القاهرة 14 مارس 2018(شينخوا) ظاهريا، غالبا ما تبرز الولايات المتحدة نفسها على أنها وسيط سلام في منطقة الشرق الأوسط المضطربة التي تعاني من الفوضى والعنف والصراعات منذ فترة طويلة.
هذا التظاهر ربما تمكن من خداع الآخرين ، ولكنه لم يعد ينفع بعد ظهور تقرير صدر مؤخرا عن المعهد الدولي لبحوث السلام في العاصمة السويدية ستوكهولم، وأكد أن الولايات المتحدة هي أكبر مصدر للسلاح للشرق الأوسط .
إذن، كان ذلك خداعا ؟ لقد ظهر أن وسيط السلام هو في الحقيقة أكبر مزود لأكثر آلات الفتك والقتل والتدمير.
لقد حذر يان إليسون، رئيس مجلس إدارة المعهد الدولي لبحوث السلام قائلا "إن تزايد تدفق الأسلحة يثير قلقا بالغا إزاء آثارها على السلام والأمن بالعالم."
نصف صادرات الأسلحة الأمريكية تقريبا تتدفق نحو الشرق الأوسط
يكشف تقرير المعهد المذكور أعلاه والذي نشر يوم الإثنين أنه خلال الفترة 2013-2017، ازدادت صادرات الأسلحة الأمريكية بمعدل 25% عن فترة 2008-2012، مواصلة تقدمها باعتبارها أكبر مصدر أسلحة في العالم.
لقد احتلت الولايات المتحدة 34% من إجمالي مبيعات الأسلحة في العالم خلال الفترة 2013-2017. وجدير بالذكر هنا أن نصف هذه المبيعات أو 49% من إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية ، تدفق على الشرق الأوسط.
وعلى ضوء ذلك، يظهر أن منطقة الشرق الأوسط المنكوبة بالحروب والصراعات هي أكبر سوق للأسلحة ، محتلة نحو ثلث إجمالي واردات الأسلحة بالعالم. وخلال الفترة 2013-2017 تضاعفت واردات الأسلحة لهذه المنطقة.
وتحتضن منطقة الشرق الأوسط أيضا أكبر عدد من أبرز مستوردي الأسلحة بالعالم، ومنهم العربية السعودية، وهي ثاني أكبر مستوردي الأسلحة ، تليها مصر بالمرتبة الثالثة ثم الإمارات العربية المتحدة بالمركز الرابع. وتعتبر إسرائيل وكذلك العراق وقطر، من المشترين الرئيسيين للأسلحة بالمنطقة.
لقد سجلت العربية السعودية الغنية بالنفط زيادة بـ225% في واردات الأسلحة خلال الفترة 2013-2017، بينما قفزت واردات مصر من الأسلحة بمعدل 215% وارتفعت واردات إسرائيل 125%.
هذه الزيادات الحادة في واردات الأسلحة لدول بالشرق الأوسط تعكس الوضع الجيوسياسي بالمنطقة، حيث قادت الحرب الجارية ضد الإرهاب والخصومات المتفاقمة بين المتنافسين على النفوذ بالمنطقة وتزايد التوتر بين دول الخليج المتجاورة، إلى سباق بين الدول الإقليمية لبناء ترساناتها من الأسلحة .
قال البروفيسور إلتير توران، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بيلغي في اسطنبول التركية، لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إن الشرق الأوسط باعتباره منطقة نزاع ، يجذب بالتأكيد أنظار مصدري الأسلحة . ولأن هناك دولا غنية بالنفط بالمنطقة، فهي على ما يبدو سوق جذابة لمبيعات الأسلحة ."
ويرى حسام الدجاني، وهو محاضر فلسطيني في جامعة الأقصى وجامعة الأزهر في قطاع غزة، أن حكومة الولايات المتحدة تتعرض لضغوط من لوبي صناعة الأسلحة القوي بالولايات المتحدة.
