طرابلس 29 مايو 2017 (شينخوا) تمر ليبيا حاليا بجميع أقاليمها شرقا وغربا وجنوبا، بتطورات عسكرية ملفتة غيرت خارطة السيطرة وموازين القوى على الأرض.
وتوقع مراقبون أن يكون لتلك التطورات التي تشهدها الساحة الليبية خصوصا مع تقدم الجيش الذي يقوده خليفة حفتر شرقا وجنوبا وخسارة ما يسمى بالاسلام السياسي نفوذه غربا، الأثر الكبير في احداث تغير سياسي في ذلك البلد الذي يعيش أزمة وصراعا سياسيا وأمنيا خانقا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في العام 2011.
خروج الإسلام السياسي من المعادلة الأمنية والسياسية غربا
في الغرب الليبي، وتحديدا في العاصمة طرابلس تغير كل شىء تماما علي الأرض، فقد أطلقت مليشيات تابعة لحكومة الإنقاذ "الموازية" والتي تنتمي معظمها الى مدينة مصراتة أكبر قوى عسكرية في الغرب، عملية عسكرية سميت "فخر ليبيا" ضد مليشيات تابعة لحكومة الوفاق المنبثقة عن الحوار السياسي.
وسعت تلك القوى العسكرية، التي كانت تسيطر على نصف المدينة تقريبا، الى بسط نفوذها ولكنها خسرت المعركة تماما الأمر الذي أدى لانسحابها من العاصمة بحسب ما أقر الناطق باسم المجلس العسكري لمصراتة (تتبعه جميع مليشيات مصراتة المتواجدة في طرابلس) إبراهيم بيت المال.
واكد بيت المال انسحابهم مع آلياتهم العسكرية باتجاه مصراتة الأمر الذي اعتبره مراقبون خروجا لتلك القوى من اللعبة الأمنية والسياسية في المنطقة.
لم يقتصر المشهد في العاصمة فقط على خسارة مليشيات مصراتة القوية للمعركة بل تعدى لما اعتبر "خسارة الإسلام السياسي لجميع نفوذه" لاسيما وان مليشيات مصراتة الخاسرة هي التي تمثل ذلك التوجه، بحسب ما يرى الكاتب الصحفي الليبي معتز المجبري رئيس تحرير صحيفة (برنيق) أهم الإصدارات في شرق ليبيا.
وقال المجبري لوكالة ((شينخوا)) ان كتائب عملية فخر ليبيا التي خسرت معركة طرابلس هي "الجناح العسكري لتيار الإسلام السياسي الذي يقوده إداريا وفكريا وعقائديا خالد الشريف أمير الجماعة الليبية المقاتلة الذي هدم منزله أول أمس وعبد الحكيم بلحاج الهارب حاليا في تركيا إضافة للمفتي المعزول الصادق الغرياني الذي هوجم مقر دار إفتائه مساء أمس الأحد".
واعتبر انه "بخسارة تلك الكتائب وهروب واختفاء رموز تيار الإسلام السياسي، فان ذلك يعني انكسار ذلك التيار وخروجه من المعادلة الأمنية والسياسية بعد خسارته مواقعه وقوته التي كان يفاوض بها الدولة ".
وبالتالي من يسيطر علي طرابلس الآن هم مليشيات من المدينة توالي حكومة الوفاق ومن المرجح أن يكون لها تفاهم مستقبلا مع الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر بعكس تلك التي كانت تسيطر علي المدينة قبلها المتمثلة في كتائب الإسلام السياسي التي تناهض حفتر بشكل كبير جدا وترفض أي تفاهم معه.
تقدم للجيش جنوبا وقرب السيطرة
خسرت القوات نفسها المتمثلة في مليشيات مصراتة كثيرا من مواقعها أمام هجمات شنها الجيش الليبي وضرباته الجوية جنوبي ليبيا.
وبدأ الأمر بعد أن شنت مليشيات مصراتة المتمثلة في القوة الثالثة هجوما على قاعدة "براك الشاطئ" في الجنوب التي يتمركز بها اللواء 12 التابع للجيش الليبي ، ما ادى الى سقوط 141 قتيلا بينهم مدنيين وهو ما قوبل باستنكار محلي ودولي واسع.
ورد الجيش بعملية عسكرية تمكن من خلالها من طرد تلك المليشيات من أكثر مدينة ومن موقع لها من أهمها قاعدة "تمنهنت" الجوية في الجنوب والتي كانت تتمركز بها القوة الثالثة منذ ثلاثة أعوام.
