فارس الحميري
صنعاء 29 ديسمبر 2017 (شينخوا) يودع اليمن العام 2017 دون حل للنزاع الدموي الدائر منذ قرابة ثلاثة أعوام بين القوات الحكومية المدعومة بالتحالف العربي الذي تقوده السعودية، والحوثيين، في ظل تعثر مساعي السلام وتعقد المشهد السياسي في البلاد بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، على يد حلفائه.
وتحت وطأة النزاع وغياب الحل السياسي، يبقى اليمن بنهاية العام الجاري يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم مع انتشار الكوليرا والوصول إلى حد المجاعة.
نزاع دموي متواصل
لم يكن العام 2017، أفضل حالا من سابقيه، فقد كان شاهدا منذ بدايته على تواصل وتصاعد القتال بشكل كبير بين القوات الحكومية مدعومة من التحالف العربي، ومسلحي جماعة الحوثي الشيعية المدعومة من إيران، والذي بدأ في مارس من العام 2015.
وخلال هذا العام انتقلت المعارك إلى مربعات جديدة، إذ شنت القوات الحكومية في السابع من يناير عملية عسكرية في الساحل الغربي اليمني.
وتمكنت القوات الحكومية خلال هذه المعركة من تأمين مضيق باب المندب، الممر المائي الدولي، والسيطرة على منطقة باب المندب وميناء المخاء وقاعدة خالد بن الوليد الاستراتيجية العسكرية، ومعسكر العمري في مديرية ذباب.
ومازالت عملية الساحل الغربي لليمن مستمرة.
وفي محافظة الحديدة الساحلية الواقعة على البحر الأحمر، استعادت القوات الحكومية في السابع من ديسمبر الجاري السيطرة على مديرية الخوخة، وهي منطقة إستراتيجية تضم ميناء "الحيمة" العسكري، ومعسكر ابو موسى الأشعري أحد أهم معسكرات الدفاع الساحلي اليمنية.
وسقط أمس الخميس فقط نحو 50 قتيلا وعشرات الجرحى والأسرى من القوات الحكومية والحوثيين جراء اشتداد المعارك في مديرية الخوخة.
وفي شبوة شرق البلاد، حققت القوات الحكومية تقدما ملحوظا، إذ سيطرت على مديرية عسيلان النفطية، ومديرية بيحان.
وأعلنت القوات الحكومية في 18 ديسمبر محافظة شبوة محررة بالكامل من الحوثيين.
كما تقدمت القوات في مديرية "نعمان" المجاورة والتابعة لمحافظة البيضاء، وهي أول مديرية تسقط أجزاء واسعة منها في يد القوات الحكومية من المحافظة الواقعة شرق اليمن.
وفي محافظات تعز والجوف والضالع ومأرب، خسر الحوثيون بعض المواقع.
فيما واصلت القوات الحكومية عملياتها العسكرية في مديرية نهم الواقعة على بعد نحو (50 كلم شرق العاصمة صنعاء)، وسط تقدم محدود نتيجة استماتة الحوثيين باعتبارها أولى خطوط الدفاع عن العاصمة الخاضعة لسيطرتهم منذ سبتمبر من العام 2014، وأيضا نتيجة صعوبة التضاريس الجبلية في نهم.
ويرى المحلل العسكري اليمني حامد ابو البدرين، أن القوات الحكومية حققت خلال العام 2017 مكاسب على الأرض، إلا أن الحوثيين تمكنوا من امتصاص الكثير من ضربات التحالف العربي.
وقال ابوالبدرين لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الحوثيين خلال هذا العام خسروا مناطق جغرافية مهمة في السواحل الغربية لليمن على البحر الأحمر والممتدة من منطقة باب المندب، مرورا بميناء المخاء الاستراتيجي وحتى مدينة الخوخة السياحية الساحلية.
وأضاف "ربما ساهمت التضاريس الطبيعية المفتوحة في تقدم القوات الحكومية، حيث لم يتمكن الحوثيون من إنشاء الحواجز والستائر الهندسية لإعاقة هذا التقدم".
