طرابلس 17 ديسمبر 2017 (شينخوا) يكمل الاتفاق الذي وقعه الفرقاء الليبيون في مدينة الصخيرات المغربية، اليوم (الأحد) عامين وهو لايزال يواجه تعثرا كبيرا في تنفيذه بسبب خلافات جوهرية حول بعض بنوده خصوصا المتعلقة بالسلطة التنفيذية وقيادة الجيش.
ويبرز جدل في ليبيا حاليا بشأن مصير الاتفاق الذي نص على تشكيل حكومة وفاق وطني تقود مرحلة انتقالية تنتهي باجراء الانتخابات في حدود عامين كحد أقصى.
ووقع الفرقاء الليبيون في 17 ديسمبر عام 2015 اتفاق الصخيرات بهدف ايجاد حل للانقسام والصراع المستمر في ليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011.
ووصف المجتمع الدولي الاتفاق في حينه بالتاريخي باعتباره يمهد الطريق أمام توحيد السلطة في ليبيا وتشكيل حكومة وحدة وطنية تستطيع مكافحة التنظيمات المتطرفة ومعالجة قضية الهجرة غير الشرعية عبر أراضي هذا البلد العربي الافريقي والتي تؤرق الدول المستقبلة لها وعلى رأسها أوروبا.
لكن مع مرور عامين على توقيع الاتفاق، لاتزال ليبيا تعاني الانقسام والصراع على السلطة وسط تدهور أمني واقتتال بين مجموعات مسلحة في البلاد.
الاتفاق بين الاستمرار والانتهاء
نص اتفاق الصخيرات على توحيد السلطتين المتنازعتين في ليبيا على الحكم في حكومة وحدة وطنية تقود مرحلة انتقالية تمتد لعامين وتنتهي بانتخابات تشريعية.
وتشكلت بموجب الاتفاق حكومة وفاق وطني برئاسة فائز السراج، لكنها لم تنجح منذ اعلان تشكيلها في الحصول على ثقة البرلمان نتيجة استمرار الخلافات.
ويترأس السراج كذلك المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا وتحظى بدعم الأمم المتحدة.
كما أتاح الاتفاق تشكيل مجلس أعلى للدولة ليقوم بمهام استشارية للجسمين الآخرين مجلس النواب والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.
لكن في مقابل حكومة السراج، توجد حكومة أخرى في شرقي البلاد غير معترف بها يدعمها مجلس النواب (البرلمان) وقوات "الجيش الوطني الليبي" التي يقودها المشير خليفة حفتر.
وعارض حفتر الذي عينه البرلمان قائدا عاما للجيش الليبي الاتفاق السياسي منذ البداية معتبرا انه "تضييع للوقت" رافضا الخضوع لسلطة حكومة الوفاق.
واعتبر رئيس لجنة الحوار بالمجلس الأعلى للدولة موسى فرج أن الاتفاق السياسي ينتهي بانتخاب مؤسسات دائمة حسب الدستور الذي لم يعرض على الاستفتاء من الأساس، مؤكدا ان الاتفاق لم يحدد تاريخا لانتهائه.
وقال فرج لوكالة أنباء ((شينخوا)) ان "الاتفاق السياسي ينتهي بانتخاب مؤسسات دائمة وفقا للدستور، ولم يتضمن (الاتفاق) تحديد تاريخ معين لانتهائه"، مشيرا الى أن مدة العامين خاصة بالحكومة بعد نيلها الثقة وهو ما نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة الاولى للاتفاق.
وحددت الفقرة الرابعة مدة ولاية حكومة الوفاق بعام واحد، وفي حال عدم الانتهاء من الدستور تجدد الولاية لعام اضافي وفي جميع الأحوال تنتهي ولاية الحكومة فور تشكيل السلطة التنفيذية بموجب الدستور الليبي أو انقضاء المدة المحددة أيهما أقرب، بحسب فرج.
وأضاف المسوؤل الليبي أن "البرلمان لم يمنح الثقة للحكومة حتى الآن، وعليه فان الاتفاق السياسي مستمر الى ان يتم اجراء انتخابات بموجب الدستور".
