الجزائر 12 ديسمبر 2017 (شينخوا) لم يكن العام 2017 عاديا بالنسبة للجزائر، وأظهر بأن البلد ما يزال يواجه تحديات سياسية واقتصادية صعبة للغاية زاده الوضع الإقليمي قتامة بسبب التهديدات الأمنية التي لا تزال قائمة في ليبيا بالخصوص وفي منطقة الساحل على العموم رغم الجهود التي تبذلها الجزائر لتحقيق السلم والاستقرار في المنطقة ولكن لم تكلل بالنجاح المطلوب.
وتكلف هذه التهديدات في كل مرة الجزائر مخصصات مالية كبيرة أثقلت كأهلها بالنظر إلى الوضع المالي الصعب الذي تشهده مع استمرار التراجع الحاد في عائداتها النفطية منذ العام 2014 واستمرارها في كل مرة في تخصيص نحو 15 مليار دولار أمريكي للدفاع والأمن وهي المخصصات التي أصبحت منذ سنوات تفوق ما ينفق على القطاعات الأخرى الحساسة.
على المستوى السياسي، يتعرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لانتقادات متكررة من المعارضة التي تطالب في كل مرة بإعلان عجز الرئيس عن أداء مهامه بسبب مرضه المزمن الذي يلازمه منذ العام 2013 وبالتالي الذهاب إلى انتخابات مبكرة لإنهاء هذا الوضع السياسي الذى تشهده البلاد.
وبالرغم من هذا الوضع إلا أن البلاد شهدت مرتين تنظيم انتخابات، الأولى في 4 مايو وتتعلق بالإنتخابات البرلمانية والثانية في 23 نوفمبر وهي انتخابات مجالس البلديات والمحافظات، وقد كرست هذه الانتخابات سيطرة حزبي السلطة جبهة التحرير الوطني التي يرأسها شرفيا الرئيس بوتفليقة والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يقوده رئيس الوزراء أحمد أويحيى، وسط اتهامات وجهتها المعارضة إلى السلطة بتزوير الانتخابات لصالح أحزابها.
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر الدكتور نور الدين بكيس، لوكالة أنباء ((شينخوا))، أعتقد أن العام 2017 مر على الجزائريين بكثير من الهدوء السياسي مقارنة بالاستحقاقات السياسية التي شهدها بحيث في ظل تزايد حدة الأزمة الاقتصادية و تغير خطاب السلطة الذي انتقل من التمكين المبالغ فيه إلى استنفار المواطنين من خطر وتداعيات الأزمة الاقتصادية المتصاعدة.
وتابع " كان تنظيم الانتخابات التشريعية وانتخابات مجالس البلديات والمحافظات بمثابة اختبار حقيقي للسلطة بعد بداية الاعتراف بوقع الأزمة الاقتصادية بسبب تراجع أسعار المحروقات التي يعتمد عليها الاقتصاد الجزائري بشكل كلي، إلا أن كلا الموعدين السياسيين مرا على السلطة بكل هدوء واستقرار وأتاحا لها بإعادة إنتاج نفسها بدون رهانات وهو ما يزيد من تكريس الركود السياسي الذي تعيشه الجزائر تحت عناوين سيطرة أحزاب السلطة على المواعيد الانتخابية ".
وزاد من هذا الركود هشاشة المعارضة وعزوف الناخب الجزائري بسبب تدني نسب المشاركة بصورة تكاد تصبح سمة للانتخابات الجزائرية، لذلك أمكن القول إن العام 2017 كان بامتياز سنة الركود السياسي وإعادة إنتاج نفس المشهد السياسي السابق مع غياب رهانات سياسية حقيقية لدى المواطن الجزائري وبقاء الجبهة الاجتماعية والمطالب السوسيواقتصادية كمركز وحيد للساحة السياسية والاجتماعية في الجزائر.
من جانبه، يرى المحلل الاقتصادي الدكتور فارس مسدور أستاذ الاقتصاد بجامعة محافظة البليدة في حديث مع ((شينخوا)) أن العام 2017 شهد تراجعا في الموارد النفطية وهو ما أثر سلبا على ميزان المدفوعات والميزان التجاري الذي سجل عجزا بقيمة 9.5 مليار دولار أمريكي خلال الشهور العشرة الأولى من 2017.
