بقلم ندى تشن
بكين 28 ديسمبر 2017 (شينخوا) أعلن العراق وسوريا في نوفمبر الماضي وديسمبر الجاري على التوالي النصر في الحرب على تنظيم (داعش) وبهذا يمكن القول أن عام 2017 شهد طي صفحة عصر داعش الذي استمر لأكثر من ثلاثة أعوام. ورغم أن الانهيار العسكري لأكبر "العلامات الإرهابية الدولية" يهدئ أعصاب العالم، إلا أن هزيمة هذا التنظيم لا تعني هدمه، فمازال أمام معركة مكافحة الإرهاب الدولية طريق طويل عليها أن تقطعه بعدما بات الإرهاب الدولي يحمل ملامح جديدة تؤشر على أن تأثير داعش الإيديولوجي سيستمر ومنهجيته ستتغير لتنحى منحى بدائيا وعشوائيا ونفوذه سيتحول من مركزي إلى آخر لامركزي في ظل احتمالية سعيه إلى إعادة تنظيم صفوفه. وفي هذا السياق، ينبغي على العالم التأهب للتهديد المحتمل المتمثل من ناحية في عودة جهاديي داعش بما يحملونه من أيديولوجيا متطرفة إلى بلدانهم بل وانتشارهم في بلدان مختلفة ومن ناحية أخرى في نمو الإرهاب بصورة أكثر خفاء.
-- داعش ...عصر ينتهى وتنظيم لم ينته بعد
في العام الماضي، سجل عدد ضحايا العمليات الإرهابية عالميا انخفاضا للسنة الثانية على التوالي وفقا لما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي عن الإرهاب لعام 2016. وأشار التقرير إلى أنه في 2016، وقع 11072هجوما إرهابيا في 104 بلدان لتؤدى تلك الهجمات إلى مقتل 25600 شخص وإصابة أكثر من 33800 آخرين حيث انخفض عدد الهجمات والقتلى بنسبة 9% و13% على التوالي على أساس سنوي. ويعد داعش التنظيم الإرهابي الوحيد الذي زاد من عدد هجماته وارتفع عدد ضحايا عملياته خلال عام 2016. ومع انتهاء عصر داعش في 2017، من المتوقع أن تنخفض العمليات الإرهابية من حيث عدد الهجمات والضحايا إلى أقصى حد.
لكن داعش لا يموت بسهولة، حيث لا تزال فلول إرهابيي التنظيم تتحرك في العراق وسوريا وتهدد استقرار أمنهما الداخلي. فأيديولوجيا داعش، التي تبين أنها نمت خلال هذه السنوات في أماكن خارج الشرق الأوسط ولاسيما في الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي تعاني من كثرة هجمات "الذئب المنفرد" التي تستهدف حاليا المدنيين والميادين والمناسبات العامة، سوف تظل قائمة لفترة طويلة من الزمن.
وفي الدول الأوروبية التي ترزح تحت وطأة موجات الهجرة وأزمة اللاجئين، تمثل مشكلة اندماج المهاجرين في المجتمعات المحلية محور هجمات "الذئب المنفرد" ومصدرها، حيث كشفت الدراسات أن معظم منفذي الهجمات الإرهابية ينتمون للجيل الثاني من الأسر المهاجرة، جيل يشعر بالتهميش ويعاني من انخفاض الدخل وفرص العمل وعدم الاعتراف الاجتماعي .
وعلى خلفية انحياز الرأي العام إلى الجناح اليميني الذي يشكك في السياسات المعنية باللاجئين، ينبثق شعور الاستياء لدى الجيل الثاني من المهاجرين الذين يسهل تأثرهم بالأيديولوجيا المتطرفة التي يروجها إرهابيون تدربوا في معسكرات داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية ويسافرون بين البلدان مستغلين ميزة التنقل بحرية عبر الحدود داخل أوروبا. فالتقرير الأمريكي سالف الذكر يفيد بأن أكثر من 3 آلاف شاب من أوروبا والولايات المتحدة توجهوا إلى منطقة الشرق الأوسط للقتال مع داعش في عام 2016.
ومقارنة بالدول الأوروبية قد يكون التوتر الناجم عن اندماج المهاجرين في المجتمع الأمريكي أخف حدة. فمنذ إدارة أوباما حتى عام 2016، وقعت تسعة هجمات فقط ذات صلة بالتطرف الإسلامي . ولكن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتشددة تجاه الهجرة تعد مصدرا محتملا لموجة جديدة من الكراهية الاجتماعية .