ولا يوجد في الاتفاق نص يحدد نهايته، حيث نصت مواده على استمرار عمل مجلس النواب (البرلمان) لحين انعقاد الجلسة الأولى للسلطة التشريعية بموجب الدستور، وهو ما يعني استمرار عمله لحين انتخاب برلمان جديد عقب اقرار الدستور.
أما فيما يتعلق بالمجلس الاعلى للدولة، فقد نص الاتفاق على أن ينتهي عمله بانتهاء عمل مجلس النواب.
وبالتالي، فان انتهاء مدة (مجلس النواب ومجلس الدولة) مرتبطة باجراء انتخابات تشريعية وانعقاد الجلسة الأولى للسلطة التشريعية بموجب الدستور في حين ان مدة حكومة الوفاق هي المحددة بـ"عامين".
لا بدائل للاتفاق
أكد مجلس الأمن الدولي الخميس، ان الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية "يبقى الاطار الوحيد القابل للاستمرار لانهاء الازمة السياسية في ليبيا".
واعتبر المجلس في بيان توافق عليه أعضاء المجلس الـ15، ان تطبيق الاتفاق يبقى المفتاح لتنظيم انتخابات وانهاء الانتقال السياسي مع رفض تحديد آجال من شأنها أن تعرقل العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.
ورأى النائب في البرلمان الليبي عمر غيث أن الاتفاق السياسي على الرغم من قصوره، يبقى الإطار الممكن للتسوية السياسية في البلاد.
وقال غيث لـ ((شينخوا)) ، ان "الاتفاق منذ البداية هش ومعيب ، ويحتاج إلى صياغة بطريقة تضمن تنفيذه وفق خارطة ملزمة لجميع الأطراف"، لافتا الى أن الاتفاق "أصبح مع مرور الوقت الإطار الوحيد لعدم وجود بديل يجعلنا نلتف حوله".
وتساءل النائب الليبي "اذا اتفقنا أن 17 ديسمبر هو نهاية الاتفاق، ما هو الوضع الذي ستكون عليه ليبيا بعده؟".
وحذر غيث من أن خطورة أن يقود الخلاف حول نهاية الاتفاق، إلى مدخل جديد للنزاع على الشرعية وربما يدفع أجساما سابقة لتعود وتتصدر المشهد بحجة أن الاجسام المنبثقة عن الاتفاق انتهت.
ويشاطر عضو مجلس الأعلى للدولة علي السويح ، النائب غيث، الرأي في عدم وجود بديل آخر عن الاتفاق.
وقال السويح ان من يعارض الاتفاق لم يأت بحل أو برنامج لإنهاء الانقسام حتى نلتف حوله جميعا.
ومضى قائلا "ذهبنا للاتفاق وتمسكنا به لأنه القشة المتبقية للشعب الليبي (...) ، المواطن سئم السياسيين ووعودهم، وللأسف وصل إلى مرحلة لا يهمه اتفاق الصخيرات او غيره ، فقط يريد تحسين وضعه المعيشي والاقتصادي ، وإعادة الاستقرار إلى البلاد التي أنهكتها التجاذبات بين السياسيين".
وأجاز البرلمان الليبي "صيغة توافقية" قدمها المبعوث الدولي الى ليبيا غسان سلامة في نوفمبر الماضي ، بشأن التعديلات على الاتفاق.
لكن مجلس الاعلى الدولة رفضها نافيا توافقه بشأنها خلال المفاوضات المشتركة مع البرلمان التي استضافتها تونس في سبتمبر وأكتوبر.
ويعترض المجلس، بحسب السويح، على المادة الثانية من المقترح التي تضمنت آلية اختيار المجلس الرئاسي وقصرت الاختيار على طرف واحد وهو مجلس النواب فيما أقصت المجلس الاعلى للدولة من ذلك.
