بغداد 30 ديسمبر 2017 (شينخوا) أوفى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بوعده بان يكون العراق خاليا من تنظيم "داعش" المتطرف في العام 2017، بإعلانه في التاسع من شهر ديسمبر الجارى تحرير جميع الاراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش الارهابي ودعوته للعراقيين للتكاتف والتوحد للانطلاق إلى مرحلة جديدة تزيل الاثار التي خلفها هذا التنظيم.
وكان العبادي، قال في كلمة وجهها للشعب العراقي "نعلن لأبناء شعبنا ولكل العالم أن الابطال الغيارى وصلوا لآخر معاقل داعش وطهروها ورفعوا علم العراق فوق مناطق غربي الانبار التي كانت آخر ارض عراقية مغتصبة، وأن علم العراق يرفرف اليوم عاليا فوق جميع الاراضي العراقية وعلى ابعد نقطة حدودية ، إن ارضكم قد تحررت بالكامل، وإن مدنكم وقراكم المغتصبة عادت إلى حضن الوطن، وحلم التحرير اصبح حقيقة، واضحى النصر باليد".
لكن هذا الانجاز الكبير لم يأتي بسهولة فقد دفع العراق خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية التي قضاها في محاربة التنظيم المتطرف، ثمنا باهظا من ارواح مقاتليه و المدنيين الذين قتلوا بسبب العمليات العسكرية او الذين قتلهم التنظيم المتطرف بتهم باطلة بحجة التعاون مع القوات العراقية، فضلا عن الخسائر المادية الكبيرة التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، بالاضافة إلى المشاكل الاجتماعية التي خلفتها هذه الحرب.
هل انتهى الارهاب بعد القضاء على داعش
ان الانتصار العسكري واستعادة السيطرة على جميع الاراضي العراقية من سيطرة التنظيم المتطرف لا تعني القضاء على هذا التنظيم الارهابي، او عدم وجود تحديات امام هذا البلد الذي مزقته الحروب واعمال العنف وانه سوف يعيش حياة طبيعية وبدون اية مشاكل.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي صباح الشيخ لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن المرحلة المقبلة بعد تحرير الاراضي العراقي من سيطرة تنظيم داعش الارهابي ستكون فيها تحديات كبيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والتعايش الاجتماعي والسلمي، وكل هذه التحديات تجعلنا نعتقد بضرورة وجود خطة شاملة ومهنية وعملية للنهوض بهذا البلد الجريح من المآسي التي ألمت به".
واضاف "إن اعلان العبادي لا يعني نهاية هذا التنظيم في العراق، ولا يعني نهاية الارهاب، لكنه يعني ان العراق وجه ضربة كبيرة لهذا التنظيم المتطرف، فبعد ان كان يسيطر على اكثر من 40 بالمائة من مساحة العراق، اصبح الان لا يفرض سيطرته على اية مدينة او قرية، فضلا عن خسارته لكبار قادته وآلاف المقاتلين، وتواجده يقتصر في مناطق نائية وبعيدة ".
وأوضح الشيخ ان التنظيم ما يزال يتواجد في مناطق صحراوية غربي العراق، فضلا عن تواجد العشرات من عناصره في منطقة امطبيجة الواقعة بين محافظتي ديالى وصلاح الدين، وتواجد بعض عناصره في جبال حمرين التي تفصل بين محافظتي صلاح الدين وكركوك، وهذه المناطق تتميز بطبيعتها الجغرافية الصعبة لكثرة السهول والتلال وكثافة الاشجار فيها ووعورة الطرق، لذلك سوف تبقى هذه المناطق تشكل خطرا على العراق خلال العام المقبل وتحديا امام قواته.
وتابع "على الحكومة العراقية ان تكثف جهودها وتقوم بتطويق هذه المناطق ومحاصرتها خصوصا وانها خالية من السكان حاليا، وتكثف الطلعات الجوية فوقها وضرب اية مواقع ترصدها الطائرات، كما يجب على الحكومة ان تحسن سياستها وتعاملها مع سكان المناطق التي احتلها التنظيم المتطرف من اجل كسبهم لصفها، لكي لايؤيدوا اي تنظيم جديد قد يظهر، لان المواطن عندما يشعر بان الحكومة تحترمه وتقدم الخدمات له وتوفر احتياجاته سوف يتعاون معها".
