإنها تشحن سلعا مثل الحواسب المحمولة والسيراميك ومعدات التنقيب عن النفط إلى أوروبا، وتعود محملة بسلع أخرى مثل المواد الغذائية والنبيذ وحليب الأطفال.
وتقوم أعداد متزايدة من الشركات الصينية والأجنبية بشحن المزيد من البضائع عبر شبكات السكك الحديد من مدن مثل تشنغدو و تشونغتشينغ في الصين.
وقال وو تشون قنغ وزير النقل الصيني :" يعتبر ترابط النقل عنصرا أساسيا في مبادرة الحزام والطريق" مضيفا إن الصين وقعت أكثر من 130 اتفاقية نقل ثنائي وإقليمي.
حكمة الشرق تبرز من جديد
قبل نحو 1300 عام مضت، تجمع الآلاف من تجار التجزئة واالتجار في الأسواق الشرقية والغربية لما بات يعرف اليوم بمدينة شيآن، حاضرة مقاطعة شنشي بشمال غربي الصين، وقد كانت تلك الأسواق معروفة ومشهورة على طول طريق الحرير القديم.
وقال وانغ بين المشرف على متحف السوق الغربي لعهد أسرة تانغ (618-907) :" إن الناس أحضروا الحرير والشاي إلى هنا، ونقلوهم بعيدا إلى الشرق الأوسط وأوروبا، فيما عادت القوافل في المقابل محملة بتوابل الفلفل والقرنفل وغيرها "
وأضاف وانغ :" فترة ازدهار هذه السوق، كانت تمثل أوقاتا من الازدهار والعيش الطيب للناس، واستمرت السوق الغربية لـ 320 عاما قبل أن تبدأ بالتقلص والانكماش ف النهاية بنهاية عهد أسرة تانغ".
وفيما يتواصل تنفيذ مبادرة الحزام والطريق، تتوسع خدمات السكك الحديد في شيآن، كما تم تأسيس منطقة تجارة حرة فيها.
وحول ذلك قال خه لي فنغ رئيس اللجنة الوطنية للإصلاح والتنمية :" إن طريق الحرير القديم حوّل المنازل والواحات الصغيرة إلى مدن كبيرة، وسمح بإجراء التبادلات بين أعظم حضارات العالم"، مضيفا بالقول :" نحتاج إلى تذكر حقيقة أن في بداية طريق الحرير، كانت الصين بلدا منفتحا إلى حد ما، ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، فإن الصين تهدف إلى انفتاح أكبر وازدهار مشترك".
وأضاف خه :" قد يصمت التاريخ لفترة، لكنه لا يختفي أبدا، ولقد حان الوقت لاستحضار خبرات الماضي لرسم صورة المستقبل".
لقد كان تعافي الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة الماضية صعبا وضعيفا، كما تباطأت التجارة والاستثمارات الدولية، فيما واجهت العولمة تحديات هائلة.
وقال خه :" بمواجهة تلك التحديات، فإننا نحتاج إلى استلهام الحكمة من أجدادنا والقيام بما يلزم لكسر حالة الجمود هذه".
ومن جانبه ثمّن غوباز سانيكيدز النائب السابق لرئيس البرلمان الجورجي مبادرة الحزام والطريق واصفا إياها بأنها طريق الحرير الجديد والعظيم .
الجميع على متن قطار التكنولوجيا
زادت الشركات الصينية حجم استثماراتها في الدول الواقعة على طول طرق مبادرة الحزام والطريق، وقامت ببناء المراكز التكنولوجية الدولية الخارجية وقواعد الصناعات التحويلية.
وقال تشانغ شياو دونغ رئيس رابطة تعزيز الصناعة لمبادرة الحزام والطريق في مجمع تشونغقوانتسون العلمي في بكين :" إن الشركات الصينية تتطور بسرعة، وخاصة شركات التكنولوجيا الفائقة. والعديد منها بات جاهزا لخلق القيمة ونشر تكنولوجياتها".
وعلى سبيل المثال لا الحصر، تعتبر شركة بكين المحدودة لتكنولوجيا المياه النقية، شركة متخصصة في مجال حلول المياه النقية والصافية في المجمع العلمي المذكور، وقد قامت بتطوير مرشحات عالية الجودة لتنقية المياه ومنع وجود أي تلوث فيها، كما أنها استثمرت أكثر من 150 مليون دولار أمريكي في برامج معالجة المياه في سلطنة عمان.
وفي هذا السياق قال يانغ هونغ مي نائب رئيس أكاديمية "توس" القابضة للأبحاث :" إن مناطق التكنولوجيا الفائقة الصينية والمجمعات الجامعية العلمية وغيرها من المراكز العلمية والبحثية تعكس نموذجا جيدا بالنسبة للدول النامية الأخرى ".