وقال السويح إن الرابط بين المجلس الاعلى للدولة ومجلس النواب وفقا لنصوص الاتفاق "توافقي" والمرحلة الحالية لاتحتمل انفراد طرف واحد بالقرار السياسي والأمني والاقتصادي.
واعتبر السويح أن انفراد طرف واحد باختيار المجلس الرئاسي يخل بالتوافق والشراكة التي أكد أنها "عنوان هذه المرحلة".
تعديل الاتفاق ضرورة
يستعد البرلمان الليبي المنعقد في طبرق شرقي البلاد لعقد جلسة حاسمة قريبا لبحث تضمين تعديل الاتفاق بالإعلان الدستوري (الدستور المؤقت) دون الرجوع لمجلس الدولة.
وبموجب المادة 12 من الأحكام الإضافية لاتفاق الصخيرات، فإن أي تعديلات يرغب فيها البرلمان أو مجلس الدولة، يجب أن تتم عبر لجنة مشتركة، وأن يصوت عليها كل على حدة، لتمرير أي تعديل يطال الاتفاق.
ودعا النائب البرلماني عمر غيث لجنة الحوار بالمجلس الأعلى للدولة الى تغليب المصلحة العليا للبلاد على حساب الأهداف السياسية لبعض الأطراف.
وقال غيث ان المبعوث الدولي غسان سلامة أبلغ البرلمان أن لديه اتصالات مكثفة مع المجلس الأعلى للدولة لحل اشكالية رفض المقترح، مشيرا الى أن هناك مقترحات تتعلق بزيادة عدد المرشحين عبر قائمة الترشيح من 10 إلى 25 ، وهي تظل "مقترحات غير نهائية ينتظر التوافق بينها".
وبشأن المخاوف من اتخاذ البرلمان خطوة أحادية، بتضمين تعديل الاتفاق بالإعلان الدستوري دون الرجوع إلى مجلس الدولة أجاب غيث "نحاول حل الأمر وتجنب مثل هذه الخطوة التي قد نكون مضطرين لها".
واضاف "نطالب مجلس الدولة بتغليب المصلحة العليا وعدم إجبارنا على السير نحو تحرك لا نحبذه (...) نريد أن نتوافق على توحيد المؤسسات عبر حكومة واحدة، تسير بنا إلى استحقاق الانتخابات الذي سينهي كافة أشكال الانقسام والتشرذم".
وحول الخيارات المطروحة في حال فشل الاتفاق وفرصة تولي الجيش السلطة في البلاد، قال غيث انه " لا يوجد اتفاق أو إجماع على تفويض (قائد الجيش) المشير خليفة حفتر لإدارة البلاد".
وتابع "هذا الأمر غير ممكن لا من الناحية القانونية أو الشعبية ، وإن حدث سيعقد ويربك الوضع في ليبيا ، لأنه ربما تكون لقائد الجيش سلطة شرق البلاد، لكن غربها حيث المليشيات المسلحة فانها لن تقبل به، والجنوب أيضا منقسم حول الجيش".
وشدد غيث في السياق على ضرورة "دعم ما تبقى من فرص نجاح الاتفاق والإسراع في حسم ملف التعديل لقطع الطريق أمام أي طرف سياسي أو تيار ما ، يحاول توظيف الخلاف لصالح أجندة خاصة بالمقام الأول" بحسب تعبيره.
من جهته، رأى عضو مجلس الدولة علي السويح أن تعديل وهيكلة المجلس الرئاسي وإعفاء وزراء من حكومة الوفاق، ربما يكون حلا في حال تأخر تعديل الاتفاق السياسي، بجانب تغيير قيادات المناصب السيادية في إطار خطة توحيد مؤسسات الدولة.
وقال السويح ان "المراهنة على الحل العسكري، يعد غباء ومحاولة لإدخال ليبيا في نفق مظلم من جديد (...) لن نوجه السلاح ضد بعضنا خاصة وان الوضع في تحسن على مستوى المصالحات بين القبائل والمدن وإعادة اللحمة بين الشعب الليبي، الذي أرهقته النزاعات المسلحة طوال السنوات الماضية".