ودعا الشيخ الحكومة إلى تفعيل الجانب الاستخباري وتنشيط ملف المصالحة الوطنية الحقيقية وابعاد العناصر الطائفية وغير المهنية والفاسدة من القوات الامنية، والتعاون مع السكان المحليين لان الامن يفرض بتعاون المواطن وليس بالقوة، كما طالب بضبط الحدود وتوفير اجهزة حديثة لمراقبتها.
من جانبه، قال الباحث في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي "إن معركة الاستخبارات والمعلومات القادمة مع تنظيم داعش، تقوم على تطوير القدرات الاستخبارية على صعيد التقنيات، والتنسيق المشترك والتخصيصات المالية.
ودعا إلى ضرورة تكييف الاستخبارات العراقية مع تحولات داعش التنظيمية والمنهجية من الناحية الاستخبارية والعملياتية، وتطوير أساليب عمل أكثر تركيزا ودقة ونجاعة وردعا، وحتى لا تكون لداعش وأخواتها فرصة أخرى للعودة من جديد إلى صناعة أرض التمكين "أرض الخلافة المزعومة".
ويرى الشيخ ان العراق يعاني من مرض اخر وهو احزاب المحاصصة الطائفية متوقعا حصول صراع بين قيادات سياسية شابة تحاول ازاحة القيادات القديمة، التي تسببت بمشاكل كبيرة للعراق والى احتلال العديد من المحافظات العراقية وتدمير بنيتها التحتية من قبل التنظيم المتطرف، متوقعا ظهور صراع شيعي جنوبي العراق كنتيجة من افرازات المعارك مع تنظيم داعش كون الالاف من ابناء الجنوب قتلوا فيها الا ان مناطقهم ما تزال تفتقر إلى ابسط الخدمات.
وأكد الشيخ أن التحدي الاخر الذي سيواجه العراق هو دحر التنظيم فكريا لان فكره هو الاخطر والاشرس على الساحة وهذا ما اكده العبادي خلال مؤتمر الأمن الوطني حين قال "لا يجوز ان نضيع النصر بغفلة هنا او هناك وان لا نسمح للارهاب بان يحقق اي خرق، فالعدو لديه فكر منحرف ويجب ان نكون بمستوى التحدي من خلال تركيز الجهود الاستخبارية والامنية".
وناشد الشيخ الحكومة العراقية بضرورة الاسراع في عمليات اعادة اعمار المناطق المدمرة بسبب الحرب وخاصة في مدينة الموصل التي هي بحاجة الى اموال كثيرة لا يمكن للعراق توفيرها حاليا، قائلا "على الحكومة ان تبدأ بعملية الاعمار وتساعد الناس في بناء منازلها، نعم تحتاج ربما الموصل وحدها إلى 100 مليار دولار، لكن المهم البداية حتى يشعر المواطن بان الحكومة تساعده".
ودعا إلى تكثيف الجهود لمساهمة دول العالم باعادة المدن المدمرة لان اعادة الاعمار وعودة الحياة إلى طبيعتها تساهم في محاربة الارهاب ومواجهة افكاره التي تستغل في كثير من الاحيان حاجات الناس الاساسية.
وذكر الشيخ ان الحكومة ستواجه تحديا كبيرا بعد فترة داعش، وهو محاربة الفساد التي انتقدت المرجعية الشيعية العليا تأخر انطلاقها قائلة إن "المعركة ضد الفساد وان تأخرت كثيرا، لا تقل ضراوة عن معركة الارهاب ان لم تكن اشد واقسى"، مبينا ان رئيس الحكومة حيدر العبادي وصف المعركة ضد الفساد بانها لا تقل خطورة عن معركة الارهاب لكنه أكد أن حكومته ستنتصر في محاربة الفساد كما انتصرت في الحرب على داعش.
وأقر الشيخ بصعوبة هذا التحدي لان الفساد مستشري في العراق لوجود شخصيات رفيعة المستوى تدور حولها تهما بالفساد ورعاية فاسدين عليهم ادلة واضحة، قائلا "الايام المقبلة ستظهر مدى جدية الحكومة في محاربة الفساد، او انها مجرد دعاية انتخابية، فاذا شاهدنا اجراءات قانونية اتخذت بحق شخصيات كبيرة ومعروفة فاننا سنقر بجدية الحكومة وبعكسه، سوف تكون مجرد دعاية انتخابية مبكرة".
