ريف الرقة، سوريا 23 ديسمبر 2017 (شينخوا) بعد أشهر من ترك أهالي قرى الريف الجنوبي الغربي لمحافظة الرقة بشمال سوريا منازلهم مجبرين باتجاه مدينة الطبقة بريف الرقة الشرقي وريف حلب الغربي، بسبب المعارك التي دارت بين الجيش السوري ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش)، بدأوا منذ أسابيع بالعودة إلى قراهم بعد أن ذاقوا ألوان العذاب والتعب هربا من الموت.
وترك هذا الخروج أثرا سلبيا من النواحي النفسية والمعيشية على حياة الأهالي، حيث شكل لهم صدمة، كما خسروا الكثير من الأموال والأرزاق، التي كانوا يدخرونها للأيام الصعبة، وعادوا ليجدوا قسما كبيرا من منازلهم قد دمر أو تضرر بسبب الاشتباكات والمعارك.
ورغم عدم وجود كهرباء وماء واتصالات وباقي الخدمات الأخرى في تلك القرى التي سيطر عليها الجيش السوري في سبتمبر الماضي، إلا أن الكثير من هؤلاء السكان عبر عن فرحهم وسرورهم بالتخلص من تنظيم "داعش" الذي كان يمتهن الترويع والترهيب لزرع الخوف في نفوسهم من خلال القتل والجلد وغير ذلك من ممارسات بحق من يخالف تشريعاته.
وتمكن الجيش السوري والقوات المتحالفة معه في شهر سبتمبر من العام الجاري من السيطرة على كامل الريف الغربي لمدينة دير الزور وصولا إلى ريف الرقة الجنوبي، بعد عملية عسكرية انطلقت من عدة محاور.
وكانت آخر قرية وصل إليها الجيش السوري في ريف الرقة الجنوبي الغربي هي قرية شعيب الذكر، وهي الحد الفاصل بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من قبل الولايات المتحدة، حيث تفصل بينهما مسافة أقل من 100 متر تقريبا.
ويسيطر الجيش وقوات سوريا الديمقراطية على الطريق الدولي الذي يربط محافظة حلب مع محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، وبإمكان أي شخص يصل إلى حاجز الجيش السوري في قرية شعيب الذكر أن يرى بوضوح الحاجز المقابل له ضمن الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد في محافظة الرقة.
وهذه القرية خالية من السكان، لقربها من مكان الحاجز الذي يبتع للجيش السوري.
أما قرية دبسي عفنان بريف الرقة الجنوبي الغربي، التي تبعد عن حلب حوالي 190 كلم فشهدت عودة نشطة للأهالي منذ عدة أشهر، وبدأت الحياة تعود تدريجيا لهذه البلدة التي هرب أهلها خوفا من العمليات العسكرية وعادوا إليها بعد أن سيطر الجيش عليها، وأصبحت آمنة.
وقال المواطن حمود، ويبلغ من العمر خمسين عاما، من سكان بلدة دبسي عفنان، لوكالة أنباء ((شينخوا))، يوم السبت إن "تنظيم داعش ظلموا الناس كثيرا، وأذاقونا ألوان العذاب"، مؤكدا أن "تنظيم داعش كانوا يقتلون كل عدة أيام شخصا من البلدة ويضعونه في مكان ما على قارعة الطريق، بغية زرع الخوف بداخلنا".
وتابع يقول "لقد هربت مع عائلتي إلى مدينة الطبقة خوفا من الموت"، مشيرا إلى أن رحلة الهروب كانت محفوفة بالأخطار واستغرقت أياما وكلفت أموالا طائلة.
وروى بألم وحسرة كيف أمضى عدة أيام بالعراء مع عائلته حتى وصلوا إلى بر الأمان، مؤكدا أنه عندما سمع بسيطرة الجيش السوري على البلدة عاد مباشرة ليسكن في بيته.
ومن جانبه قال محمد حسون الجاسم، وهو رجال في السبعين من العمر، وهو يجلس مع مجموعة من الرجال أمام أحد المحلات التجارية ببلدة دبسي عفنان، "عدت إلى قريتي، وأنا مسرور لأننا تخلصنا من تنظيم داعش الذي شكل لنا حالة من الرعب والهلع".
وروى الرجل السبعيني، وهو يرتدي الزي العربي التقليدي لتلك المنطقة، كيف قام عناصر من تنظيم داعش بجلده أكثر من 70 جلدة لتجاوزه حاجز نصبه التنظيم في مدخل القرية ولم يره، مؤكدا أن هذه العقوبة كانت "مؤلمة وظالمة"، لافتا إلى أنه هرب مع عائلته إلى مدينة الطبقة، بعد أن باع كل ما يملكه من أغنام لكي يستطيع دفع أجرة السيارة التي أقلته وعائلته.