كما أعلن الرئيس ترامب في إستراتيجيته الجديدة للأمن القومي هذا الشهر،ستعدل الولايات المتحدة سياساتها وتشريعاتها المتعلقة ببرامج الهجرة. وإضافة إلى مسألة الهجرة،لا تزال المشكلة التي لطالما تؤرق أمن المجتمع الأمريكي وتتمثل في السيطرة على السلاح، لا تزال تلقى بظلالها على عملية مكافحة الإرهاب. فالحادثان الإرهابيان اللذان وقعا في أكتوبر الماضي، أي حادث إطلاق النار بلاس فيغاس والهجوم الذي شنه مهاجر شرعي من أصول أوزبكية في مانهاتن، وضعا مجددا مسألتي الهجرة والسيطرة على السلاح في الكفة الأخرى من الميزان أمام مكافحة الإرهاب .
-- داعش ... منهجية تتغير وعمليات أكثر خفاء
إضافة إلى الانتصار العسكري، نجحت دول مختلفة أيضا في السيطرة على وسائل إعلام تابعة لداعش حيث انخفض عدد وسائل إعلام داعش النشطة حتى أغسطس 2016 إلى 19 مقارنة بعددها البالغ 40 في عام 2015. ومع تضييق مساحة النشاط على الأرض وعبر الإنترنت، لوحظ أن الإرهابيين يسلكون طرقا أكثر مباشرة وبدائية، حيث يتجه الجهاديون إلى "الوعظ" وتوزيع المنشورات وشن هجمات بعبوات ناسفة بسيطة يصنعونها بأنفسهم باستخدام مواد مثل علب المشروبات وعلب الثقاب وانتقاء أفراد ممن ينشرون تعليقات متطرفة على وسائل الإعلام الاجتماعية لتجنيدهم.
وعند استعراضهم الهجمات الإرهابية التي نفذت بشاحنات في عام 2017 بلندن وستوكهولم وبرشلونة ومانهاتن، يرى الخبراء أن هذا النوع من الهجمات من الصعب الحصول على تحذير مبكر بشأنه ويسهل إتباعه وتقليده ويشكل أحد التحديات التي تواجه الأجهزة الاستخباراتية.
ومن ناحية أخرى، قد بدا داعش وقد سلك إستراتيجية أخرى تتمثل في استغلال صراعات اجتماعية سياسية متأصلة في بعض البلدان مثلما حدث في آسيا الوسطى حيث ظهر علم داعش وغيره من رموز التنظيم هناك، كما أعلنت بعض الجماعات المتطرفة في منطقة كشمير ومنطقة شمال القوقاز ولائها لداعش.
-- معركة الإرهاب ... سيناريوهات واتجاهات مستقبلية
ومع تلاشي وجود داعش العسكري في العراق وسوريا،يرى المحللون أن "ولايات داعش" في منطقة الشرق الأوسط من المرجح أن تصبح مواقع يعيد منها تنظيم صفوفه مجددا. إضافة إلى ذلك، ثمة أنباء تقول إن داعش يلفت النظر إلى تنامي نفوذه في الفلبين حيث أعلن في عام 2016 مسؤوليته عن 496 حادثا إرهابيا في هذا البلد الآسيوي الذي احتل المركز الخامس على مستوى العالم من حيث عدد الهجمات التي شنها داعش.
وهناك أيضا احتمالية في أن يتضامن داعش مع منظمات إرهابية أخرى. فعلى سبيل المثال، تتحرك بعض التنظيمات الإرهابية المحلية في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا باسم داعش. وشهدت دول آسيا الوسطى في السنوات الأخيرة تسلل أشخاص وجماعات متطرفة إليها عبر الحدود الأفغانية. أما في بنغلاديش والهند، فتشهدان داخليا تحركات لأشخاص مؤيدين لداعش ومنظمات مناصرة له، فيما أحبطت بعض دول جنوب شرق آسيا مثل إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة عدة مخططات إرهابية متعلقة بداعش.
أخيرا وليس آخر، لا يزال الارتباط والتواصل التاريخيين بين تنظيمي القاعدة وداعش يخطف أعصاب العالم. ففي وقت سابق من هذا العام، أفادت تقارير بأن هناك لقاءات وحوارات جرت بين قيادتي التنظيمين.
وصحيح أن العمليات العسكرية من باكستان وأفغانستان ساعدت في قمع تنظيم القاعدة إلى حد كبير، إلا أن هذا التنظيم لديه فروع كبيرة مثل "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" في اليمن، و"حركة الشباب" في الصومال وكينيا، وفرع القاعدة في العراق، و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في مالي، و"قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية" في بلدان جنوب آسيا مثل بنغلاديش. وفي الغالب تتلقى هذه الفروع الأوامر عن بعد ويرتكز سلوكها الرئيسي على "ارتكاب العنف أولا، ثم إعلان مسؤوليته عنه لاحقا"، ويوجد في ذلك الكثير من التشابه مع سلوك داعش وطريقة إدارته.
لهذا تعد احتمالية تضامن تنظيمى داعش والقاعدة وتشكيلهما "علامة إرهابية جديدة" في المستقبل من أكثر السيناريوهات رعبا أمام معركة مكافحة الإرهاب الدولية في عصر ما بعد داعش.