إلى ذلك، يؤكد التحالف الدولي الداعم للعراق، الذي تقوده واشنطن، إن التنظيم المتطرف ما يزال يشكل تهديدا على سلامة العراق وان المعركة ضده لم تنته بعد، وهذا الامر اكدت عليه الامم المتحدة ايضا قائلة " لا يمكن القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، إلا من خلال القضاء على أيديولوجيته (التكفيرية) البغيضة وتجفيف منابع دعمه الخارجي ومعالجة الأسباب التي دفعت الكثير من العراقيين للانضمام إلى داعش أو التسامح معها".
واضافت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق في بيان " يبقى لزاما أن تواصل السلطات العراقية اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين من الإرهابيين، واجراء الانتخابات في موعدها المقرر، والعودة الطوعية للنازحين إلى ديارهم في أمانٍ وكرامة خلال الأشهر المقبلة".
وتابعت "لضمان ألا يجد الإرهابيون مرة أخرى أرضية خصبة للعمل والتنامي، فإن العراق بحاجة إلى الدخول في حوار وطني شامل وتسوية مصحوبة بعملية من القواعد الشعبية والمصالحة المجتمعية، ومن الأولويات الأخرى إيجاد حل عادل ومستدامٍ وبشكل عاجل للمسائل العالقة بين بغداد وأربيل من خلال حوار شراكة يقوم على الاحترام الكامل للدستور".
الازمة بين بغداد واربيل
تفاقمت الازمة على خلفية الاستفتاء المثير للجدل الذي اجراه اقليم كردستان شمالي العراق في 25 سبتمبر الماضي، ما دفع حكومة بغداد لاتخاذ سلسلة من الاجراءات العسكرية والادارية اسفرت عن استعادة قواتها السيطرة على كركوك الغنية بالنفط والمناطق المتنازع عليها، مازاد من تأزميم العلاقة بين الجانبين وصل في بعض الاحيان إلى الاشتباك العسكري.
ويرى المراقبون ان الاكراد هم الخاسر الاكبر جراء عملية الاستفتاء، مؤكدين ان اصرار رئيس اقليم كردستان السابق مسعود بارزاني على اجراء الاستفتاء رغم كل النصائح، ورفض المجتمع الدولي له، قد ضيع الحلم الكردي في تأسيس الدولة التي يتمنى كل كردي تشكيلها منذ مئات السنوات.
وبعد انتهاء فترة رئاسة مسعود بارزاني في الاول من نوفمبر الماضي وتحويل صلاحياته إلى الحكومة والبرلمان الكرديين، وصدور قرار من المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم شرعية الاستفتاء ، ورغم اعلان حكومة الاقليم احترامها لهذا القرار، الا ان الحكومة العراقية اعتبرت ان هذا الترحيب غير كاف لان كلمة احترام لها معنيين بالجانب السياسي الاول ان كردستان تحترم قرار المحكمة الاتحادية، والثاني يعني ان للاقليم رايا اخر مغايرا لقرار المحكمة، لذلك تطالب حكومة العبادي بتغيير كلمة نحترم إلى كلمة نلتزم.
ولحد الان لم يستجب العبادي للوساطات الامريكية والبريطانية والفرنسية، التي تسعى لتطويق الازمة بين بغداد واربيل، ويؤكد على ضرورة تلبية كردستان لشرطيه، اللذان يستندان إلى الدستور العراقي وقرار المحكمة الاتحادية العليا وهما تسليم الاقليم للمنافذ الحدودية لحكومته، واعلان حكومة الاقليم الغاء نتائج الاستفتاء، كشرط لبدء الحوار مع الاقليم.
وبهذا الخصوص، قال المحلل السياسي علي الجاسم "ان الحلم الكردي باعلان دولة مستقلة لن يموت لكن، قضية الاستفتاء غير المدروسة والتسرع في اجراءه، رغم نصائح اغلب دول العالم وخاصة الكبرى منها والتي رفضها الزعيم الكردي مسعود بارزاني، افشلت هذا الحلم في الوقت الحاضر او اجلته إلى عقود او قرن على الاقل".
وتابع الجاسم "الاكراد الان منقسمون على انفسهم، والوضع الاقتصادي في تردي، والموظفين لا يتسلمون رواتبهم وتظاهروا ضد الحكومة التي جابهت هذه التظاهرات بقوة ما ادى إلى سقوط قتلى، الامر الذي دفع بعض الجهات الكردية الفاعلة للانسحاب من الحكومة كحركة التغيير، واستقالة رئيس البرلمان الذي ينتمي لنفس الحركة،، بل ان هناك جهات سياسية كردية تسعى لتشكيل وفد شعبي وبرلماني للذهاب إلى بغداد للتفاوض معها لانهاء الازمة او على الاقل دعم بغداد للسكان بتوفير الحاجات الاساسية لهم".