وأضاف أن إجمالي الصادرات بلغ 28.67 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الواردات 38.18 مليار دولار، وشكلت فيها الصادرات النفطية نسبة 94.8 في المائة من إجمالي صادرات الجزائر حيث بلغت قيمتها 27.18 مليار دولار، بينما بلغت قيمة الواردات غير النفطية التي تبقى هامشية 1.49 مليار دولار.
وأوضح أن الحكومة تحاول بشكل أو بآخر أن تحقق التوازن لكن ذلك يستحيل نظرا لضعف الموارد وتزايد احتياجات الجزائر من السلع الأجنبية وكل ذلك رغم فرض الحكومة على المستوردين تراخيص خاصة لاستيراد السلع بهدف الحد من الواردات التي بلغت قيمتها حتى شهر أكتوبر 2017 أكثر من 27 مليار دولار أمريكي، إلا أن وتيرة الاستيراد بالنسبة لبعض القطاعات ما تزال قوية جدا خاصة وأن الجزائر لا تنتج تلك السلع وتستوردها بالكامل من الخارج.
ويضاف إلى ذلك قوانين المالية التي تبنتها الحكومة والتي فرضت من خلالها ضرائب أكثر على المواطنين ما أدى إلى ضغط ضريبي متزايد تتحدث تقارير على أنه يصل إلى حدود 67 بالمائة وهو خطير جدا بالنظر إلى أن الجزائريين اعتادوا البحبوحة المالية التي كانت متوفرة في سنوات سابقة التي شهدت وصول سعر برميل النفط إلى ما فوق 140 دولار.
كما أن مستويات التضخم تشهد تزايدا متسارعا فضلا عن أن قرار طبع النقود بدون تغطية كان من أخطر القرارات التي اتخذتها الحكومة وهي تدرك تماما بأنه سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد خاصة على مستوى ارتفاع مستويات التضخم إلى أكثر مما كانت عليه وبلوغها في 10 أشهر إلى 6 في المائة.
فضلا عن أن الجبهة الاجتماعية ما زالت تعاني معاناة كبيرة جدا خاصة وأن عدد الفقراء يتزايد باعتراف رسمي من الحكومة الجزائرية التي تحدثت عن 10 ملايين من الفقراء وفيما تقول تقارير دولية إن عددهم 13 مليونا من أصل 42 مليون جزائري، كما أن وتيرة إنجاز المشاريع الكبرى شهدت نسبيا تراجعا نتيجة تخلف الحكومة عن دفع مستحقات الشركات الجزائرية والأجنبية على حد سواء وهو ما دفع الرئيس بوتفليقة في اجتماع الحكومة الذي انعقد في نوفمبر الماضي إلى إصدار أمر بضرورة دفع هذه المستحقات التي بلغت قيمتها 400 مليار دينار (حوالي 3.5 مليار دولار أمريكي) من أجل إنهاء تلك المشاريع بالخصوص في مجال بناء الوحدات السكنية.
وحسب تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي شهر أكتوبر الماضي حول الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط، شمال إفريقيا، أفغانستان وباكستان، فإن نسبة النمو الاقتصادي في الجزائر شهدت تباطؤا بـ 1.5 بالمائة لتنخفض في 2018 إلى 0.8 في المائة بفعل التقليص المرتقب في النفقات العمومية قبل أن يرتفع إلى 2.4 بالمائة سنة 2022.
وسجل أن الدول المصدرة للنفط يبقى فيها ضعف الأسعار والتعديلات في الميزانية يؤثر على نموها غير النفطي، بينما يعاني النمو الشامل بدوره من آثار اتفاق تقليص إنتاج الخام الذي أقرته منظمة البلدان المصدرة للنفط.
وقدرت الحكومة الجزائرية نسبة العجز بـ 14 في المائة، بينما تتوقع أن تنخفض إلى 9 في المائة في 2017.
ولم يمنع الوضع المالي الصعب للبلاد بسبب التراجع الحاد لعائدات البلاد النفطية منذ 2014 والتي ستبلغ بنهاية 2017 نحو 31 مليار دولار حسب توقعات وزير الطاقة الجزائري مصطفى قيطوني، من اتخاذ الحكومة لقرار بتخصيص 1760 مليار دينار (حوالي 16 مليار دولار أمريكي) للتحويلات الإجتماعية مقابل 1630 مليار دينار العام 2017، وتوجه هذه التحويلات لسياسة الدعم التي تستهدف أساسا العائلات والسكن والصحة ودعم أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع مثل القمح والحبوب الأخرى والحليب والسكر والزيوت الغذائية.