لكنه يرى أن التقدم على جبهة نهم "لا يكاد يذكر" بالنظر لطول الوقت وكمية العتاد والقوة البشرية الموكل لها هذه الجبهة، ويعزو ذلك إلى أن "نهم" هي رأس الحربة والجبهة الأبرز في هذه الحرب.
ورغم تقدم القوات الحكومية، تمكن الحوثيون، بحسب المحلل العسكري، إلى حد كبير من امتصاص الضربات الجوية للتحالف سواء فيما يخص استهداف الافراد أو المعدات.
وحظيت القوات الحكومية خلال العام 2017 بدعم كبير من التحالف العربي، فبجانب ضرباته الجوية على مواقع وأهداف للحوثيين، شاركت قوات برية تابع له في معارك على الأرض في عدة جبهات.
وتسببت ضربات للتحالف العربي بمقتل مدنيين، وهو ما أقره التحالف أكثر من مرة، وقال إنه يحقق في الأمر.
وخلال الأيام العشرة الأخيرة فقط، رصدت الأمم المتحدة مقتل 109 أشخاص في غارات جوية في اليمن.
وردا على تدخل التحالف العربي في اليمن، يستهدف الحوثيون المناطق الحدودية للمملكة بعمليات عسكرية تتضمن إطلاق صواريخ وإطلاق نار طالت في الآونة الأخيرة العاصمة الرياض.
وفي 19 ديسمبر الجاري، اعترضت قوات الدفاع الجوي الملكي صاروخا باليستيا جنوب الرياض أطلقه الحوثيون من اليمن صوب قصر اليمامة مقر ومكتب العاهل السعودي في العاصمة السعودية.
وكانت هذه المرة الثالثة التي يستهدف فيها صاروخ الرياض بعد صاروخين أُطلقا من داخل الأراضي اليمنية في مايو ونوفمبر الماضيين.
وبشكل عام، أدت الحرب في اليمن إلى مقتل أكثر من 10 آلاف يمني، معظمهم من الأطفال، وتشريد 3 ملايين شخص، ودمار هائل في البنى التحية للبلاد، حسب تقارير.
مقتل صالح يعقد المشهد السياسي
وخلال العام 2017، فشلت كل جهود الأمم المتحدة في التوصل إلى نقاط اتفاق لوقف الحرب في البلاد منذ توقف آخر جولة من مشاورات السلام بين الأطراف اليمنية في مطلع أغسطس من العام 2016.
وشهدت الأزمة اليمنية على الصعيد السياسي انسدادا كبيرا.
وتفاقمت هذه الأزمة بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي العام عارف الزوكا، والذي كان يرأس وفد الحزب في المشاورات السياسية على يد حلفائهما الحوثيين في الرابع من ديسمبر الجاري.
وتحالف صالح مع الحوثيين منذ العام 2014 لمواجهة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وحكومته وسيطروا على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات الشمال اليمني.
لكن صالح، الذي طالما شبه حكم اليمن "بالرقص على رؤوس الثعابين"، دعا مطلع ديسمبر بعد ثلاثة أعوام من التحالف مع الحوثيين، إلى قتالهم بعدما اقتحموا منازل عدة لقيادات سياسية وعسكرية مواليه له في العاصمة صنعاء.
وحث صالح في خطاب متلفز في الثاني من ديسمبر، التحالف العربي، إلى "فتح صفحة جديدة"، قائلا :"يكفي ما حصل لليمن.. فكوا الحصار وافتحوا المطارات، وبعدها سنتحاور بشكل مباشر".
وعقب خطاب صالح، رحب التحالف العربي "باستعادة صالح زمام المبادرة في اليمن".
لكن جماعة الحوثي اعتبرت ما قام به صالح، "طعنة في الظهر وخيانة"، وقتله مسلحوها خلال معارك في صنعاء بين الحليفين السابقين.
ودفع مقتل صالح، التحالف العربي على ما يبدو، إلى البدء في تشكيل خارطة تحالفات جديدة في اليمن.
وفي 13 ديسمبر، التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في الرياض رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي، وأمينه العام عبدالوهاب الأنسي.
وكان هذا اللقاء هو الأول من نوعه على مستوى رسمي بين مسؤولين سعوديين وإماراتيين مع قيادات بحزب التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في السعودية والإمارات.