ويضيف "وبالتأكيد، فإن الساحة الأفضل لصانعي الأزمات والصراعات هي الشرق الأوسط."
ومضى يقول إن الولايات المتحدة لن تلعب دورها في تسوية الأزمات والصراعات رغم قوتها السياسية والعسكرية. وبدلا من ذلك، فإن مبيعات الأسلحة بالمنطقة "تهدف إلى إثارة الفتنة" كما فعلت بالعراق وسوريا واليمن وليبيا وأماكن أخرى."
الصيد بالمياه العكرة
في كل الأحوال ، لقد ظلت الولايات المتحدة تستفيد من الفوضى بالشرق الأوسط .
قال سعيد اللاوندي ، خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في العاصمة المصرية القاهرة، في حديث مع ((شينخوا)) "بالطبع، إن الولايات المتحدة تستفيد بهذه الطريقة أو تلك من الفوضى والحروب الدائرة بالشرق الأوسط ، والمنطقة العربية تحديدا."
ويقف خلف استفادتها هذه من أعمال بيع وتصدير هذه الأسلحة ، تغذيتها للوضع الفوضوي بالشرق الأوسط الغني بالنفط ، وتسهم بذلك سياساتها التدخلية وعلى رأسها غزوها البغيض للعراق في عام 2003، وتدخلها العسكري في ليبيا عام 2011، ودعمها للفوضى والاضطرابات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وتورطها الحالي في الحرب الداخلية في سوريا.
وأضاف البروفيسور توران قائلا "هذا حقيقي بالتأكيد، لأن الولايات المتحدة، قامت من خلال غزوها للعراق، بتحطيم نظامه وتدمير السلام المحلي فيه، رغم أن ذلك الوضع السلمي كان دكتاتوريا ووحشيا جدا. ولكن، ما حدث لاحقا لا يعني أبدا أنه تحقق الأفضل."
وأشار أيضا إلى أنه "وعلى نفس المنوال، فإن التدخلات الأمريكية الأخيرة بالشرق الأوسط لم تساعد في تحسين أفق السلام بالمنطقة."
وبدعم من واشنطن، تقوم العربية السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة وعدة دول عربية أخرى، بشن حرب غالية الثمن جدا، منذ عام 2015، على المتمردين الحوثيين باليمن، الذين يقال إنهم مدعومون من إيران.
وظلت الولايات المتحدة أيضا في عداء طويل الأمد مع إيران التي تعتبر عدوا لكل من السعودية وإسرائيل، وغالبا ما ترفع واشنطن صوتها محذرة من التهديد النووي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية .
ولفترة طويلة، تواظب كل من السعودية وإسرائيل على الاستعداد لمواجهة عسكرية محتملة مع طهران، وتواظبان أيضا على الحصول على أسلحة متقدمة من الولايات المتحدة.
وتأتي الأزمة الأخيرة بين دول الخليج، حيث تقف قطر "محاصرة أو مقاطعة" من أربع دول عربية تقودها السعودية ومعها البحرين ومصر والإمارات ، وهذه الأزمة تفيد أيضا الولايات المتحدة التي يحملها البعض مسؤولية تأجيج هذا الخلاف وتفاقمه.
وأضاف سعيد اللاوندي قائلا "يمكننا أن نرى أن الهدف الرئيسي لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول الخليج هو لتوقيع اتفاقيات التسليح و لتأجيج النزاع مع قطر، وهكذا يمكن للولايات المتحدة أن تبيع أسلحة إلى قطر ولكافة دول الخليج الأخرى ."
وأشار بذلك إلى الزيارة التي قام بها ترامب للشرق الأوسط في مايو الماضي، حيث زار العاصمة السعودية الرياض. وبعد تلك الزيارة، قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية فجأة مع قطر في يونيو، وفرضت حصارا تاما على قطر، جارتها الخليجية الصغيرة الغنية بالنفط والغاز .