على المستوى الإقليمي، ما تزال الجزائر تواجه تحديات أمنية بالنظر إلى الوضع المضطرب في دول الجوار بالخصوص الجارة ليبيا.
وقال المحلل السياسي اسماعيل معراف، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن التحديات التي تواجه الجزائر تتعلق أساسا بالمشاكل التي تحيط بها فالوضع الأمني متفجر في الساحل الافريقي وأيضا في ليبيا على وجه التحديد وتونس، وهي تشكل مخاطر أمنية حقيقية على أمن الجزائر، هذا ما جعل السلطات في الجزائر تقرر ميزانية إضافية للدفاع لم تتكلم عنها وسائل الإعلام في الجزائر لأنها اعتبرتها نوعا من القضايا الاستراتيجية الخاصة بالدفاع وتم التعتيم على الميزانية التي خصصت لوزارة الدفاع مثل إنشاء قاعدة عسكرية جزائرية على الحدود الليبية.
ومعروف أن طول الحدود بين الجزائر وليبيا تصل إلى 1200 كلم، بهدف حماية الجزائر من أخطار تدفق السلاح والمجموعات الإرهابية التي تشكل خطرا على استقرار الجزائر.
كما أن السلطات الجزائرية قررت وضع الجيش في حالة استنفار قصوى وما تبعه من تخصيص موازنة لمختلف النواحي العسكرية وضرورة أن يكون الجيش في حالة طوارئ دائمة، وتشكل هذه التحديات عبئا على الخزينة العمومية خاصة مع تراجع موارد الدولة جراء تراجع أسعار النفط.
يشار إلى أن الجزائر أنفقت فوق ذلك أكثر من 100 مليون دولار أمريكي في السنوات الـ 10 الأخيرة لتدريب وتسليح قوات خاصة من خمس دول في الساحل وهي مالي وتشاد والنيجر وموريتنايا وبوركينافاسو في مجال مكافحة الإرهاب، بحسب ما كشفه رئيس الوزراء أحمد أويحيى خلال انعقاد قمة الإتحاد الإفريقي - الإتحاد الأوروبي الأخيرة في السنغال.
وقال إن الحل السياسي الذي تدعو إليه الجزائر في ليبيا نابع من تجربتها في مكافحة الإرهاب ولكن أعتقد أن الخصوصية الموجودة في ليبيا تختلف عما هي عليه في الجزائر لأن الوضع الجزائري كان سهلا والشركاء السياسيين كلهم مشاركين في العملية السياسية وكان الهدف واحدا وبالنهاية الجزائر فتحت نقاشا ونجحت في المصالحة الوطنية، وهي تحاول الابقاء على هامش الاستقلالية والسيادة واعترفت ودعمت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا المعترف بها دوليا ونفس الوقت استقبلت خليفة حفتر.
وفي 17 ديسمبر 2015، تم توقيع وثيقة اتفاق سياسي بين أطراف النزاع السياسي في منتجع الصخيرات في المغرب تحت رعاية الأمم المتحدة لإنهاء حالة الانقسام في البلاد وتشكيل حكومة وفاق وطني، لم تحظ إلي اليوم بثقة برلمان طبرق الذي يطالب بتغيير عدة نقاط في الوثيقة.
وترأس الجزائر لجنة تتكفل بمسائل الأمن أنشأتها مجموعة دول جوار ليبيا التي تأسست في العام 2014 وتضم أيضا مصر وليبيا وتونس والسودان وتشاد والنيجر، وتعمل المجموعة على إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية في إطار حوار شامل بين القوى الوطنية الليبية، وتضم لجنة ثانية تتكفل بالمسائل السياسية وترأسها مصر.
ويعتقد معراف أنه كان لزاما إشراك الإسلاميين في ليبيا وهو ما لم يكن رغم أن الإسلاميين يسيطرون على بعض المناطق في ليبيا عسكريا، وقد تعاملوا معهم بنفس التجربة التي مرت بها الجزائر، أي بالسلاح، معتبرا أن الجزائر تجد صعوبة في تمرير المقاربة التي تؤمن بها من أجل حلحلة الوضع في ليبيا، والمبنية على الحل السياسي بإشراك الجميع ما عدا الجماعات الإرهابية المصنفة من الأمم المتحدة وحدها، دون الحل العسكري.