وأشار إلى أن أهالي القرية يعتمدون على الزراعة وتربية الأغنام ، مشيرا إلى أن البلدة الآن لا يوجد فيها مياه للقيام بالزراعة ، المرتبطة بتربية الأغنام.
وقال "نشعر الآن بالأمان والاستقرار بالرغم من عدم وجود الكهرباء وبعض الخدمات الأساسية في البلدة".
وبدوره روى جعفر العيسى 32 عاما وهو الحلاق الوحيد في البلدة، عندما كان يسيطر تنظيم "داعش" على البلدة، بكثير من الألم كيف كان يطلب منه أن يقص شعر الشباب والرجال بشكل موحد، وفي حال مخالفته لتعليماتهم سيعاقب بالخضوع لدورة شرعية لمدة أربعين يوما.
وقال لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "تنظيم داعش كان يريد أن أحلق لكل الناس بشكل واحد دون أي تسريحة، وممنوع الاقتراب من شعر اللحية (الذقن) وتخفيف الشاربين"، مؤكدا في حالة تكرار المخالفة يقوم التنظيم بسحب عدة الحلاقة منه وإغلاق المحل ودفع غرامة مالية.
وأضاف "أما الآن وبعد أن تخلصنا من هذا التنظيم الإرهابي أصبح الوضع أفضل، وبإمكان الشاب أن يختار التصفيفة التي يريدها".
وأكد عدد من المواطنين في بلدة دبسي عفنان أن الوضع الآن أفضل مما كان عليه عندما كان تنظيم "داعش" يسيطر على البلدة، مشيرين إلى أنهم الآن يدخنون ويجلسون أمام محلاتهم التجارية ويشربون الشاي دون خوف من أحد.
وقال خالد العيسى وهو مدرس في أحد مدارس البلدة إن "البلدة يوجد فيها 5 مدارس ابتدائية للتعليم الأساسي تضم 1500 طالب من الصف الأول حتى السادس، ويوجد مدرستين للمرحلة الإعدادية وفيها حوالي 530 طالبا وفيها أيضا مدرسة ثانوية تحوي 150 طالبا".
وأضاف العيسى أن "المدارس تحتاج إلى نوافذ زجاجية، لأن الزجاج تحطم أثناء المعارك، واختباء تنظيم داعش في المدارس"، لافتا إلى أن هناك الكثير من المعوقات أمام العملية التربوية، مستدركا القول بأنه بالرغم من كل ذلك إلا أن الأهالي يصرون على إرسال أبنائهم للمدرسة للتخلص من الفكر المتشدد الذي سيطر على عقولهم طيلة سنوات سيطرة تنظيم داعش على الرقة.
وترك معظم الأطفال في البلدة المدارس إبان سيطرة تنظيم داعش والبعض منهم انخرط بسوق العمل ليتعلم مهنة ليساعد أهله في المعيشة، وخسر الطلاب أكثر من أربع سنوات من عمرهم دون تعليم.
وأضاف العيسى أن تنظيم داعش منع الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدرسة، وطلب منهم إرسالهم إلى المساجد لتلقي العلوم الإسلامية التي يحددها التنظيم.
وأوضح أن حوالي 1800 أسرة عادت إلى بلدة دبسي عفنان، وأن الكثير من الأسر تريد العودة وتنتظر إعادة فتح أحد المعابر للعودة.
ولدى التجول في الشارع الرئيسي للبلدة لاحظ مراسل وكالة أنباء ((شينخوا)) بدمشق وجود عدد لا بأس به من المحلات التجارية المملؤة بالمواد الغذائية، وعدد من أصناف الفاكهة والخضار، ومحل لبيع البنزين بشكل حر (سوق سوداء) وآخر لبيع الغاز المنزلي، الذي يأتي إلى البلدة من ريف حلب الشرقي، عن طريق الحكومة السورية.
وبالرغم من الخراب والدمار وقلة الخدمات المتوفرة فيها، إلا أن البلدة وأهلها مصرون على الحياة، ويطالبون بتشغيل مضخات الري الموجودة على بحيرة الأسد، التي تغذي العديد من القرى في ريف الرقة، لتعود دورة الحياة الزراعية إلى الواجهة من جديد، لاسيما وأن البلدة تعتمد بشكل رئيسي على الزراعة .
يشار إلى أن مدينة الرقة كانت تعد العاصمة الفعلية لتنظيم "داعش" وسقطت بيده في إبريل عام 2013، واستمر في السيطرة عليها حتى أغسطس من العام الجاري 2017 حين تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة الكاملة عليها.










