بكين 18 ديسمبر 2017 (شينخوا) في الوقت الذي يتحرك فيه عام 2017 إلى مسافة أبعد في مرآة الرؤية الخلفية، يترك رسالة مختلطة. فهذا العام شهد الأمل والخوف في عالم يزداد تعقيدا وترابطا، والدعوة موجهة إلى جميع البلدان إلى أن تتضافر وتتحمل مسؤوليتها الواجبة.
-- عالم منقسم
لقد كان عاما من الاضطرابات التي جلبت موجة من التغييرات التي دلت على أن هناك عالما منقسما، حيث عادت بعض البلدان إلى النزعة القومية أو الحمائية أو الانفرادية. وواجهت العولمة رياحا سياسية معاكسة فيما سادت حالة من عدم الاستقرار وعدم اليقين.
فعلى الساحة الدولية، سحبت الولايات المتحدة الجسر المتحرك باسم حماية المصالح الوطنية. فمنذ توليه مهام منصبه في يناير، انسحب الرئيس دونالد ترامب أو هدد بالانسحاب من العديد من الاتفاقات الدولية بموجب سياسة "أمريكا أولا". وانسحبت واشنطن من اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ وانهت مشاركتها في الميثاق العالمي للهجرة، ما أدى إلى استياء حتى الحلفاء المقربين.
وعلى الصعيد المحلي، تعرضت إدارة ترامب لانتقادات بسبب التوترات العرقية والاثنية المتواصلة التي بدأت في الاندلاع منذ فترة ولاية سلفه باراك أوباما. وفي أغسطس، أصدرت لجنة أممية معنية بمعالجة العرقية "تحذيرا مبكرا" بشأن الأوضاع في الولايات المتحدة، ما دفع صحيفة ((الغارديان)) إلى التعليق بأنه عقب صدور هذا التحذير، "تبدأ صورة أمريكا في التصدع ".
وفي عام 2017، أضافت سلسلة من الانتخابات التي جرت في أنحاء أوروبا -- في هولندا، وفرنسا، وألمانيا، والنمسا-- إلى هذه الاضطرابات. فمع فشل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تشكيل حكومة أغلبية وإعرابها عن تفضلها إعادة الانتخابات، قد تواجه ميركل معركة أشد صرامة إذا ما أعيدت الانتخابات.
كما إنه عقب تثاقل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وهي تمضى قدما في محادثات بريكست، هناك الآن مخاوف واسعة من أن تفجر التجربة التي أشعلها مؤيدو بريكست مزيدا من الشكوكية الأوروبية واليوروفوبيا. وقال المحللون إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يشكل تحديا منهجيا لمستقبل الوحدة الأوروبية.
وثمة مزيد من التصدعات تقع في أماكن أخرى. فالصراع على مستوى العين بالعين والسن بالسن بين روسيا والولايات المتحدة تصاعد وأدى إلى عقوبات جديدة وعمليات طرد دبلوماسيين. وشهد القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سلسلة الإدانات والاحتجاجات العالمية.
أما بشأن منطقة الشرق الأوسط المضطربة، فقد قال روان تسونغ تسه لنائب الرئيس التنفيذي لمعهد الصين للدراسات الدولية، وهو مركز بحثي بوزارة الخارجية الصينية، إنه "يتعين على معالجة كل هذه المشكلات من خلال التعاون الإقليمي والآليات متعددة الأطراف والعولمة".
-- قنوات لتعاون قائم على الفوز المشترك
ويدعو الخبراء إلى قنوات اتصال وتعاون معدد الأطراف لتجنب سوء الفهم الذي قد يزداد سوءا ويتطور إلى صراعات.
وذكر كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي أن "خلق مستقبل مشترك في عالم متفسخ يتطلب معالجة القضايا المدرجة على الأجندة العالمية بطريقة شاملة ومترابطة وموجهة نحو المستقبل".
وهناك عدة منظمات متعددة الأطراف تقوم بذلك. فخلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في هامبورغ في يوليو، اتفق قادة المجموعة على دعم التجارة الحرة والعولمة والأسواق المفتوحة ومعارضة الحمائية. وتعد هذه استمرارية لإرث القمة التي عقدت في عام 2016 في هانغتشو بالصين وسلطت الضوء على الابتكار والحيوية والربط والشمولية.