ولم تتوقف خسائر مليشيات مصراتة عند سيطرة الجيش علي سبها وبراك وتمنهنت فقط بل أن الجيش يحاصر حاليا قاعدة "الجفرة" التي تعد أهم قاعدة عسكرية في جنوبي ليبيا على الإطلاق والتي تتمركز بها بقايا القوة الثالثة مصراتة الهاربة إليها ومليشيا متطرفة موالية لها وهي سرايا الدفاع عن بنغازي.
وتعتبر "الجفرة" آخر معاقل مليشيات الإسلام السياسي جنوبي البلاد وستمثل تقدما كبيرا لقوات الجيش التي يقودها المشير خليفة حفتر التي سيصبح بعدها كامل الجنوب تحت سيطرتها وهو أمر مهم خاصة بعد سيطرتها قبل اشهر علي وسط البلاد (الهلال النفطي) الذي يحوي أهم موانىء وآبار النفط في ليبيا.
ويرى المحلل السياسي الليبي صالح مبروك أن "الهجوم الذي شنته القوة الثالثة على قاعدة براك التابعة للجيش مصحوبة بمليشيا سرايا بنغازي ومليشيا احمد الحسناوي المطلوب الدولي كونه احد قادة تنظيم القاعدة كان القشة التي قسمت ظهر البعير".
وفسر مبروك حديثه بالقول "ان تلك المجزرة التي ارتكبتها القوات المهاجمة خلال الهجوم كان ضحيتها شباب عسكريون ومدنيون ينتمون لجميع قبائل وعائلات جنوب ليبيا وبالتالي كان ذلك سببا في ان تساند جميع كتائب الجنوب قوات الجيش في طرد مليشيات مصراتة والإسلام السياسي من قاعدة تمنهنت وجميع المدن هناك".
قصف جوي مصري شرقا
استمر الجيش الليبي في تقدمه وبسط سيطرته على المزيد من المواقع شرقي البلاد بعد تحرير مناطق القوارشة والعمارات وقاريونس ببنغازي خلال الشهر الماضي وهو الآن سيطر بشكل كامل تقريبا على شرقي البلاد من مدينة اجدابيا غربا حتى الحدود الليبية المصرية شرقا.
وما يعد خارج سيطرة الجيش في الشرق هي فقط أحياء الصابري وسوق الحوت وقد حقق فيهما الجيش تقدما خلال هذا الأسبوع معلنا سيطرته علي سوق العرب ومواقع أخري من المنطقتين اللتين تعتبران آخر معاقل تنظيم (أنصار الشريعة) و(داعش) وكتائب الثوار الإسلامية الموالية لمليشيات مصراتة.
أما ثاني البقاع الواقعة خارج سيطرة الجيش الليبي في شرقي البلاد هي مدينة درنة التي سيطرت عليها مليشيات إسلامية تطلق علي نفسها اسم (مجلس شورى مجاهدي درنة).
وبينما يحاصر الجيش المدينة منذ عامين إلا أن الأسبوع الحالي شهد تطورات عسكرية كبيرة تمثلت في اعلان مصر شن ضربات جوية لـ"معاقل الإرهاب في شرق ليبيا" ردا على هجوم شنه مسلحون على حافلات تقل أقباطا في محافظة المنيا المصرية مخلفين 29 قتيلا.
ورحب سلاح الجو في الجيش الليبي بقيادة حفتر بالعملية العسكرية المصرية مؤكدا أنه شارك في تلك الضربات التي استهدفت مواقع تنظيمات مسلحة في مدينة درنة ردا على الهجوم على الأقباط.
وقال سلاح الجو في قوات حفتر، في بيان إنه "بعد استهداف مقاتلات سلاح الجو العربي الليبي لعدة مواقع تابعة للتنظيمات الإرهابية في مدينة درنة، نفذت مقاتلاتنا عملية مشتركة مع القوات الجوية المصرية الجمعة في درنة".
وتأتي هذه العملية، بحسب سلاح الجو الليبي، "في إطار سلسلة عمليات تمهيداً لدخول القوات البرية لقواتنا المسلحة للمدينة وتحريرها من عبث الإرهابيين".
ويؤكد استاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية علي العبار ان كل تلك "التطورات المتسارعة في المشهد الأمني والعسكري في ليبيا ستولد بما لا يدع مجالا للشك تطورات وتحولات في المشهد السياسي".
ورأى الأكاديمي الليبي أن "الوضع والتموقع السياسي في ليبيا كان يبني طول السنوات الماضية على موازين القوة على الأرض والنفوذ العسكري وبالتالي أي تغيير يطرأ علي توزيع القوى يكون حتما مصاحبا لتغير سياسي وهذا ما سيحدث بعد تغيير موازين القوى وخروج تيار الإسلام السياسي من المعادلة وتقدمات الجيش في الشرق وجنوب البلاد".





