بكين 27 ديسمبر 2017 (شينخوا) بعد ثلاث سنوات من القتال، وصلت الحرب البرية ضد تنظيم (داعش) إلى نهايتها. لكن التنافس الذي طال أمده بين القوى العالمية والإقليمية في الشرق الأوسط بات يهدد الآن بالانتشار من البلدان التي مزقتها الحرب وبمزيد من عمليات التقسيم في المنطقة.
فمن خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أثارت الولايات المتحدة في وقت سابق من الشهر الجاري موجة جديدة من العداء في المنطقة التي تشهد بالفعل اشتباكات بين طائفتي السنة والشيعة.
فيستغل المتنافسون الإقليميون والعالميون كل فرصة لتعزيز مكانتهم في منطقة الشرق الأوسط في حقبة ما بعد داعش وإزاحة أولئك الذين يعرضون مصالحهم للخطر، ما يجعل من الصعوبة بمكان تحقيق نتيجة مربحة للجميع.
-- سلام هش
فقد اتفقت روسيا وتركيا وإيران، وهم أصحاب مصالح رئيسيون وأصحاب نفوذ بالمنطقة، اتفقوا في الشهر الجاري على عقد محادثات سلام سورية في منتجع سوتشي الروسي المطل على البحر الأسود في أواخر يناير عقب فشل محاولات سابقة لعقد مؤتمر كهذا يجمع بين كل من الحكومة السورية وأطراف المعارضة.
وقال الخبير السياسي السوري أسامة دنورة "لقد ثبت أن التعاون بين روسيا وتركيا وإيران مؤثر من حيث ربط السياسة بالوضع العسكري على الأرض"، مضيفا "لقد نجحوا (في إقامة) مناطق لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد في سوريا لأنهم مشاركون بشكل مباشر في الأزمة السورية".
وبعد مواجهتها واشنطن على مدى السنوات الست الماضية من خلال دعم حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، تعمل موسكو الآن على التواصل مع تركيا، العضو في الناتو، لحل الأزمة .
ولكن الولايات المتحدة والسعودية غير راضيتين عن تزايد أواصر العلاقات بين الدول الثلاث.
وأشار دنورة إلى أن "الرياض لا تريد رؤية نفوذ متزايد لتركيا لأن أنقرة تدعم جماعة الإخوان المسلمين"، وهي جماعة تصنفها السعودية بأنها منظمة إرهابية، مضيفا أن "السعودية تكره أيضا رؤية تأثير إيراني (أكبر) في المنطقة".
وقال الخبير إنه رغم أن واشنطن لن تكون سعيدة برؤية تحول تركيا تجاه الشرق مثل تشكيل تحالف مع روسيا، إلا أنها تعلم أن تركيا لديها تاريخ مسجل من الوقوف إلى الجانب الأمريكي وأن أي تحول حالي لا يعد سوى تحول مؤقت.
-- تفجير أزمة جديدة
في منطقة تعج بالفعل بالصراعات، قد يوفر تحرك الأكراد للاستقلال ذريعة أخرى للقوى الإقليمية والدولية للتدخل.
فالأكراد، ومعظمهم يعيشون في تركيا وإيران والعراق وسوريا، أخذوا يعززون من تماسك أراضيهم خلال المعارك مع داعش كخطوة لإقامة دولتهم، وهو هدف يسعون إليه منذ قرن من الزمان. كما أنه هدف تعتبره الدول الأربع وخاصة تركيا تهديدا وشيكا لسلامة أراضيها.
وقال المحلل السياسي العراقي ناظم الجبوري إن "تركيا وإيران لديهما نفس الهدف -- ألا وهو منع إقامة دولة كردية مستقلة على حدودهما المشتركة وكذا محاربة الأطراف المتمردة الكردية التي يعتقدون أن لها قواعد في منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمالي العراق وسوريا".
ففي سبتمبر الماضى، أجرت المنطقة الكردية ذاتية الحكم في العراق استفتاء جاءت فيه أكثر من 90 في المائة من الأصوات التي أدلى بها مؤيدة للاستقلال. وأغضبت النتيجة بغداد وتقريبا جميع أصحاب المصالح في الشرق الأوسط الذين يرغبون في الحفاظ على توازن القوى.
ولفت إبراهيم العامري المحلل السياسي العراقي إلى أن "هناك عواقب كارثية حلت بالمنطقة الكردية عقب الاستفتاء حيث فقد الأكراد الكثير من المكاسب التي حصلوا عليها ...منذ عام 1991". وكانت إحدى الخسائر استقالة الزعيم الكردي مسعود بارزاني في نوفمبر 2017.
وخشية تسلل المشاعر الانفصالية للأكراد في سوريا إلى تركيا لتلهم ملايين الأكراد الذين يعيشون هناك نحو السعي إلى الاستقلال ، تعمل أنقرة جاهدة إلى معالجة المسألة وحماية وحدة أراضيها في حقبة ما بعد داعش.
ومن ناحية أخرى، حافظت روسيا بكياسة على توازن القوى مع مختلف القوى والفصائل عبر تعزيز محادثات السلام .
وقال دنورة إنه نظرا لموقف واشنطن المعارض للاستفتاء الكردي على الاستقلال في العراق، فمن المحتمل أن تتخلى عن الأكراد في سوريا مقابل مصالح واسعة أو أي فرصة لإفساد خطط منافسيها، خاصة روسيا وإيران.
-- توازن القوي
منذ أن أدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليمين الدستورية في يناير،هدد بإلغاء اتفاق نووي بين إيران والقوى الست العالمية التي تتضمن بلاده، رغم أنه يُنظر لهذا الاتفاق على نطاق واسع بأنه يصب في صالح السلام والاستقرار الإقليميين.
وأصدر ترامب قرارا غير متوقع باختيار السعودية وإسرائيل كوجهتين في أول جولة خارجية له عقب توليه الرئاسة، ما كشف عن طموحه إلى تحسين العلاقات الإسرائيلية - العربية لإقامة تحالف ضد إيران.
بيد أن قراره المثير للجدل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قد يعرض مصالح حلفائه للخطر ويشكل تهديدا أكبر لتوازن القوى في المنطقة.
وذكر محمد عاكف أوكور الأستاذ في جامعة يلديز التقنية بتركيا أن "وجهة نظر إسرائيل واضحة، فهي تنظر لإيران ووكلائها (باعتبارهم) تهديدا يشكل أولوية. والسعودية لديها نفس الشعور. وفي هذا السياق، قد تتخذ تركيا موقفا منفتحا أمام مواقف قابلة للتغير، على أساس كل قضية على حدة".