حلب، سوريا 14 أكتوبر 2017 (شينخوا) وسط ركام أبنية مهدمة، يجلس الستيني أبو صبحي يعد الشاي على موقد حطب أمام متجره في خان الحرير بمدينة حلب القديمة التي كانت أسواقها التاريخية تعج بالناس قبل ان تتحول الى مكان موحش جراء الحرب المستمرة في سوريا منذ أكثر من ست سنوات.
ويبيع أبو صبحي في متجره الصغير، أغطية الطاولات الصغيرة وأخرى لطاولات المائدة المصنوعة يدويا والتي اشتهرت بها مدينة حلب العريقة في هذه الصناعة منذ القدم.
وفي خلف المتجر، يوجد مستودع يضع فيه أبو صبحي بعض المنتجات التي نجت من الدمار يعيد ترتيبها والأمل يحدوه أن تعود الحياة الى الخان في هذا السوق المدمر بسبب المعارك بين مقاتلي المعارضة المسلحة والجيش السوري.
ويقول أبو صبحي، والذي ملأ الشيب لحيته الكثيفة "أتي إلى هنا كل يوم، وأفتح متجري الصغير وأرتب بضائعي المتبقية في مستودعي، أصنع الشاي على موقد الحطب، وانتظر أحدا ما ليشتري مني".
لكن ما يحصل عليه التاجر الحلبي من بيع البضائع البسيطة كما يقول لوكالة انباء ((شينخوا))، ليس كافيا لكسب لقمة العيش، لذلك فهو يعيش معتمدا على المدخرات التي كانت معه قبل الحرب عندما كان تاجرا غنيا.
وتابع ابو صبحي "أحيانا أجلس يومين دون أن أبيع قطعة واحدة، وفي الأيام الأخرى ربما أبيع قطعة أو اثنتين".
متجر أبوصبحي هو الوحيد الذي يفتح أبوابه في تلك المنطقة التي يرجع تاريخها إلى قرون عدة مضت، في رسالة أراد منها الرجل الستيني كما يقول دعوة باقي تجار حلب الى العودة لتدور عجلة الحياة من جديد في المكان.
"لست هنا لبيع الأشياء، أنا هنا حتى أعرف الناس أن هناك حياة في هذا السوق واشجع الاخرين كي يفتحوا محلاتهم، رغم أنني رجل كبير في السن" يقول أبوصبحي.
وسيطر الجيش السوري على كافة انحاء حلب القديمة بعد انسحاب مسلحي المعارضة في ديسمبر الماضي.
وعكست المشاهد في المنطقة حدة المعارك التي اندلعت بين طرفي الصراع ، فملامح بعض الاثار تكاد معدومة والبعض الاخر لم يتبق منه الا بقايا.
وافتخرت حلب على الدوام بماضيها المجيد الذي يظهر في كل مكان في العمارة ، القلعة ، الاسواق والبيوت القديمة.
وأعلنت المدينة القديمة بحلب في عام 1986 جزءا من التراث العالمي من قبل منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو).
ويستعيد أبوصبحي ذكرياته في المنطقة الذي جاء اليها في عام 1973، وكيف كانت الحياة في السوق صاخبة والحركة نشطة في خان الحرير.
ويشير التاجر الحلبي الى أن محله كان بالقرب من مقر مبنى الأحوال المدنية، وبجانبه كان هناك بنك كبير، الامر الذي جعل المنطقة مكتظة بالحركة ليلا ونهارا حيث كان يمضي وقتا طويلا في محله دون ان يشعر بالملل.
لكن عندما اندلعت الحرب، لم يكن لدى أبو صبحي شيء يستطيع القيام به، فغادر السوق على أن أمل أن يعود اليه في يوم من الأيام.
وفر أبو صبحي أولا إلى مدينة باب في ريف حلب، لكن الحرب لحقته إلى هناك، فوجد نفسه مضطرا للهروب مرة أخرى، لكن هذه المرة لجأ إلى ابنته في منطقة ميسلون في حلب.
وقال "عندما تم تحرير المنطقة من قبل الجيش السوري، عدت على الفور".
ولكن الرجل العجوز، وهو أب لأربعة أولاد ، لم يكن يتوقع أن يجد ماضيه في حالة خراب، فمتجره تضرر بشكل جزئي، والسوق قسم كبير منه احترق الامر الذي آلمه كثيرا.
وتابع يقول "عندما جئت لأول مرة بعد التحرير، وجدت بيتي مدمرا تماما، وذهبت بضائعي بقيمة 150 مليون ليرة سورية ، كما وجدت متجري قد دمر وكسر قلبي من الداخل".
وعلى الرغم من ان هذه الأسواق مدمرة، فإن الزائر إليها يستطيع أن يستشف من المواطنين كم كانت هذه المنطقة جميلة ورائعة، ومحط جذب للعديد من السواح.
ويقول أبو صبحي وهو يشير الى مشاهد الدمار حوله "لقد نشأت في هذا السوق وليس هناك مكان آخر ألجأ اليه، أود أن ابقى فيه حتى رمقي الأخير فروحي موجودة هنا".
وأعاد الجيش السوري بتحريره الجزء الشرقي من حلب في ديسمبر من عام 2016 ، الامل لأبوصبحي الذي عشق هذه البقعة من الأرض ليبدأ من نقطة الصفر.
ويقول أبو صبحي "عندما عدت بعد انتهاء الحرب، بدأت في إصلاح متجري واشكر الله أنا هنا الان من جديد، أنا في انتظار الناس لإعادة فتح محلاتهم التجارية في هذا السوق من أجل ان تعود الحياة له مرة أخرى، واذا عاد الناس فان السوق سيعود الى العمل من جديد".
ويأمل أبو صبحي أن تسرع الحكومة السورية في إصلاح دائرة الأحوال المدنية والبنك المجاور لتعود الحركة،الامر الذي سيشجع التجار على التفكير بشكل جدي في ترميم محلاتهم وإحياء المنطقة مرة أخرى.