وقد أكدت قمة بريكس التاسعة التي عقدت في مدينة شيامن الصينية في سبتمبر على التزام مجموعة الأسواق الناشئة بتعزيز النمو الاقتصادي العالمي من خلال تعزيز التعاون داخل المجموعة فضلا عن التعاون مع البلدان النامية الأخرى.
وذكر ستيفان أولينز رئيس اللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية - الصينية أن مقترحات طرحتها الصين مثل "بريكس بلس" ومبادرة الحزام والطريق أوجدت زخما جديدا لاقتصاد مفتوح وتجارة متعدد الأطراف تعود بالفائدة على العالم بأسره.
وتقترح "بريكس بلس" توسيع عضوية المجموعة التي تضم خمسة أعضاء، فيما تهدف مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 إلى تعزيز البني التحتية والتجارة والروابط الشعبية من أجل تحقيق ربط أفضل بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.
وقد شهد منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي استضافته بكين في مايو إبرام اتفاقات متعددة الأطراف في خمسة مجالات رئيسية -- وهي الترابط السياسي وترابط والبنية التحتية والترابط التجاري والترابط المالي والترابط الشعبي -- وهو ما جسد رؤية شي وضمن نتائج ذات فوز مشترك لجميع الجهات الفعالة المعنية.
وذكر أندريه فينوغرادوف رئيس مركز الدراسات والتوقعات السياسية بمعهد دراسات الشرق الأقصي في الأكاديمية الروسية للعلوم أن "الصين تعد مثالا ملهما للعديد من الدول وأن نجاحها وتجربتها التاريخية من الممكن أن يقدما للعالم حلا يقوم على التعاون ذي الفوز المشترك".
-- بطانة فضية لمستقبل مشترك
ورغم السلبيات، شهد عام 2017 بعض البطانات الفضية أيضا بفضل الجهود المشتركة التي يبذلها المجتمع الدولي.
فتنظيم الدولة (داعش) الذي أطلق العنان للعنف والوحشية في العديد من الدول التي تعاني بالفعل من اضطرابات، يواجه هزيمة في العراق وسوريا مع سحق قدرته التنظيمية. ومع تقلص مساحات الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم،ستبدأ على الأرجح مرحلة جديدة في سوريا التي قام تنظيم داعش فيها بتصعيد أزمة نتجت بالفعل عن حرب أهلية.
وسوف تعقد جولة جديدة من المفاوضات الدولية التي تقودها روسيا حول الصراع السوري في أستانا بقازاقستان يوم 21 ديسمبر. ومن المأمول أن يحق هذا النهج الجديد مزيدا من النتائج الملموسة حيث لم تشهد ثمان جولات من محادثات السلام في جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة النتائج المرجوة.
كما شهد هذا العام بداية جادة للمصالحة لإنهاء أكثر من عقد من الصراع الداخلي في فلسطين عقب الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني في أكتوبر الماضي.
وهناك أيضا بصيص أمل تجاه الاقتصاد العالمي، الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية للاضطرابات العالمية بعد ركود مطول ساد أنحاء العالم. فقد رفع صندوق النقد الدولي من توقعاته للنمو العالمي لعامي 2017 و 2018 بعد انتعاش واسع النطاق في أوروبا والصين واليابان والولايات المتحدة. ويتيح هذا الانتعاش نافذة فرصة للقيام بإصلاحات حاسمة، حسبما ذكر الصندوق.
وكما قال شي في تقريره خلال المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الشيوعي الصيني في بكين في أكتوبر "لا يمكن لأي بلد وحده معالجة العديد من التحديات التي تواجه البشرية؛ ولا يمكن لأي بلد تحمل العودة إلى العزلة الذاتية".
وبما أن العام القديم يفسح الطريق لعام جديد، لا يزال الوحدة والتعاون يمثلان حاجة اليوم في عصر من الترابط المتزايد والاعتمادية التبادلية المتزايدة.