وفي خضم هذه التطورات على الصعيد السياسي، لم تفلح الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، من عقد أي جلسة مشاورات بين الأطراف المتصارعة.
وقالت الحكومة اليمنية إن الانسداد القائم في المسار السياسي خلال العام 2017 هو نتيجة "تعنت" الحوثيين، معتبرة أنه لا خيار أمام اليمنيين إلا بمواجهة الحوثيين عسكريا.
وقال المتحدث باسم الحكومة اليمنية راجح بادي، ل(شينخوا) "إن الانسداد السياسي القائم هو نتيجة أن الطرف الانقلابي (الحوثي) لا يؤمن بالسياسة ولا يقرها ولم يتعامل معها منذ نشأته".
وتابع بادي "أن الطرف الأخير (الحوثي) اختار الخيار العسكري منذ نشأته ورفض كل الضغوط للتوجه للخيارات السياسية (..) والآن ليس أمام اليمنيين إلا أن يدافعوا عن حياتهم ودولتهم وجمهوريتهم بكل الوسائل الممكنة وأولها الخيار العسكري".
على حافة المجاعة
ومع انسداد آفاق الحل السياسي وتصاعد القتال المحتدم منذ مارس من العام 2015، تهاوى ملايين اليمنيين إلى حافة المجاعة في ظل "أسوأ أزمة إنسانية في العالم" تمر بها البلاد، بحسب منظمات دولية.
وتشير تقديرات خاصة بمنظمات أممية عاملة في اليمن إلى أن 8 ملايين يمني باتوا على حافة الجوع، فيما بات 21 مليون شخص (من أصل 25 مليون إجمالي السكان) بحاجة للمساعدات الإنسانية.
كما تشير التقديرات إلى أن مليوني شخص شردتهم الحرب لايزالون في عداد النازحين، كما لايزال مئات الالاف في مخيمات اللجوء في عدد من الدول، بينها جيبوتي والصومال، يعانون من أوضاع في غاية الصعوبة.
وألقت الحرب بظلالها على القطاع الصحي في البلاد، إذ تفشت مجددا أمراض وأوبئة كان اليمن قد تخلص منها منذ عشرات السنين.
فقد تفشى وباء الكوليرا في موجة ثانية هذا العام كانت الأسوأ في تاريخ اليمن والمنطقة.
ومنذ نهاية أبريل الماضي سجل اليمن أكثر من ألفي حالة وفاة بالكوليرا، فيما تجاوزت عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالوباء الـ 900 ألف شخص.
فيما شهدت مناطق يمنية تفشي وباء الدفتيريا، والذي تسبب بوفاة 35 شخصا وإصابة نحو 300 اخرين معظمهم من الأطفال، حسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف).
وفي أحدث تقرير للأمم المتحدة، فإن نحو 16 مليون و400 ألف يمني يفتقرون لخدمات الرعاية الصحية الأساسية.
وأكد تقرير أممي أيضا انتشار أمراض سوء التغذية على نطاق واسع في اليمن.
ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية للشعب اليمني، طالبت الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية ودولية وحكومات في الآونة الأخيرة التحالف العربي بإعادة فتح المنافذ الجوية والبحرية والبرية اليمنية للسماح بدخول المواد الإغاثية.
وفرض التحالف العربي في نوفمبر الماضي حصارا على جميع المنافذ الجوية والبحرية والبرية اليمنية بعد إطلاق صاروخ باليستي باتجاه الرياض تم اعتراضه وتدميره بالقرب من مطار الملك خالد الدولي بالعاصمة السعودية.
وفي 24 نوفمبر، قرر التحالف إعادة فتح ميناء الحديدة غربي اليمن ومطار صنعاء الدولي للسماح بدخول المساعدات الإغاثية والإنسانية، غير أن المطالبات الأممية لاتزال مستمرة بفتح بقية المنافذ لإدخال مساعدات إغاثية كبيرة.
وأعلن التحالف العربي قبل يومين أنه يدرس تنفيذ آلية جديدة تراعي سد الثغرات في العمل الإغاثي باليمن، مؤكدا أن العمل الإنساني متواصل.