بقلم هاشم وانغ
بكين 31 ديسمبر 2017 (شينخوا) عاشت منطقة الشرق الأوسط أحداثا غير متوقعة خلال عام 2017: فقد قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة لروسيا في نوفمبر الماضي كانت أول زيارة خارجية له منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وقطعت بعض دول الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية العلاقات الدبلوماسية مع قطر،وأعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، وقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على يد الحوثيين...
وفي هذا الصدد، قال خبراء صينيون متابعون بدقة للأحداث في منطقة تمر بمرحلة صعبة عنوانها عدم الاستقرار بات تعدد التحديات صفة رئيسية لها، إن الأوضاع المعقدة تلك لا ترجع فقط إلى لعبة بين الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا بشأن الشرق الأوسط، وإنما أيضا إلى حالة من التنافس والشد والجذب بين قوى رئيسية في المنطقة، مشيرين إلى صعوبة خروج الشرق الأوسط من عنق الزجاجة في العام المقبل.
-- الشرق الأوسط ... ساحة لثلاث معارك
في عام 2017، ظلت ثلاث معارك تدور رحاها في المنطقة محور اهتمام المجتمع الدولي ألا وهي المعارك في سوريا والعراق واليمن.
وجاء اجتماع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الرئيس بشار الأسد في وقت يشهد فيه الوضع السوري نقطة تحول، حيث لم تعد قوات تنظيم (داعش) تسيطر سوى على عدد قليل من المعاقل داخل سوريا، فيما استعادت القوات السورية معظم أراضي الدولة في ظل الدعم الروسي. وبعد اللقاء بنحو 20 يوما، أعلنت سوريا والعراق على التوالي انتهاء عملياتهما العسكرية واسعة النطاق ضد هذا التنظيم، وهذا أوضح أن داعش صار على وشك الانهيار في سوريا والعراق وعكس بدوره حقيقة أن مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط حققت في 2017 تقدما كبيرا.
ويرى خبراء صينيون أن روسيا كانت لها الغلبة في لعبتها مع الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، إذ قال تانغ جي تسان الباحث في مركز شينخوا للدراسات الدولية إن روسيا أنشأت آلية محادثات السلام في أستانا بشأن الأزمة السورية مع تركيا وإيران، كما ساهمت في إقامة أربع مناطق "لخفض التصعيد" في سوريا وبهذا استطاعت أن ترسي أساسا متينا لوقف قرع طبول الحرب السورية.
أما قونغ تشن شي الباحث في مركز شينخوا للدراسات الدولية، فأشار إلى أن روسيا حققت النصر على الصعيدين الإستراتيجي والتكتيكي بسوريا بينما فشلت الولايات المتحدة في إسقاط نظام بشار الأسد.
ومن جانبه، ذكر قو تشنغ لونغ الباحث بنفس المركز أن قرار إدارة ترامب قطع الدعم العسكري عن المعارضة السورية يعد خطوة جوهرية في سياسات الولايات المتحدة تجاه سوريا، ودفع حلفاء أمريكا في المنطقة إلى القيام بتعديلات، ومن هنا تطورت الأوضاع السورية داخليا وخارجيا لصالح نظام بشار الأسد.
وشاطره الرأى قونغ تشن شي، معربا عن اعتقاده أيضا بأن النصر الذي حققته القوات السورية سينعكس لا محالة على طاولة المحادثات. وفضلا عن ذلك، سيساهم نظام الأسد في الحفاظ على استقرار سوريا لأن عدم ظهور داعش مجددا مرهون بعدم عودة الاضطرابات إلى سوريا مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى، فإنه رغم إعلان العراق في الشهر الجاري تحرير أرضه بالكامل من سيطرة داعش بعد نحو ثلاث سنوات من القتال،إلا أن بلاد الرافدين كان قد واجهت هذا العام مشكلة أخرى تمثلت في استفتاء الانفصال الذي أجراه إقليم كردستان العراق وجاءت أكثر من 90 في المائة من الأصوات التي أدلى بها فيه مؤيدة للاستقلال..
بيد أن قونغ لفت إلى أن الدول الكبرى والقوى الإقليمية اتفقت على إنهاء المعركتين السورية والعراقية، وهذا مفاده أن الأطراف الرئيسية قد توصلت إلى "تفاهمات بينية" للحفاظ على سلامة الأراضي والوحدة الوطنية لكل من سوريا والعراق، وبهذا لن يتغير الإطار الرئيسي للحل السياسي للأزمة السورية.
وأكد قونغ أن المعارك الثلاث في سوريا والعراق واليمن مرتبطة ببعضها البعض، منوها إلى أنه من الأهمية بمكان وضع نهاية للعملية العسكرية التي يقوم بها التحالف العسكري بقيادة السعودية منذ عام 2015 ضد الحوثيين في اليمن وخفض التصعيد مع إيران واستمرار روسيا في الاضطلاع بدور هام في هذا الصدد.
-- الشرق الأوسط ... ساحة لتنافس قوى إقليمية
شهد عام 2017 تنافسا بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، ويتوقع تانغ جي تسان أن تزداد حدة هذا التنافس مستقبلا، واتفق معه في الرأى قو تشنغ لونغ قائلا إن سلسلة من الأحداث التي تجسدت بالمنطقة مثل قطع السعودية ودول خليجية أخرى علاقاتها الدبلوماسية مع قطر،ومشاركة السعودية في الحرب اليمنية،وإعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته تعكس تنافسا محموما بين السعودية وإيران، وهو ما يتيح فرصة للتدخل الأمريكي والروسي في شؤون هذا الإقليم.
وأشار تانغ جي تسان إلى أنه فضلا عن ذلك، تلعب إسرائيل وتركيا دورا في تحريك الأمور في هذه المنطقة الملتهبة من العالم، إذ ترغب إسرائيل على ما يبدو في التنسيق مع قوى في المنطقة للحيلولة دون صعود النفوذ الإيراني فيما تقوم تركيا بدور في المناطق شمالي سوريا لمنع اتساع نفوذ الأكراد المحليين.
وتابع تانغ قائلا إن اللعبة بين الولايات المتحدة وروسيا تؤدي شيئا فشيئا إلى تغير المشهد الجيوسياسي، حيث تعتبر الزيارة النادرة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لروسيا في أكتوبر الماضي أهم رموز هذا التغيير حيث أصبح الحلفاء التقليديون للولايات المتحدة يولون في السنوات الأخيرة اهتماما أكثر فأكثر بالدور الروسي.
ولفت قونغ تشن شي إلى أنه في عام 2017، تشابكت عدة معضلات مختلفة مع بعضها البعض في الشرق الأوسط، وتدخلت الدول الكبرى في شؤون المنطقة بدرجة كبيرة، وبرزت بشكل مستمر تناقضات جديدة فور خفوت حدة التناقضات القديمة.
أما تانغ جي تسان فأشار إلى أنه بالإضافة إلى اللعبة بين واشنطن والكرملين والتنافس بين السعودية وإيران، تصدرت أيضا مسألة كيفية حل القضية الكردية جدول الأعمال في عام 2017، وهو عام صعدت في نهايته القضية الفلسطينية إلى الواجهة مرة أخرى مع اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وتوقع قو تشنغ لونغ أن تظل القضية الفلسطينية والملف النووي الإيراني والأزمتان السورية واليمنية والقضية الكردية من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط خلال عام 2018، لافتا إلى أنه من الصعوبة بمكان أن تخرج المنطقة من عنق الزجاجة في العام المقبل.