ومنذ اشتعال هذه الأزمة وتفاقمها، أبرمت الولايات المتحدة اتفاقيات هائلة لبيع الأسلحة للخصوم المتنازعين، وعلى رأسهم السعودية وقطر.
لقد وقعت الولايات المتحدة والعربية السعودية اتفاق تسليح بقيمة 110 مليارات دولار أمريكي خلال زيارة ترامب المذكورة أعلاه ، وتلا ذلك توقيع اتفاق تسليح أمريكي لقطر بقيمة 12 مليار دولار، حيث اشترت قطر طائرات أمريكية مقاتلة في يونيو العام الماضي 2017.
وأشار اللاوندي إلى أنه "وعلى ضوء ذلك، فالولايات المتحدة هي المستفيد الوحيد من الفوضى والعنف في المنطقة."
بائع أسلحة أم وسيط سلام
لقد سعت الولايات المتحدة منذ سنوات لصبغ نسفها بصبغة الوسيط لإيجاد تسوية سياسية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، ووسيطا لإيجاد حل دبلوماسي للأزمة بين دول الخليج.
ولكن هناك الكثير ممن ينتقدون الدور الأمريكي في الشرق الأوسط ، مشيرين إلى أنها تتحمل دَينا أخلاقيا عليها تسديده إذا أرادت أن تكون صانع سلام نزيه وحقيقي.
قال اللاوندي "من الطبيعي أن نشك بمصداقية الولايات المتحدة كوسيط في محادثات السلام في الشرق الأوسط ، لأنه كيف يمكن لأكبر مصدر للأسلحة أن يدخل في أية تسوية سلمية."
قال فيصل أبو شاهله، عضو المجلس التشريعي لحركة فتح وقائد فرعها في غزة، في حديث مع ((شينخوا)) إن الولايات المتحدة هي من يخلق عدم الاستقرار في المنطقة لأنها تستفيد من ذلك في تجارتها للأسلحة .
وأوضح "لأنها تريد بيع الأسلحة ، فهي تسعى لإثارة المشاكل في منطقتنا، وعدم تحقيق أي استقرار، وبمواقفها السابقة وكذلك الحالية، فهي تثبت أنها وسيط غير نزيه."
وأضاف السيد الدجاني أن الولايات المتحدة "لم تثبت أنها يمكن أن تكون وسيطا نزيها في أي نزاع بالمنطقة"، مشيرا على وجه التحديد إلى قرار ترامب المثير للجدل مؤخرا بالاعتراف بالقدس الشريف، عاصمة لإسرائيل رغم الاحتجاجات الواسعة.
وبالنتيجة، رفض الفلسطينيون الولايات المتحدة كراع وحيد لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وأوضح الدجاني قائلا "إنه من العار على الولايات المتحدة، أن لا تعمل على إنهاء الأزمات بالشرق الأوسط."
ويشعر المحللون بالمزيد من القلق بسبب مساعي ترامب الحالية لتأجيج أزمة أخرى حول الملف النووي الإيراني من خلال تهديده بالانسحاب من الاتفاق النووي التاريخي الموقع عام 2015.
قال الدجاني إن هدف الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط هو أولا تحقيق تفتيت المنطقة العربية لضمان تفوق إسرائيل، ثم تغلغل إسرائيل في الشرق الأوسط الجديد، من خلال تضخيم التهديد الإيراني وتصوير إسرائيل على أنها شريك للدول العربية في ما يسمى مساعي كبح التوسع الإيراني .
وقال توران أيضا إن القرار الأمريكي بتحدي الاتفاق الإيراني هو "تصرف غير حكيم."
وأضاف توران "إن الولايات المتحدة تتصرف بشكل غير حكيم ولا مسؤول أبدا في منطقة الشرق الأوسط ، وهي تسهم كثيرا في تهديد السلام في هذه المنطقة."