ونصح الجاسم الحكومة العراقية بان تبدي نوعا من المرونة لان التشدد سوف يولد تشددا، ما قد يدفع بعض القيادات الكردية إلى العمل لاقناع الاكراد بانهم مستهدفون كقومية، وان كركوك قد فقدوها وسيفقدون حتى هويتهم القومية.
وحسب ما سربه مصدر مقرب من رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي فان الاخير وضع مجموعة من الشروط يجب على كردستان تنفيذها قبل البدء باي حوار، وهي إلغاء الاستفتاء، وليس تجميده، بإعلان رسمي صريح، وتسليم جميع المنافذ الحدودية والمطارات في كردستان للسلطة الاتحادية، وتسليم واردات الإقليم النفطية وغير النفطية وواردات الجباية والرسوم لمؤسسات الحكومة في الإقليم للدولة في بغداد، وتسليم كافة المطلوبين للحكومة العراقية الموجودين في الإقليم إلى بغداد، والعودة إلى الخط الحدودي الإداري لكردستان قبيل عام 2003.
وتسعى الرئاسة العراقية لرعاية حوار بين الجانبين وباشراف الامم المتحدة مطلع العام الجديد من اجل انهاء هذه الازمة التي انعكست بصورة سلبية على حياة المواطن الكردي، مؤكدة ان الحوار يعتمد على الدستور العراقي.
وأكد المكتب الاعلامي للرئاسة الاسبوع الماضي الدعوة لـ "بدء حوار فوري بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على أن يكون برعاية رئاسة الجمهورية والدعم الفني للأمم المتحدة ، ويهدف إلى إحلال العلاقات الطبيعية بين الجانبين على أساس الدستور وقرارات المحكمة الاتحادية، وبما يحل كافة المشاكل الراهنة بين الجانبين ويعمق الوحدة الوطنية ويعزز مكاسب النظام الديمقراطي الاتحادي، فضلا عن ضمان الحقوق والحريات الدستورية لكافة المواطنين وتوفير المقتضيات الحياتية الضرورية لهم".
وكشف ان الحوار بين الجانبين سيبدأ مطلع العام المقبل وسوف يكون برعاية طرف ثالث أممي"، مؤكدا ان الحوار المنتظر لن يكون برعاية او اشراف اية جهة دولية او أممية مهما كانت انما برعاية رئاسة الجمهورية وحدها في اشارة الى ان "الدعم الفني للأمم المتحدة" المطلوب ليس اشرافا او رعاية بأي شكل من الاشكال.
من جانبها، أكدت بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق ((يونامي)) استعدادها لبذل مساعيها الحميدة لدعم المفاوضات بين حكومة بغداد وحكومة إلاقليم، والعمل في إطار الدستور العراقي والتركيز على كافة المسائل العالقة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر المخصصات في الموازنة الاتحادية ودفع الرواتب والسيطرة على الحدود، استجابة لاحتياجات جميع المواطنين العراقيين بعد الانتصار الذي تحقق بشق الأنفس على تنظيم داعش الارهابي.
وفي هذا الشأن، قال اياد علاوي نائب الرئيس العراقي "ناقشنا في اجتماعات الرئاسة الأزمة بين بغداد وأربيل وأكدنا على ضرورة احتواء الاكراد وليس طردهم، فهم جزء حيوي من الشعب العراقي".
وأضاف علاوي "انا ضد تهميش أي عراقي بغض النظر عن خلفية الدين أو الطائفة أو القومية، العراق يجب أن يكون دولة مواطنة، دولة مدنية يتمتع بها الجميع بالعدل والمساواة ولا نستثني إلا من خرج على مألوفات المجتمع ومن التحق بالإرهاب أو دعمه".
وتابع "نحن حريصون على استئناف الحوار وعودة الاكراد، و يجب ألا يعاقب الشعب الكردي بل يجب أن يضم بالكامل إلى العراق الموحد، بانفتاح وبدراية وبمحبة وأخوة ،هذا هو الذي يجب أن يحصل".
ومع ترحيب اغلب دول العالم لانطلاق هذا الحوار المرتقب فان الانظار تتجه إلى مطلع العام الجديد لبدء الحوار وانهاء القطيعة بين بغداد واربيل، لكي يكون عاما جديدا بدايته تنطلق بحوار بناء من اجل حل جميع المشاكل والانطلاق صوب غد افضل لكل العراقيين.