بغداد 2 فبراير 2018 (شينخوا) نباح كلاب وصياح ديكة، غثاء ماعز، وتغريد بلابل وزقزقة عصافير، وهديل حمام، وأصوات طيور منوعة وحيوانات متعدده ممزوجة بأصوات رجال من مختلف الاعمار ينادون على بضاعتهم، هكذا بدت الصورة في سوق الغزل أقدم أسواق بيع الطيور والحيوانات وسط العاصمة العراقية بغداد.
جاءت تسمية السوق بسوق الغزل، الواقع بمنطقة الشورجة بين جامع الخلفاء ومنارته الشهيرة التي تعود لنحو سبعة قرون، وكنيسة السيدة العذراء، أقدم الكنائس في بغداد، نسبة إلى اتخاذه من قبل تجار النسيج والغزل ابان العهد العثماني مكانا لتسويق بضائعهم، وبقى على هذه الحال عقودا طويلة من الزمن، حتى تحول قبل اكثر من 50 عاما إلى سوق لبيع الطيور والحيوانات البرية والداجنة بمختلف أنواعها.
وتفتح محال سوق الغزل أبوابها طيلة أيام الاسبوع، لكن الذروة فيها تبلغ يوم الجمعة حيث يحضر آلاف الاشخاص ومن مختلف مناطق العاصمة والمحافظات العراقية من عشاق تربية الطيور والحيوانات بمختلف انواعها ومن يبحث عن كسب العيش والتجارة.
الدخول إلى السوق يوم الجمعة يكون سيرا على الاقدام لان قوات الأمن العراقية تغلق شارع الجمهورية المؤدي إلى السوق، وتمنع حركة مرور السيارات، وتضع الحواجز الامنية لتوفير والامن والاستقرار لمراجعي وباعة السوق، بحيث تفتش ثلاث مرات من قبل اطواق الشرطة قبل الدخول إلى السوق.
وقال مفوض الشرطة صلاح عبدالله المسؤول عن احد الحواجز الأمنية لوكالة أنباء (شينخوا) " نقوم كل جمعة باغلاق الطريق امام السيارات، وننشر الدوريات الراجلة والسيارة في كل الافرع المؤدية للسوق، فضلا عن نشر عناصر امنية وسط المدنيين، لتوفير الاجواء الامنية".
تفاجأنا بعد دخولنا إلى السوق حيث وجدنا طائرا غريبا جميلا هو طائر الفلامنكو الذي يهاجر في الشتاء إلى العراق، لكن بعض الصيادين يقومون باصطياده جنوبي العراق في منطقة الاهوار وجلبه إلى السوق لبيعه، حيث يتجمع العديد من الشباب حوله وبعضهم يلتقط له الصور بهاتفه الجوال.
وقال حيدر عبد الامير الذي يعرض طائرين من الفلامنكو مع انواع مختلفة من البط والدجاج بمختلف انواعه، حصلت على هذين الطائرين من جنوب العراق، وعرضت الطائر ب30 الف دينار عراقي (25 دولارا)، فهو طائر جميل ويجذب الناس".
بدوره، قال علي عادل (21 سنة) طالب جامعي "حرام، ان يكون هذا الطائر هنا، وحرام ان يكسر جناحه، انه طائر جميل جاء الينا مهاجرا، يبحث عن الدفيء، لكن مع الاسف هناك من كسر جناحه واصطاده ليحوله إلى بضاعة تباع وتشترى".
وأضاف " لو اني املك المبلغ الذي يريده البائع للطائرين لاشتريتهما واطلقت سراحهما، لكن مع كل الاسف لا يوجد لدي مال يكفي، لاطلاق سراح هذا الطائر الجميل".
ليس بعيدا عن محل حيدر، حيث محل جمال الاحمدي الذي يعرض فيه عدة طيور من الفلامنكو اخبرنا بانها وصلت اليه من مدينة العمارة جنوبي العراق اصطادها الصيادون هناك وجلبها تجار الطيور اليه، مبينا ان سعر الطائر الواحد (30 الف دينار).
وأوضح الاحمدي انه يحصل على مختلف انواع الطيور والدجاج والبط من مناطق مختلفة من العراق وخاصة من الجنوب، لافتا إلى أن بعض الطيور يشتريها من اشخاص يجلبونها من خارج العراق.
ولفت انتباهنا تجمعا على شكل دائرة من الرجال توجهنا اليه وجدنا فيها ديكين يتقاتلان وكأنهما عدويين حيث يكيل الواحد للاخر مختلف انواع النقر والضرب بالارجل، والدماء تسيل منهما، وسط صيحات تشجيعية من صاحبيهما والاشخاص الموجودين حول الحلبة.
وقال صالح عباس، صاحب احد الديوك "هذا الديك اشتريته ب 40 الف دينار (30 دولارا) ودربته على القتال وهو الان يخوض نزالات مع بقية الديوك، لقد اصبح مشهورا بالانتصار على بقية الديوك"، مضيفا "لا افكر ببيعه لاني اشعر بانه جزء من حياتي وبيتي".
إلى ذلك، قال محسن الساعدي (25 سنة) القادم من مدينة الصدر شرقي بغداد "انتظر يوم الجمعة بفارغ الصبر، حيث احضر منذ الصباح ولا اعود حتى يغادر الجميع، لاني احب تربية الطيور واصواتهن وجمالهن واستمتع بوجودي في السوق".
وأوضح الساعدي الذي يتردد على السوق منذ سبع سنوات بان السوق شهد ازدحاما كبيرا خلال السنتين الماضيتين، بسبب تحسن الوضع الامني، حيث يحضر العديد من الهواة ومحبي الطيور والحيوانات من مختلف المحافظات لممارسة هواياتهم واعمالهم.
وأشار إلى أن السوق اليوم يشهد ازدحاما كبيرا لان اليوم هو اول جمعة بالعطلة الربيعية، لذلك الكثير من الشباب يأتون إلى هذا السوق لممارسة هواياتهم.
وعن مصدر الطيور ومن اين تأتي، اجاب الساعدي "اغلب الطيور تأتي تهريب من دول الجوار، وبعضها يتم اصطياده في الاهوار خاصة طيور الماء والبعض يتم تربية من قبل مربي الطيور، وخاصة طيور الحب والبلابل".
اكثر الطيور المعروضة بالسوق هي الحمام بانواعه المختلفة، حيث تنتشر تربية الحمام بين الشباب العراقي، فضلا عن الدجاج واشهره الدجاج الاسباني، وانواع مختلفة من طيور الحب، والبط والاوز، واسماك الزينة، التي يحرص العديد من العراقيين ان يضعوا حوضا من اسماك الزينة في منازلهم، بالاضافة طيور الببغاء والبلابل والنعام والطاووس والنسور، إلى جانب انواع الكلاب وهناك انواع من الطيور لا يعرف الباعة اسمائها، فضلا عن الارانب وانواع مختلفة من حيوانات غريبة.
ويباع في سوق الغزل مختلف أنواع الاقفاص المخصصة للطيور والحيوانات الصغيرة، فضلا عن انواع مختلفة من العلف المخصص للطيور والدواجن، وبعض الادوية المخصصة للطيور والحيوانات.
ويفتخر البغداديون بوجود الاسواق التراثية في مدينتهم، والتي عادت الحياة اليها بعد القضاء على تنظيم داعش الارهابي وتحسن الوضع الامني في عموم البلاد، يتمنون ان تعود بغداد إلى سابق عهدها عندما كان يطلق عليها مدينة السلام ويأتيها الناس من كل انحاء العالم، كونها كانت عاصمة العالم لقرون عديدة.